المتأمل في بقعة المحشر لأهل #الضفة (معبر قلنديا) وهو أحد المعابر المقيتة لمدينة #القدس والذي يجسد كل معاني الذل والهوان والاستخفاف بإنسانية المواطن الفلسطيني، المتأمل في الألوف المؤلفة الزاحفة من خلاله إلى بوابة السماء كل ينتظر دوره يسير في مسارب بعضها للحافلات وبعضها للراجلين الذين نظرت إليهم حكومة الكيان الصهيوني بعين العطف فأذنت لأعمار معينة منهم بالدخول إلى القدس في شهر رمضان وليوم وساعة محددة.
المتأمل في كل هذا يدرك أي عار بلغته أمة فاقت المليار، أمة تستباح مقدساتها وحرمتها ويتحكم برجالها ونسائها جندية لها حق السماح لك بالدخول أو عدمه.
شرذمة يصوّبون بنادقهم إلى صدرك وأبصارهم إلى نظراتك وكأنهم مدربون على قراءة النبض والفكر، أتفكر بهذا المشهد الذي يتكرر كل يوم جمعة فيحضرني حديث رسول الله: "يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل" (رواه أبو داود).
كما يخطر ببالي هتاف للقدس لطالما هتفناه (على القدس رايحين شهداء بالملايين) فأضحك بمرارة من اكتوى قلبه بمرارة الألم إذ منذ الصغر لا أسمع إلا هتافات تذهب أدراج الرياح إذ لا يتبعها عمل، هذه الألوف لو اجتمعت لحجبت عين الشمس ولو نفخت نفخة واحدة لكانت نفخة الصور التي تجعل بني صهيون خامدين، ولكن صدق الذي لا ينطق عن الهوى: "غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن الله في قلوبكم الوهن فقال قائل يا رسول الله وما الوهن قال حب الدنيا وكراهية الموت"، وما أصدق التشابه بين حديث رسول الله وبين واقعنا الذي نحيا.
وتجيل فكرك وبصرك أينقصنا العدد من الأشخاص لنجتث الاحتلال الجاثم على صدورنا ؟ فيرد عليك تواجد الألوف الزاحفة نحو بيت المقدس أنّ ثمة أمر آخر لا علاقة له بالعدد؛ إنها النوعية إذ يقول جل شأنه: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإذْنِ اللَّهِ واللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [سورة البقرة: آية249] فإذا كانت إماطة الأذى عن الطريق صدقة، فإنّ إعداد الإنسان الصالح الفعّال من أعظم الصدقات بل الفروض لأنّ في ذلك إماطة للأذى من دروب البشرية وهذا أوجب.
إذا كانت إماطة الأذى عن الطريق صدقة، فإنّ إعداد الإنسان الصالح الفعّال من أعظم الصدقات بل الفروض لأنّ في ذلك إماطة للأذى من دروب البشرية وهذا أوجب
فالرباط في بيت المقدس لا يكفي له حضور الجسد إذ لا بد من حضور للقلب والفكر فحضورهما ينظم سلوكك وفكرك حتى ابتسامتك تكون وفق ميزان دقيق، فإذا أردت التبسم تذكرت صلاح الدين الذي هجر البسمة مادام بيت المقدس في الأسر، إذ شتان بين رباط تشارك به كل جوارحك وبين رباط صوري لا يتعدى حدود الجسد، وقد جهل أو تجاهل العدد الهائل الزاحف نحو القدس أنّ من تمام الرباط الحفاظ على آداب المسجد فكيف به إذا كان هذا المسجد أولى القبلتين وثالث الحرمين؟!
فكم من متواجد داخل أسواره أضاع أجر رباطه وكم من مرابط حالت الحواجز والحدود دون دخوله فنال أجر رباط قلبه وروحه.
كم من متواجد داخل أسواره أضاع أجر رباطه وكم من مرابط حالت الحواجز والحدود دون دخوله فنال أجر رباط قلبه وروحه
نعم، نحن لا ينقصنا العدد ولا العتاد لعودة الأقصى إلى رحاب المسلمين إنما ثمة أمر نحن إليه أحوج؛ وإنما ينقصنا طبيعة العدد ونوعية القلوب التي في صدور أصحابها إذ هي من تحتاج لإعادة ضبط وشحذ فبذلك تكون أفتك الأسلحة، نحتاج لتوحيد غايتنا ولا يتم ذلك إلا بالتآخي بين قلوبنا كما المهاجرين والأنصار، ومن غير ذلك سنبقى لقمة سائغة على موائد اللئام، دماؤنا مسفوكة بلا ثمن وحرماتنا تُستباح بلا وجل كرة تتقاذفها أقدام الجهّال، تُهدم القلاع وتُقتل الأحصنة والفيلة والجنود بأبخس الأثمان ولا لشيء اللهم إلا كما يحدث في لعبة الشطرنج.