الإنسان في مراحل عمره ومحطات حياته يمر بمواسم ويكون على أحر من الجمر في انتظارها ويتلقاها بشوق الغريب لوطنه والحبيب لحبيبه، إذ بها يتحلل من أثقال الروح والقلب فمثلما #رمضان من الزمان جنة المؤمن في الأرض، فكذلك لا بد لكل واحد منا من مكان يأوي إليه ويلقي بأحماله على أعتابه.
لقد اعتاد كل من القلب والروح في أشهر رمضان من سنوات خلت أن يجمعا جنة الزمان والمكان؛ فيقسم رمضان قسمين بين مساجد الله الثلاث التي لا تشد الرحال إلا إليها، نصف في بيت المقدس والآخر في الحرمين المكي والمدني، وعند أول خطوة تضعها قدماي في أرض الحرمين أتأمل الفجوة بين واقع الأماكن القدسية الثلاث، #القدس بحزنها الذي يعلو قبابها وأسوارها، ومكة والمدينة رغم ظاهر النعمة التي يرفلان بها إلا أنّ حزناً دفيناً يقبعان فيهما يدركه الناظر بقلبه على ما أصاب توأمهما من أسر وذلّ.
وكثيراً ما كان يحضرني بيت الشعر القائل:
يا عابد الحرمين لو أبصرتنا ... لعلمت أنك بالعبادة تلعب!
وعلى اختلاف أهل الاختصاص بصحة روايته، فيهتف هاتف بنفسي ليستبدل يا عابد الحرمين بالقائمين عليه في وقتنا، فيتبع هذا الهاتف في نفسي سؤال تصحبه الدهشة والحيرة، كيف يقف الإنسان من أوامر ربه موقف النقيض، كيف في الوقت الذي يبذل طائل الأموال على نافلة العمل يضن بقليلها على الفرض والواجب منها؟!
كيف يقف الإنسان من أوامر ربه موقف النقيض، كيف في الوقت الذي يبذل طائل الأموال على نافلة العمل يضن بقليلها على الفرض والواجب منها
لست ممن تستهويها السياسة ولكن الأحداث التي تمر بها الأمة تنطق الحجر فكيف ببشر يعاصر ذل مقدساته واستباحة حرمتها وحرمانه من ركعة في ربوعها في وقتٍ ساحاتها حلّ لأنجاس الأرض وقردتها، وقد تمثل بي بيت الشعر القائل:
أحرام على بلابله الدوح ... حلال للطير من كل جنس؟
أيترك المسرى أولى القبلتين بمصيبته ونحن نتلو قوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ} [سورة الإسراء: آية1].
وثاق رباني بين المساجد الثلاث يأتي ليفك ويقطع أواصله زعامات أصبحت كما الأحجار على رقعة الشطرنج، أو دمى يتلاعب بها رؤوس الطواغيت والشياطين، تغلق أبوابهم في وجوه فئة ما قوتلت ولم ينُصب لها العداء إلا لقولها ربنا الله ورباطها في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس.
أبضع مصالح مع شرذمة لا يرقبون في مؤمن إلّا ولا ذمة تفرق ما يجمعنا الإسلام ويوحدنا عليه؟! أتشفع ملايين تنفق على كساء الكعبة تفريطهم بالأقصى وتخاذلهم عن نصرته؟ أم دعاء في ليلة القدر لتحريره من براثن صهيون معذرتهم إلى الله في صك المواثيق لمحاربة كل من يجهز غازياً أو يدعم مرابطاً في أكنافه؟!
أتشفع ملايين تنفق على كساء الكعبة تفريطهم بالأقصى وتخاذلهم عن نصرته؟ أم دعاء في ليلة القدر لتحريره من براثن صهيون معذرتهم إلى الله في صك المواثيق لمحاربة كل من يجهز غازياً أو يدعم مرابطاً في أكنافه؟!
يا أخوة العروبة والإسلام!! النساء في بيت المقدس وأكناف بيت المقدس لهن شقائق الرجل وصنوهم في الدفاع عن عرضكم وشرفكم والذود عن الأقصى، من دمائنا نسرج مصابيح الأقصى ومن عظامنا نبني جسر العبور له، فنحن لا ينقصنا رجال يدافعون ويحررون الأقصى، ولكن ما نريده ألا تأتينا السهام من خلفنا ومن أخوتنا في الدين ومن أبناء جلدتنا من العروبة، إن سنعذركم ونغض الطرف عن الأموال الطائلة والتي ليست من حقكم ولا من إرثكم ولكنكم تنفقونها لأعدائنا فتسلحون بها جندهم وتغذون طائراتهم ودباباتهم وبوارجهم لنكون أول هدف لها لكن لا عذر لكم أمام الله، وسيحاكمكم التاريخ ليلقي برؤوسكم العظام والتي تصير يوما لا شك فيه مجرد عظام في مزبلة التاريخ.
يا أبناء ديننا وجلدتنا.. ها أنتم تعيدون الكرة تحاصرون وتشاركون في حصار غزة من قبل وتتبعون هذه الخطوة بأخرى إذ ينال حصاركم كل من يدعم النخوة والرجولة
يا أبناء ديننا وجلدتنا! التاريخ يعيد نفسه فقد حوصر أشرف الخلق وسيد السابقين واللاحقين ولم يفت ذلك من عضده ولم ينل من عزيمته وإرادته، وها أنتم تعيدون الكرة تحاصرون وتشاركون في حصار غزة من قبل وتتبعون هذه الخطوة بأخرى إذ ينال حصاركم كل من يدعم النخوة والرجولة، لكن شتان بينكم وبين من حاصر الثلة الأولى في شعب أبي طالب؛ إذ خرج من بين أظهرهم رغم جاهليتهم من ينقض الحصار ويوقفه وجاهليتكم تستشري وتنتشر كما الداء العضال وتستمرون في غيّكم ولم يخرج من بينكم من يقول بصوته كفى ويقطع الحصار، بل إنّ جاهليتكم تتطور وتمتد فإن كانت تتمثل في الصمت أمام كل الجرائم التي ترتكب بحق الأبرياء فما كنا نسمع منكم إلا الصمت المشين واليوم استفحلت الجاهلية فيكم لتصبحوا أنتم الجدران التي ترسخ الحصار والسهام التي تأتينا على حين غفلة، ولقد صدق فيكم قول القائل:
وإخوان حسبتهم دروعاً ... فكانوها ولكن للأعادي
وخلتهم سهام صائبات ... فكانوها ولكن في فؤادي
يا أخوة العرب والدين! أي ثمن بخس دُفع لكم في دمائنا، أي ثمن قبضتموه ثمن القدس الشريف، وأي تجارة قدمت لكم مقابل وقوفكم بوجه كل من سيكون مدداً وغوثاً لثلة رهنت وقتها وعمرها لتحرير قبلتكم الأولى وتوأم مكة والمدينة في الحرمة والقدسية؟! تذكروا .. موعدنا الصبح {وَيَقُولُونَ مَتَىٰ هُوَ قُلْ عَسَىٰ أَنْ يَكُونَ قَرِيبًا} [سورة الإسراء: أية51].