لعل كثيراً منا يبدأ قبيل #رمضان بإعداد قائمة الأمنيات الروحية، وسرد كافة الأهداف والأحلام والطموحات التعبدية التي ليس بعدها مزيد، فتجد أهداف ختم القرآن عدة مرات، والاشتراك في الأنشطة التطوعية المختلفة، والتزاور والتراحم، وقيام التراويح والتهجد والسهر طوال الليل ثم إدراك الفجر والشروق والأوراد والضحى، كل ذلك بروحانية وذهن صافٍ ونفس متيقظة.
ما مشكلة مثل هذه الأهداف التي تنتهي في 70% منها حبيسة الأوراق أو تعاني من هبوط حاد بعد عدة أيام فقط من بداية الشهر؟
رمضان ليس نهاية طريق السعي إلى الله تعالى، ولا هو القمة التي لا مزيد بعدها، أو التي يسهل الانحدار بعدها. رمضان محطة كبرى على طول طريق متسق مسدد ثابت الغاية، فإذا تخيلنا السعي إلى رضا الله تعالى درجات يرتقي بعضها فوق بعض، فرمضان كأنه الحافز الإضافي الذي يقفز بك عدة درجات دفعة واحدة في مدة يسيرة، لمن أحسن استثماره. رمضان دفعة كبرى وليس المنتهى الأوحد. ومن ثم، ينبغي أن نتعامل معه على أنه فترة تدريب وتهيئة لمرحلة أعلى على طول طريق البناء الذاتي لنكون أفضل بعده مما قبله، لا لنكون الأفضل مطلقا، ولا لنتوقف بعده عن المضي على نفس النسق.
رمضان ليس نهاية طريق السعي إلى الله تعالى، ولا هو القمة التي لا مزيد بعدها، أو التي يسهل الانحدار بعدها. رمضان محطة كبرى على طول طريق متسق مسدد ثابت الغاية
وأقدم لك عزيزي القارئ، ثمانية مفاتيح تستطيع أن تستغل بها رمضان، وتحقق الغاية المرجوة منه.
1. ماذا : حدد المحاور التعبدية
كالصلاة – القرآن (تلاوة وحفظا) – الدعاء – الذكر – المعاملات – الفقه..
(الفقه هنا لا يقصد به الجانب الشرعي للأحكام والحلال والحرام، بل المقصود منه تدارس جانب معين في الدين تتمكن منه في هذه الفترة، كالسنن والهدي النبوي، العقيدة، الأسماء الحسنى...)
2. لماذا : حدد مقصدك من كل محور أو هدف
كلما كنت واعياً بما تُقدِم عليه من أهداف ولماذا اخترتها، ازداد استشعارك لأثرها الإيماني ومداومتك عليها، وكذلك لا تشعر بالذنب لإدراج أو عدم إدراج هدف معين. فمن طبع أجواءه الأسرية في هذا الشهر التزاور والتراحم، ينبغي أن يحوّل هذا لمحور واعٍ بدل أن ينظر إليه على أنه إكراه يشغله عن الخلوّ بنفسه، ثم يقسم أوقات الخلوة تبعا لذلك؛ ومن هو في سعة من تأجيل التزاورات في العيد ورؤيته التعبدية لهذا العام تشمل جانبا أولى عنده، فالتأجيل في حقه أولى. لذلك نؤكد على ما ذكرناه قبلًا من أن خطة رمضانك تخصك أنت.
كلما كنت واعياً بما تُقدِم عليه من أهداف ولماذا اخترتها، ازداد استشعارك لأثرها الإيماني ومداومتك عليها
3. كم : الكم القدري والزمني بالتفصيل
ويقصد به تقدير كمية الوِرد الذي به تجزّئ الهدف الكلي لوحدات تنفيذ دورية (نشرح مفهوم الدوري في البند التالي). فإذا أردت مثلا أن تختم ختمتين بتلاوة واعية تحديد الكم يكون على النحو التالي : 60 جزء \30 يوم = جزئين يوميًا ؛ الجزء = 20 وجه = 40 وجه يوميًا.
وإذا كان لك ورد قراءة يومي، إما أن يكون بالساعات أي ساعتين يوميا تنهي فيهما ما تنهي من صفحات، أو بعدد الصفحات أي 10 صفحات يوميا تستغرق ما تستغرق من وقت، لكن لا يحبذ تحديد كليهما معا حرصا على جودة الأداء.
ويدخل في ذلك إعداد قوائم بأدعية معينة لأمور تشغلك تثابر عليها، ولو قائمة كل أسبوع أو كل 10 أيام، واختيارها من المأثور من دعاء الكتاب والسنة ففيها الكفاية وجوامع الكلم بدل التأليفات والتوليفات. وكذلك تحديد كم من الذكر المطلق من تسبيحات وغيرها تلتزم به.
4. متى
وهذا الورد الدروي الذي ستتم فيه الكم المحدد في الخطوة السابقة ويشترط له أن يكون دوريًا (في وقت متكرر يوميًا،أسبوعيًا..)، وثابتا في ميقات أو مواقيت محددة. فمثلًا 40 وجه من القرآن يوميا يمكن تقسيمها على النحو التالي:
10بعد الفجر
و10 بعد الظهر
و10 بعد العصر
و10 بعد التراويح
العبرة بالدوام على الكم المحدد، مهما قلّ، وعدم التفريط فيه وتعويضه إذا فات، لأن التفريط يدعو بعضه لبعض.
5. كيف
لا بد من منهجية لإتمام العمل المحدد في ميقاته المعين وذلك هو خير حافظ لجودة الأداء وقوة البناء، فكلنا يتلو #القرآن لكن قليلًا منا يضع خطوات منهجية لتكون تلاوة تدبر وهداية. مثلا أن تبدأ مجلس القرآن بالدعاء والصلاة على النبي، وفي ذلك من التهيئة القلبية ما لا يخفى. ثم تحدد لنفسك كيفية إدارة مجلسك:
• هل تتلو ثم تستمع لقارئ يتلو نفس المقطع فتكون ختمتين معًا وتفيد تصحيح قراءات في ذات الوقت؟
• أم تطلع على مقاصد الجزء والسورة قبل الشروع في تلاوتها ليكون أعون على فهمها؟
• وهل تدوّن ما يفتح الله من خواطر حول آيات معينة أجابت عن تساؤل أو نبهت لأمر؟
• كذلك لو أن في خطتك حفظ سورة أو جزء معين، كيف ستحفظ وتراجع؟
أهمية الكيف تكمن في إيقاظ دوافعك الداخلية للتفاعل مع العمل، فالعبرة ليست بالإكثار من الحركات والأعمال، ولكن بكيفية أدائك لها ومردود هذه الكيفية على وجدانك إذا كنا نتحدث عن الرقي بالإيمان. هذه اليقظة لدواخلك وبواعثك هي خير مضاد حيوي لروتينية الأداء وتشتت الشعور. فاحرص على تجويد كيفية قيامك بالعبادات التي لا مفر من الاستمرار عليها، فالفجر والعشاء في جماعة بيقظة وانتباه أوجب من السهر طوال الليل ولو في طاعة ثم الترنح على وقت الفريضة.
واستكثر حيث يمكنك الاختيار مما تجد روحك ميسرة مائلة إليه، باب الطاعات والنوافل المطلقة مفتوح على مصراعيه لا يطلب إلا منتقياً بحرص ووعي ، فمن حرص على العشاء والفجر في جماعة فهو في الأجر كمن قام الليل كله، ومن حرص على أذكار ما بعد الفجر وقد صلاها في جماعة، كانت له كأجر حجة وعمرة تامة، ولو جمع لذلك قياما قبل الفجر بما ييسر الله له به في الثلث الأخير فهو خير كثير وفضل ونعمة.وهكذا بالتركيز مع العبادات الكيفية يمكنك أن تجمع ثوابا وقربى خير من الاستكثار الصوري من العدد والحركة.
ومن المراجع المفيدة في فضائل الأعمال ومراتبها وأوقاتها:
• جبال من الحسنات في دقائق معدودات – يونس عبد الستار
• الأذكار – النووي
• حصن المسلم – القحطاني
• بداية الهداية - الغزالي
• فضائل الأوقات – البيهقي
• لطائف المعارف فيما لأيام العام من وظائف – ابن رجب الحنبلي
• عمل اليوم والليلة – الشافعي
• عمل اليوم والليلة _ السيوطي
6. ثابر وصابر
فإنك تأخذ من نفسك لنفسك، فإذا مللت من نفسك فمن لك؟ وإن الله وعد أن النصر مع الصبر، فالصبر قِوام هذا الدين. "ولربك فاصبر"، فإن لم تصبر لربك فلمن؟!
7. مرونة الإنجاز : استراتيجية دسم ونصف دسم
هنالك أعمال دسمة لو قمت بها كتلة واحدة صارت ثقيلة على نفسك خاصة لو تتطلب تكرارا ، هذا النوع طالما يمكن تقسيمه فالتقسيم فيه خير وأبقى، كما في تقسيم أوجه القرآن الأربعين على حوالي 30 دقيقة 4 مرات على مدار اليوم، بدل تكتل الساعتين يوميًا تمضي نصفها شاردا والآخر غافيا هذه منهجية تخفيف الدسم.وأما الأعمال التي هي دورية على فترات متباعدة أو مرة واحدة، فيفضل أن تحفظها لأوقات نشاطك دفعة واحدة. لذلك كن منتبها في يومك لأوقات الدسم خاصة التي تكون بعد نوم ويمكنك الإنجاز فيها بقوة ولو كنت صائما، كالقراءة والتلاوة والدراسة؛ وأوقات نصف الدسم اجعلها لما يمكن تقسيمه أو لا يتطلب تركيزا عاليا، بالذات التواصل الاجتماعي الواجب أو الاستماع لدرس مسجل.
8. جفف منابع الغفلة واللهو أولا لتستيقظ قوى الذكر
صَفِّ وقتك وفكرك من المشتتات والملهيات سواء متابعة التلفاز والمسلسلات والأفلام، أو كثرة الخروجات الاجتماعية أو حتى التواصل الافتراضي
فصفِّ وقتك وفكرك من المشتتات والملهيات سواء متابعة التلفاز والمسلسلات والأفلام، أو كثرة الخروجات الاجتماعية أو حتى التواصل الافتراضي، وكذلك تخفف من العادات التي تثقلك وتكسلك كما سبق في ضبط النوم والأكل. واذكر أن الله تعالى يذم من يسمع التذكرة ثم يعرض عنها ويسوّفها {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن ذُكِّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} [السجدة : 22]
وإذا حان وقت مهمة، انقطع لها تماما حتى تنجزها، وانصرف عن كل الشواغل من هاتف وتراسل وتلفاز.. إلخ.