الدراما العربية وسقوط السقوط في رمضان

الرئيسية » خواطر تربوية » الدراما العربية وسقوط السقوط في رمضان
thumbnail3

تولدت السنوات الأخيرة بأمر من الأنظمة الفاسدة وقوى إعلامية قوية، مخططات تهدف لإفساد وعي الجماهير العربية، وإغراق الوقت بالدراما والفنتازيا والخيال، ومع أني لست أميل دائماً مع نظرية المؤامرة لكن لا يعني ذلك عدم وجود قوى خفية في كثير من الأحداث تحرك مجريات الأمور إما عن قصد أو باستغلال جهل الطرف الآخر.

في الدقيقة الأولى التي أعلن فيها عن دخول #رمضان شهر التضامن والتكافل والتعاطف الذي نحتاجه فتحت القنوات الإعلامية أبوابها معلنة انطلاق أكثر من 60 مسلسلاً عربياً، يتوه خلالها المواطن العربي ليضيع المدرك الأساسي من الصوم وهو التقوى نتيجة ضياع الوقت وهو ينتقل من مسلسل لآخر، كأن رمضان أصبح شهر الدراما العربية.

من حيث المحتوى حين تفحص غالبية المسلسلات المعروضة وجدت ما نسبته 60% يعرض أفلام #الدراما الرومانسية الغارقة في الحب المفرط، والعلاقات الممنوعة، وفنتازيا الإجرام واللاقانون، والحالات الشاذة في المجتمعات العربية، أما 30% فتركز بشكل واضح على الكوميديا التي ما زالت مطلباً للجمهور العربي بغض النظر عن المحتوى، و10% هي لقصص الخيال التاريخي.

أما من دور البطولة وشخصيات الحدث الدرامي فما زالت هي نفسها التي تتربع على عرش البطولة، ومعظم هذه الشخصيات قد بلى عليها الزمن، وأصبحت شعاراً من فراغ، ومنبوذة بشكل كبير من الجماهير العربية إما لأنها استخدمت كل جهدها لضحد أي حراك ثوري يسعى لتحقيق العدل واتخاذ مواقف مضادة ورغبة الجماهير، وإما إلا أنها ساقطة في الإغراء كبعض الممثلات المعروفات.

بدا لافتاً غياب الدراما التاريخية التي تذكرنا بالمجد العربي أو الإسلامي من سيرة العظماء الأوائل الذاتية وحكاياتهم البطولية كأسياد المقاومة ضد الاستعمار أو الزعماء الإسلاميين الكبار

وبدا لافتاً للأنظار غياب الدراما التاريخية التي تذكرنا بوقت المجد العربي أو الإسلامي من سيرة العظماء الأوائل الذاتية وحكاياتهم البطولية كأسياد المقاومة ضد الاستعمار أو الزعماء الإسلاميين الكبار، كذلك غاب عن المشهد تماماً أي دراما ترتبط بالواقع الذي يعيشه العرب من أزمات سياسية واقتصادية وثقافية، وحروب داخلية في عمد لإبقاء العربي غارقاً في الحب والخيال والفنتازيا وتوافه الدراما.

ولم يقتصر الأمر على الحب والخيال فحسب، بل أطل علينا رمضان هذا العام بمسلسل "غرابيب سود" الذي يهاجم أهل السنة ويشوه سمعة نسائهم، ويلصق لهم تهم الإرهاب والتطرف والأفعال الشاذة، كل ذلك كان بتخطيط مدروس جيداً.

ومن باب المقارنة فحسب، تركز #تركيا مؤخراً على مسلسلات تاريخية تحكي سيرة عظماء رحلوا في تاريخها وتاريخ المسلمين أمثال سليمان القانوني، والسلطان عبد الحميد، وقيامة أرطغرل، سعياً منها لربط المتابعين والمعجبين بالدراما التركية بتاريخها العظيم وسعياً منها لربط المواطن التركي بهَويته، للاستمرار في ركب الحضارة من منطلق تاريخ الماضي، وعلى الجانب المعاكس للتاريخ سعت الدراما التركية التي بلغت نسبة وارداتها 350 مليون دولار لتتصدر اقتصاديات الدراما بعد الولايات المتحدة الأمريكية لإنتاج مسلسلات جديدة تربط الأتراك والمنطقة بالمجريات الحاصلة كما جرى في مسلسل وادي الذئاب الذي كشف خيوط المؤامرة في المنطقة وركز على العدو الرئيسي فيها الاحتلال الصهيوني، يشبه تماماً المسلسل الأمريكي الجديد بجزئه الخامس "الهروب الكبير" والذي جاء مختلفاً عما قبل متحدثاً عن المجريات الحديثة في العالم وتشكيل التحالفات واستخدام التكنولوجيا في التجسس والقتال، وتعزيز رؤية أمريكا للعالم أن العدو هو داعش وتوحد الأنظار باتجاه داعش دون الالتفات إلى جرائم أمريكا والدول الكبرى في المنطقة.

حينما تجري تقييماً شاملاً للمسلسلات والبرامج التي تعرض حالياً في رمضان ترى حجم التفاهة والضحالة التي تعانيها، وحين مقارنتها بحجم الأموال المدفوعة توقن تماماً مدى التخبط العربي وحجم المؤامرة

الدراما العربية غائبة كلياً عن المشهد الدولي الحديث، وعن إعادة إحياء #الوعي العربي الأصيل والتاريخ الإسلامي المشرف، ليس كذلك فحسب بل هي ترسم في الاتجاه الآخر محاور تغييب الوعي وغيابه عربياً، فحينما تجري تقييماً شاملاً للمسلسلات والبرامج التي تعرض حالياً في رمضان ترى حجم التفاهة والضحالة التي تعانيها، وحين مقارنتها بحجم الأموال المدفوعة توقن تماماً مدى التخبط العربي وحجم المؤامرة.

للأسف يريدون من رمضان أن يصبح مهرجاناً سينمائياً عربياً، وبازاراً درامياً لتغييب الأهداف النبيلة منه أهمها مشهد المسلمين الموحد في كل بقاع العالم، والذي يعكس عظمة هذا الدين، ونظامه وترتيبه، وقوته لإدارة وإيجاد الحلول للأزمات العالمية الحديثة، بدل التفاهة التي تعرض طول اليوم على القنوات العربية المختلفة والتي تبقينا حبيسين سجن التخلف والعبودية والخيال والجريمة والفانتازيا والعلاقات غير الشرعية.

هناك بعض المحاولات التي عززت مفاهيم الثبات والصمود مثل مسلسل بوابة السماء الذي أنتج بالكامل في قطاع غزة إلا أنها تحتاج دعماً بأعمال درامية جديدة من الخارج لكسر التشويه الحاصل في الوعي

إن ماكنة الدراما المضادة لما سبق من دراما عربية مشوهة مغيبة عن الواقع ضعيفة جداً، وإن كانت بعض المحاولات التي عززت مفاهيم الثبات والصمود مثل مسلسل بوابة السماء الذي أنتج بالكامل في قطاع #غزة قد تحركت في الاتجاه الصحيح إلا أنها تحتاج دعماً بأعمال درامية جديدة من الخارج وبصورة سريعة لكسر التشويه الحاصل في الوعي.

أتمنى رؤية حملات مقاطعة ومكاشفة قوية يقودها المغردون العرب والشخصيات الشبابية "السوشالية" الجديدة تكشف عن حجم التفاهة بالدراما، وتطالب بمقاطعتها وفضح خطورتها على المجتمع، ومطالبات جدية بتنحي الأبطال المزيفون المختبؤون خلف مكياج الديمقراطية والفشل لتصنع دراما حقيقية وكتاب سيناريو أقوياء يخرجوننا من وحل الظلام الذي نعيشه، وليس في رمضان فحسب بل في كل الشهور.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب صحافي من غزة حاصل على درجة الماجستير في الاقتصاد السياسي، متخصص في الشأن السياسي والقضايا العامة، وعمل مع العديد من الصحف والمواقع العربية والأجنبية، شارك في كتاب عن "الأسرى الفلسطينيين" نشر بعدة لغات. أعد مجموعة كبيرة من المقابلات الصحفية والتوثيقية مع مجموعة من صناع القرار والقادة الفلسطينيين، وأنجز مجموعة من التحقيقات الصحفية الاستقصائية.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …