د. عطا الله أبو السبح: تغيير وجه التاريخ يحتاج للارتقاء بأسباب النصر

الرئيسية » تحقيقات وحوارات خاصة » د. عطا الله أبو السبح: تغيير وجه التاريخ يحتاج للارتقاء بأسباب النصر
عطا الله أبو السبح

وها نحن على أعتاب انتهاء الشهر الفضيل، شهر إعزاز الإسلام، وتمكين الدين، ونصر المؤمنين، شهر الإنقاذ والنجدة والنصر والعزة، في وقت بتنا نسعى إلى تلمسه في حياتنا، خصوصاً في ظل ما تعانيه أمتنا من هوان ومذلة وفرقة وتناحر واحتلال.

فقد انتصر المسلمون تقريبًا على كل الفرق المعادية للإسلام في شهر #رمضان، فكيف يمكن لشهر في السنة أن يُخص بالانتصارات؟

وكيف يمكن ترسيخ مقولة "رمضان شهر الانتصارات"، رغم أننا نستشعر وجود نفَس هزيمة في نفوس المسلمين هذه الأيام؟

هذه الأسئلة وغيرها، يُجيب عليها الدكتور عطا الله أبو السبح أستاذ الشريعة الاسلامية في الجامعة الاسلامية بغزة، فإلى نص الحوار:

بصائر: كثيراً ما نسمع ونقول: رمضان شهر الانتصارات، لو تحدثنا كيف يمكن لشهر في السنة أن يُخص بالانتصارات؟ ولماذا يُخص بذلك؟

د. عطا الله أبو السبح: مسألة الانتصارات ليست قاصرة على شهر رمضان فقط  ، لكن من حُسن الطالع أن معركة بدر، وغزوة تبوك، وغيرها من المعارك الحاسمة والتي انتصر فيها المسلمون كانت خلال شهر رمضان، بالتالي من باب التفاؤل أطلقوا عليه شهر الانتصارات، كما أن الحرب الأخيرة على قطاع غزة عام 2014م، كانت خلال شهر رمضان وشهدت انتصارات كبيرة.

النفس البشرية تكون خلال شهر رمضان أكثر صفاوةً، ولجوءاً إلى الله تعالى لقوله {ولينصرن الله من ينصره} [الحج: 40]، والناس في شهر القرآن يكونوا أكثر شفافية، وكلمة الناس يدخل فيها المجاهدون فيكونون أكثر التصاقًا بالسماء ولجوءاً إلى الله تعالى، وعليه الله ينصر عباده المؤمنين. والغاية العظمى من الصوم {لعلكم تتقون} [البقرة:183] فالتقوى الدرجة الرابعة في الإسلام، وعندما يكون الإنسان قد بلغ الدرجة الرابعة بمعنى أنه بينه وبين رتبة السابقين والمقربين درجة واحدة، وعلى هذا الأساس حدثت معارك كثيرة في رمضان وكتب الله تعالى النصر لعباده المؤمنين، ومن هنا اصطلح أو على الأقل أصبح يجري بين الناس أن رمضان هو شهر الانتصارات.

بصائر: المُتأمل في أحداث شهر رمضان عبر التاريخ الإسلامي يجد أن المسلمين ينتقلون كثيرًا من مرحلةٍ إلى أخرى في شهر رمضان، من ضعفٍ إلى قوة، ومن ذلٍّ إلى عزَّة، لكن -كيف يمكن ترسيخ مقولة (رمضان شهر الانتصارات) رغم أننا نستشعر وجود نفَس هزيمة في نفوس المسلمين هذه الأيام؟

د. عطا الله أبو السبح: الإسلام 5 درجات وربنا سبحانه وتعالى يقول في كتابه: {َقالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُل لَّمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِن قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14] فالمسلم يحتاج إلى مزيدٍ من العمل والعبادة والتجرد حتى ينتقل إلى درجة الإيمان، كما أن المسلم يدخل الإسلام بكلمة واحدة، لكن بالعمل والإخلاص يدخل درجة الإيمان.

من الممكن أن كثرة الإحباطات التي مرت بها الأمة الاسلامية، ووجود بعض المسلمين بالهوية فقط بمعنى أنه لا يصلي، ويمكر، ويمارس العداء فنحن لا نستطيع تكفيره ونقول خارج عن الملة، كما أن أصحاب الأفكار العلمانية يعيشون في المجتمع المسلم، والمنافقون أيضاً محسوبون على الإسلام، وعلى هذا نجد بعض المسلمين قد تملكهم الإحباط واليأس، لكن المؤمن حقاً تجده يتوكل على الله سبحانه وتعالى دائماً ويثق بنصر الله ولو بعد حين   لقوله تعالى: {وكان حقا علينا نصر المؤمنين} [الروم: 47] فربنا يكتب له النصر {ولينصرن الله من ينصره} [الحج:40].

كثرة الإحباطات التي مرت بها الأمة الاسلامية، ووجود بعض المسلمين بالهوية فقط، جعل بعض المسلمين يتملكهم الإحباط واليأس، لكن المؤمن حقاً يتوكل على الله ويثق بنصره

إذاً شروط النصر في قول ربنا سبحانه وتعالى: {كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ..} [آل عمران:110] وإذا توفرت شروط النصر انتصرنا، لكن للأسف هذه الشروط قد لا تتوفر في كثير من المسلمين بل في الغالبية العظمى منهم، لذلك الله سبحانه وتعالى قال: {وَالسَّابِقُونَ السَّابِقُونَ* أُولَٰئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ* ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ* وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة:10-14]، وأما أصحاب الميمنة وهم الدرجة الثانية أو الأقل منها قال: {فَأَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ مَا أَصْحَابُ الْمَيْمَنَةِ} [الواقعة:8] ويختمها {ثُلَّةٌ مِّنَ الْأَوَّلِينَ* وَقَلِيلٌ مِّنَ الْآخِرِينَ} [الواقعة:13-14] ونسأل الله أن يكتب النصر على يد هذه الفئة القليلة الموجودة بيننا بلا شك لأن الله تعالى قال: {كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ} [البقرة:249] وهذه الفئة القليلة إذا كانت موجودة أو لا نحن بالتأكيد بحاجة إلى البحث عنها.

ومن هنا #غزة عكفت على مشروع تحفيظ القرآن للشباب والناس حتى وصلت إلى تحفيظه لألف شخص، فالذين حسموا المعركة في حي الشجاعية ورفح وغيرها هم من حفاظ القرآن ونحن منينا بمصيبة الموت والشهادة، فتجد عندنا الشاب ما بين عمر 19-20 يكون حافظاً لكتاب الله، ويدخل إلى المعركة دون أن يلتفت يمينًا أو شمالاً ويضع قدمه على رأس الجندي الصهيوني المدجج بالسلاح بكل يقين بنصر الله، بالتالي نحن بحاجة إلى هذه الفئة المؤمنة {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَيُضِلُّ اللَّهُ الظَّالِمِينَ} [ابراهيم:27].

الذين حسموا المعركة في حي الشجاعية ورفح وغيرها هم من حفاظ القرآن، فتجد عندنا الشاب يدخل إلى المعركة دون أن يلتفت يمينًا أو شمالاً ويضع قدمه على رأس الجندي الصهيوني المدجج بالسلاح بكل يقين بنصر الله

بصائر: هل يمكننا القول بأن صيام رمضان انتصارٌ كبير يسجل في كل بلد، و في كل بيت، وفي كل نفس تصوم لله تعالى، وما هي طبيعة تلك الانتصارات؟

د. عطا الله أبو السبح: لن يتحقق النصر على الأرض ما لم يتحقق على النفس البشرية   لقوله تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [البقرة:194] فعندما نرتقي بأنفسنا وننتصر على الشهوات والغرائز والنفس عندها يكتب الله لنا النصر لأن الله تعالى لا ينزل #النصر على أولئك الذين يتشبثون بالدنيا {مِنكُم مَّن يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنكُم مَّن يُرِيدُ الْآخِرَةَ} [آل عمران:152] فالذين يريدون الدنيا لا يمكن أن يُكتب لهم النصر {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ} [النور:55] ففي رمضان نزكي النفس البشرية ونرتقي بها، فمن الممكن جدًا أن تنتصر على نفسك بقوتك وشخصيتك وتستحي من الله حق الحياء، والذي يستحي من الله حقاً عليه أن ينصره؛ لأنه لا ينظر إلى شهوة، أو تقوده الغريزة.

وكما ورد في الأثر أن مقارعة السيوف في الميدان والمعارك تعد من #الجهاد الأصغر، بينما مجاهدة النفس ومحاولة ترويضها تعد من الجهاد الأكبر، ولذلك الله سبحانه وتعالى حلف أيماناً ً متتالية في قوله: {وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا *وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا*وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا...} [الشمس:1-8] ثم بعد ذلك يؤكد بقد وهو حرف تحقيق بقوله: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} [الشمس:9] فالنفس البشرية لا يمكن أن يكون لها أهلية الإعمار في الأرض والانتصار على أعداء الله إلا بالتزكية والتطهير.

النفس البشرية لا يمكن أن يكون لها أهلية الإعمار في الأرض والانتصار على أعداء الله إلا بالتزكية والتطهير

كما أن ربنا سبحانه يعاتب المسلمين الذين يتشبثون بالأرض والحياة الدنيا قائلاً: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمُ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الْأَرْضِ أَرَضِيتُم بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الْآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الْآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ} [التوبة:38]، فالله سبحانه وتعالى يقول عن النفس البشرية {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ} [آل عمران:14]، معنى ذلك أنه إذا انتصر المسلم على زينة الدنيا وبهرجتها من النساء والبنين والقناطير...الخ، فسينتصر لدين الله ويجعل كلمة الله هي العليا.

وعندما يشكونا رسولنا محمد إلى الله: {يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَٰذَا الْقُرْآنَ مَهْجُورًا} [الفرقان:30]، معنى ذلك أن الإنسان عندما يهجر القرآن يصبح لا ولي له، ولا نصير، ولا سند، ولا يمكن أن يتحقق النصر.

وهناك نوعان من الهجر: هجر تلاوة، وهجر عمل – كالكذب، والبخس بالميزان، والنظر إلى الجيران والتجسس عليهم...الخ.

بصائر: ماهي رسالتك لشبابنا المسلم، وكيف يمكن أن يكون لهم دور في تطبيق مقولة إن رمضان شهر الانتصارات؟

د. عطا الله أبو السبح: نحن نمر بهزائم اقتصادية وثقافية وسياسية وهزائم في الأرض والسماء وعلى رأي الشيخ محمد قطب نحن نمر بجاهلية القرن العشرين.

فعندما نقف على أبواب الجامعات ونجد فتاة تضع على رأسها منديل يصف ويشف، والبنطال ملتصق بالجسم هذه البنت لا يمكن أن تكون مسلمة خاصة في رمضان فحتى يتحقق النصر والتوفيق في كل الميادين أقول للشباب لا بد من العودة الى الله عز وجل حتى ينصركم الله ومنها قال: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ} [الصف:4]

وقال: {لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ} [الصف:2] فمن الضروري أيها الشباب أن لا تقعوا في المقت الأكبر وهو مقت الله لمن لا يطبق كتاب الله في حياته، فسيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- كان يقال عنه قرآن يمشي على الأرض، لذلك تحقق له النصر والزيادة في الدنيا ففي سن الـ40 أصبح نبياً ونزلت عليه الرسالة وما إن وصل إلى سن الـ 63 حتى قُبض إلى الرفيق الأعلى وقد حقق أهدافه واكتملت رسالته، ثم بعد ذلك سار الصحابة الكرام والخلفاء الراشدون من بعده بهذه الرسالة حتى أصبحوا سادة الأمة وهذه مسألة مهمة {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ} [الأنعام:90].

إذا أردنا أن يكون شهر رمضان شهر الانتصارات وكل شهورنا انتصارات، يجب أن يكون لنا ورد يومي، وأن نطبق ما نتعلمه لقوله تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[العلق:1] لكن للأسف الشديد تعاني أمتنا من العزوف عن القراءة بشكل مؤذي جداً، فشبابنا اليوم عنده أمية ثقافية   فلا بد أن نكون مثقفين فهناك من يحمل شهادة الدكتوراه وللأسف الشديد لا يقرأ أية كلمة خارج تخصصه: {قلْ هلْ يسْتوي الذين يعْلمون والذين لا يعْلمون}[الزمر:9].

لا بد أن ننظر إلى العالم على طول الخط، ونرتقي في كل مجال لأن خصمنا تفوق علينا في المعرفة، والأخذ بأسباب القوة المادية ونحن لا نملك تلك المادة، ولا نملك للأسف الشديد التمسك في كتابنا ومن هنا أحاطت بنا الهزيمة، فإذا أردتم أن تغيروا وجه التاريخ ووجه المرحلة وتخرجوا من هذه الهزيمة المطبقة على أعناقنا لا بد أن ترتقوا بأسباب النصر {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال: 60].

مصيبة أن يذهب "ترامب" بأكثر من 500 مليار دولار من دولة عربية وإسلامية، ومصيبة أخرى أن اليهود الذين كتب الله عليهم الذلة والغضب أن يضعوا أقدامهم على خارطة العالم العربي، وتمكنوا من ذلك لأنهم أخذوا بأسباب القوة، ونحن لم نأخذ بتلك الأسباب سواء كانت مادية أو معنوية، فلن يكون لنا النصر في رمضان أو غيره من الشهور، إلا بعد تطبيق أوامر الله، والتمسك بعقيدتنا، لكن إذا استوينا في المعصية فسيغلبوننا بما يمتلكون من ماديات وطائرات.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
صحفية فلسطينية مقيمة في قطاع غزة، حاصلة على درجة البكالوريوس في الصحافة والاعلام من الجامعة الاسلامية بغزة عام 2011م، وكاتبة في موقع "بصائر" الإلكتروني، وصحيفة "الشباب" الصادرة شهرياً عن الكتلة الاسلامية في قطاع غزة. وعملت في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية أبرزها صحيفة فلسطين، وصحيفة نور الاقتصادية، وصحيفة العربي الجديد.

شاهد أيضاً

طفلي بلغ السابعة.. كيف أبدأ بتعويده على أداء “الصلاة” ؟

مما ينعش قلب الأبوين أن يقف إلى جوارهما طفلهما الصغير في سنوات عمره الأولى وهو …