في هذا العام كنت حاضراً لاجتماع عشرات الآلاف من المصلين تحت قبة مسجد الاستقلال أكبر المساجد في شرق آسيا في العاصمة الأندونيسية جاكرتا، وفي ساحته وشوارعه المحيطة، ترى الناس من كافة الأجناس أندونيسيين وماليزيين وصينيين وفيتناميين وفلبينيين وعرب يصطفون صفاً واحداً يعبدون رباً واحداً، ويدعون، لا أستطيع وصف المشهد لروعته وحضوره في القلب.
تكرر المشهد أمام ناظري العام الماضي في ساحة الكتيبة وسط مدينة مراكش المغربية حيث يصطف عشرات الآلاف من المصليين المغاربة في صلاة #التراويح، يقف حولهم مئات من السياح الأجانب يصورونهم بانبهار واضح، ولأن مراكش هي المدينة الأولى عربياً من حيث السياح الأجانب بكافة جنسياتهم تكون صلاة التراويح الحدث الأكثر تميزاً في المدينة لهؤلاء السياح.
تتكلم سائحة مع صديقتها وهي تبكي وتقول: انظري إنهم يصطفون بانتظام رائع، الصغير بجانب الكبير، الغليظ بجانب الضعيف، والغني بجانب الفقير، ويؤدون الصلاة بكل انتظام، ثم أقدمت خطوتان لتطلب من سيدة أن تصلي معها فتعطيها ثوباً تغطي به نفسها وتلتحق بالصفوف...، وبالرغم من أن شهر #رمضان في تلك المنطقة لا يخلو من إسلام عدد من السياح الأجانب يومياً نتيجة تأثرهم بروعة المشهد وروحانيته القائمة إلا أنني بقيت حزيناً يعتصر قلبي الألم.
قبل ثلاثة أعوام من الآن قرابة جبل أبو مهل في تونس العاصمة يقبل آلاف المصليين بعد الفطور مباشرة لتمتلئ ساحة مسجد الإمام عبد الله المهداوي صاحب الصوت الندي الرائع، لو تأخرت قليلاً حتماً لن تجد مكاناً لتصلي فيه، المسجد والساحة والشوارع ممتلئة، والسيارات الفارهة والمتوسطة والمتواضعة تملأ المكان، والناس على مختلف أشكالهم، مرت علينا 20 ركعة دون أن نشعر بها، السكينة والهدوء تملآن المكان، فقلت في نفسي يا الله يجتمعون تحت قبة واحدة يؤدون صلاة واحدة بلغة واحدة في كل أنحاء العالم، لكن لماذا هم متفرقون وضعفاء؟ ألا يحسدنا الملوك على هذه النعمة إذاً لماذا نحن فقراء؟
لو أننا أقبلنا على أنفسنا كما نقبل على صلاة التروايح لما بقي بيننا جائعاً ولا مظلوماً، ولزالت كثير من خلافاتنا السياسية الداخلية، ولتحسنت علاقاتنا البينية بين بعضنا
وبعد تفكير طويل قلت في نفسي ألم يكن رمضان الوقت المناسب والأهم للحديث عن وحدة المسلمين وتعزيزها في نفوسهم؟ إنهم يصطفون سطراً واحداً ويعبدون رباً واحداً، ولا تمنعهم اللغات أو القوميات أو التحزبات من أن يكونوا موحدين.. إذاً لماذا قلوبنا شتى؟
لو أننا أقبلنا على أنفسنا كما نقبل على صلاة التروايح في الأماكن السابقة لما بقي بيننا جائعاً ولا مظلوماً، ولزالت كثير من خلافاتنا السياسية الداخلية، ولتحسنت علاقاتنا البينية بين بعضنا كشعوب إسلامية وعربية، لذلك رمضان هو الفرصة الأمثل لتجديد هذه القيم في نفوس المصلين والحاضرين.
يمثل رمضان المحطة الأهم لوحدة المسلمين وتزكية نفوسهم ونزع الضغائن والحقد منها، ولو أن نفوس المسلمين في رمضان كباقي الشهور لاختلفت الأمور، وتغيرت الأحوال إذاً لماذا نحن واقفون؟ أعلم أن الاستبداد السياسي في كثير من البلدان الإسلامية عائق حقيقي نحو الوحدة الحقيقية والحرية التي دعا إليها الناس من منطلق "متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا" لكن لو توحدت الشعوب الإسلامية داخلياً وخارجياً فيما بينها لخاف الحكام على مناصبهم وحققوا مطالب هذه الشعوب.
رمضان هو الفرصة الأهم لنعيد لحمة صفوفنا الثورية الموحدة، و لنفرض ذاتنا الوحدوية ومطالبنا الشرعية على من يحكمنا، ونطالب بحقوقنا وحريتنا وكرامتنا
رمضان هو الفرصة الأهم لنعيد لحمة صفوفنا الثورية الموحدة، هو الفرصة الأهم لنفرض ذاتنا الوحدوية على كافة الخلافات، لنفرض مطالبنا الشرعية على من يحكمنا، لنطالب بحقوقنا وحريتنا وكرامتنا، فكلنا سواسية أمام منادي الله لإقامة الصلاة، لنكن سواسية أمام ما يطلبه منا كتاب الله "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا".
رمضان الفرصة الأهم لنعيد تعريف الوحدة مجتمعياً، كضرورة إسلامية بشرية، وكمطلب مهم وخلق نبيل دعا إليه الله من فوق سبع سموات، ويكفينا عام واحد فقط من رمضان إلى رمضان أن نعيش أجواء الوحدة الرمضانية على الصعيد المؤسساتي وخدمة الناس والعلاقات والزيارات العائلية والبيع والشراء والفصل في الخلافات لنرى الفارق، لذلك رمضان فرصة تجمع كافة الأجناس والأطياف المسلمة تحت شعار واحد فلنستغل الفرصة جيداً.