يتجدد موسم الاستعداد لشد الرحال إلى المسجد الأقصى؛ أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين، حبًا وشوقًا، وطمعًا في الأجر، ورباطًا في سبيل الله يطوي فيه الجهاد في ظل مشقة الوصول واجتياز المسافات والحواجز من شتى أنحاء الضفة الغربية؛ التحامًا مع أهلنا في القدس والداخل المحتل.
ومع تجدد الموسم يتجدد استحضار صورًا مأساوية لطريقة التعامل مع هذه الزيارة لبيت نال من التقديس كثيرًا، لكنه تقديس عاطفي لم يرقَ بعد إلى صورة الاحترام وفهم التعامل، ورغم كثرة لجان النظام والكشافة والإسعاف إلا أن الأحوال لم تصطلح ولم تتغير؛ بل في كثير من الحوادث كانت هذه المجموعات مشكلة أو جزءًا منها.
يبذل الإنسان المحب عادة في سبيل حبيبه الكثير من الاهتمام بمعرفة أدق التفاصيل عنه، والتجمل له، وإبداء أجمل سلوك أمامه ولأجله، أمام المسجد الأقصى فإن الأمور تتغير ولا تخضع لمنطق القِيَم، ويسود الجهل عن قصد أو دون قصد، أو يُقصد التصرف بلا علم ضابط أو رقابة ذاتية.
فمزاحمة الرجال للنساء، وتقصد النساء للأسواق في أوقات ذروة الزحام، والوضوء تحت الأشجار وفي الساحات وأمام الناس، بل وعلى سطوح قبة الصخرة، وصلاة الرجال وسط النساء خاصة وقت المغرب، وقضاء الأطفال لحاجتهم تحت الأشجار في الساحات التي مع الزحام تكون موضع سجود وصلاة، وحتى بعض الكبار الذين يأنفون من دخول المراحيض بعد الوصول إليها، والنوم دون ستر، وكثرة التقاط الصور، واللقاءات التي لا تحل بين شباب وبنات، والكتابات على الجدران في كل مكان، وعدم الاهتمام بالنظافة سواء في مكان الجلوس أو في المراحيض، والتمايل والصوت المرتفع والضحكات التي تذهب بوقار الصائم فكيف في بيت يوقره؟! وغيرها من مظاهر متعلقة بالحصول على الطعام، أو القبول بالبيع داخل ساحات المسجد، ومظاهر أخرى متعلقة بأخطاء في الصلاة.
سلوكيات تظهر من العامي والمتعلم، وكلاهما جاهل، فالأول جاهل لأنه لم يسأل قبل كل عمل عن الصواب والأصوب، والثاني جاهل لأنه يعلم ولا يصحح، ويعلم وفي ساعة طيش يقوم بما يفعله الأول!
أتساءل عن أفواج المتعلمين الحاضرين مع الوافدين من كل منطقة لماذا لا يذكِّرون الناس ولا يوقظون فيهم ما الذي يجب أن يفعلوه وما الذي يجب أن لا يقتربوا منه، وأتساءل عن المئات الذين يتنافسون على خدمة الناس فتحول عملهم إلى مادة لا روح فيها، وصوت زعيق لا ود فيه، وهرج وصور واستعراض، فلا مؤسسة ترعى وتصوِّب، ولا أفراد يبادرون، وتكثر المظاهر، وتكثر الشكليات، ثم نهتم بأعداد المصلين، وبكثرة الطعام ومخلفاته وصراعاته!
التقط ما تشاء من الصور ولكن قدم معلومة مفيدة، انصح، صحح، كن مسلمًا مبادرًا فاعلًا، فالأمر يعنيك ويعنيني ويعنيها، فما جدوى الوصول للقدس إن لم يكن للنفع، فنفع للروح، وللجوارح، وللمشاركين لك، قبل التبضع والاستمتاع والتصوير.