نحن أمة تمتلك مقومات العزة وأسباب التمكين إن أقبلنا على حقائق وجوهر ديننا وأخذنا به بشغف كما الأرض العطشى تتلقف حبات المطر بعد سنين عجاف، وإن أعرضنا عنه بقلوبنا وأخذنا بظاهره مجردًا عن حقيقته شقينا وتلقفتنا سبل الضياع وصحراء التيه.
نتلو كل يوم من آيات ربنا ما هو كفيل ببرء جراحنا ومداواة آلامنا إن سلمنا به يقينًا واعتقادًا، نمر على مكانة الأقصى في معجزة الإسلام الخالدة المبعوثة للعالمين وكأني بهذه االرسالة تخلد قدسيته إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا ۚ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء:1]، إذ ليس من فراغ هذا الربط الثلاثي بين هذه البقاع المقدسة إنما هو تأكيد لأهمية المسجد الأقصى والذي هو ثالث المساجد التي لا تشد الرحال إلا إليها من أنحاء المعمورة.
الأقصى آية نتعبد بها تلاوة وصلاة كما نتعبد في ربوعه قيامًا وركوعاً فيفوق أجر الصلاة فيه أي بيت من بيوت الله ناهيك عن أجر الرباط فيه وفي أكنافه، جزء هو من عقيدتنا والمساس به إنما هو تعدٍ على شرع الله، فإذا كان المرء شهيدًا إن مات دون ماله وعرضه فأي قيمة للمال وقتها أمام قيمة المسجد الأقصى الذي ما زال يعاني ظلم الظالمين وتخاذل المجرمين، أنموت دون أموالنا ولا نموت دفاعًا عن قدسنا؟! وكم تستعينا هذه الآية تدبرًا وتفكرًا: {إِنَّمَا يَعْمُرُ مَسَاجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ ۖ فَعَسَىٰ أُولَٰئِكَ أَن يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} [التوبة:18]؛ فهل عمارة المساجد تتحقق بالبذخ في زخرفتها والإسراف في تشييدها، أوليس تحرير الأقصى من دنس يهود وجعله متاحًا آمنًا مفتوحة أبوابه دون قيد أو شرط وإزالة العوائق والحواجز من طرقاته من أكثر معاني الإعمار تحققًا، فإذا كانت إماطة الأذى عن طريق الناس قربة وصدقة يتقرب بها المسلمون لخالقهم، أو ليس دحر الاحتلال عن دروب القدس وتنكيس أعلامهم عن أسوارها وقبابها من أوجب الفروض وأشده إلزامًا؟!
إذا كانت إماطة الأذى قربة وصدقة يتقرب بها المسلمون لخالقهم، أو ليس دحر الاحتلال عن دروب القدس وتنكيس أعلامهم عن أسوارها وقبابها من أوجب الفروض وأشده إلزامًا؟!
من يقول إن الأقصى في خطر ليقف أمام نفسه وليتدبر إذ لو هدموا حجارته ونقضوه حجرًا حجرًا أو قطعوا شجره إربًا إربًا ما ضر قيمة الأقصى ومكانته عقائديًا ولا تاريخيًا؛ وإنما نحن بذلك من تهدم أركانهم وتنقض أساساتهم وتقطع أوصالهم إن صمتنا عن ذلك وأسلمناه لهم يعيثون به فسادًا وتخريبًا، أو يقبل ذو نخوة وشرف أن يقتحم جاره بل أخيه داره فيغتصبها منه وهو صامت ذليل؟! كلا والله!! أنسلمهم الأقصى قبلة المسلمين الأولى، أنتركه دون أن تكون أجسادنا الحصن المنيع في وجوههم؟! وإن تولينا عن نصرته ليستبدلنا الله بقوم عرفوا للأقصى مكانته فنصروه فنصرهم الله.
إن عقيدة لا يكون من أولويات معتقِدِها الأقصى لهي عقيدة مشروخة، والإيمان الذي لا يهيب بصاحبه الدفاع عن الأقصى أو موت دونه لهو إيمان أعرج ذليل يتنافى مع عزة المؤمن الحق، الأقصى حجر الزاوية في التمكين والعزة ومسيرة التحرير، فالأمة التي يمتهن في عصرها دون أن تسيجه بضلوعها وتذود عنه بمهج وأرواح خيرة أبنائها لهي أمة ذليلة، ولن يشرق فجرها مادام فجر الأقصى وشمسه في أفول.
إن عقيدة لا يكون من أولويات معتقِدِها الأقصى لهي عقيدة مشروخة، والإيمان الذي لا يهيب بصاحبه الدفاع عن الأقصى أو موت دونه لهو إيمان أعرج ذليل يتنافى مع عزة المؤمن الحق
قم يا ابن خير أمة أصلح قلبك ورتب أولوياتك، ولتكن قضية القدس في صدارتها، واجعل قضية القدس جذوة أنفاسك وأفكارك وخفق قلبك، وقدّم معذرتك بين يدي الله، فإما صلاة آمنة حرة أبية في ربوعه أو موتًا عزيزًا شامخًا دون أسواره حتى لا تلقى الله وأنت منكس الرأس محبط العمل.