القدس هي العنوان الأكبر لهزيمة الأمة الإسلامية، وهي عنوان انتصار الأمة المنتظر أيضا.
هي عنوان الهزيمة الأكبر لأنها المدينة المقدسة، التي تحوي المسجد #الأقصى أولى القبلتين وثاني المسجدين وثالث الحرمين.
ولا توجد أرض مقدسة أخرى محتلة غيرها، وبالتالي فهي أكبر آلامنا وأعظم مصائبنا، وذلك لأن قضيتنا نحن المسلمين هي قضية عقيدتنا وديننا، ومعركتنا نحن المسلمون هي معركة عقيدتنا وديننا، والدفاع عن القدس والأقصى هو دفاع عن عقيدة ودين قبل أن يكون دفاعاً عن وطن وأرض، وإن أكثر ما يُخشى منه في كل قضايانا ومعاركنا أن نحبس أنفسنا في شكليات الجغرافيا والعِرق، فنخسر بذلك وحدتنا العقائدية والدينية، ثم نخسر من بعد ذلك أرضنا وبلادنا؛ وذلك لأن أعظم الجهاد وأكثره ثباتاً وتضحية هو الجهاد من أجل الدين، أما الجهاد من أجل الأرض والعِرق فهو ما لا يُستبعد فيه الهزيمة السريعة والنكوص الكبير.
ليس هناك مقارنة تُذكر بين مجاهدين من أجل دين وعقيدة، ومقاتلين من أجل أرض وعِرق، شتان بين الأمرين جِدّةً وتضحيةً وثباتاً، ولقد قال الصحابة في وصف حال قتالهم إبان الفتنة في عهد علي رضي الله عنه: "لقد قاتلنا الفرس والروم فلم نجد كقتال بعضنا لبعض، كلٌ يقاتل عن عقيدة".
وإذا قاتل المقاتل عن عقيدة فلا يقف لثباته وتضحيته وجِدّته أحد؛ لأن أعظم انتصاره وفوزه هو أن يُقتل في سبيل عقيدته، فيأتيه الأجر العظيم؛ جناتٍ ونَهَر في مقعد صدقٍ عند مليكٍ مقتدر.
الدفاع عن القدس والأقصى هو دفاع عن عقيدة ودين قبل أن يكون دفاعاً عن وطن وأرض
وإن أكثر صورنا بؤساً ودمامةً، أن تجد صهيونياً من صهاينة العرب والمسلمين متّكئاً على أريكته يقول: #القدس مدينة فلسطينية، وعلى الفلسطينيين أن يحملوا قضيتهم على أكتافهم وحدهم، كما حملنا نحن قضايانا في تحرير أراضينا المحتلة.
ومثله من يقول: إن الفلسطينيين هم من باعوا أرضهم وبلادهم. ومن يقول: لا بد من حل الدولة الواحدة التي تجمع الفلسطينيين و"الإسرائيليين".
ومن يقول: لليهود حق في القدس، وحائط البراق لهم.
كل هؤلاء صهاينة عرب ومسلمون، ليسوا أقل صهيونية من صهاينة اليهود والنصارى، بل إن صهاينة اليهود والنصارى ما كان لهم أن يتمكنوا ويصلوا إلى غايتهم ومرادهم إلا بخيانة صهاينة العرب والمسلمين أولاً.
إن صهاينة اليهود والنصارى ما كان لهم أن يتمكنوا ويصلوا إلى غايتهم ومرادهم إلا بخيانة صهاينة العرب والمسلمين أولاً
القدس هي عنوان هزيمتنا الأكبر، وهي عنوان انتصارنا المنتظر، فإما أن تكون أول عناوين انتصارنا القادم، أو تكون ذروتها وخاتمتها.
إن نهضة أمتنا العربية والإسلامية القادمة، وذلك الحلم بدولتنا الإسلامية الموحدة والقوية، كل ذلك مرتبط ارتباطاً وثيقاً بقضية القدس واحتلالها.
فوجود الكيان الصهيوني هو العنوان الأكبر للعدوان الصليبي والصهيوني على الأمة العربية والإسلامية، ولن تتمكن الأمة العربية والإسلامية من النهوض ثانية إلا بكسر هذا العدوان، ومسح هذا الكيان.
لن يتركنا الغرب الصهيوني الصليبي لنعود من جديد إلا إذا هزمناه وأرغمناه في القدس وفلسطين. هذا ما يعرفه الجميع، وما يوقن به الجميع. قضية عودتنا ونهضتنا، وقضية تحرير القدس، هما في الحقيقة قضية واحدة بمقدمة وخاتمة، فإما أن تكون هذه مقدمتها وتلك خاتمتها، أو تكون تلك مقدمتها وهذه خاتمتها.
والسؤال: كيف تتحر القدس ونحن على هذا الحال؟!
نحن نمر بمرحلة في تاريخ الأمة هي المرحلة الأشد قتامة وسواداً، وهي كما ذكرت في مقال سابق مرحلة زمان الوهن الأكبر.
فلم تعش الأمة هزيمة وانتكاساً وانكساراً ووهناً مثلما تعيشه اليوم، وبالتالي فإن الفرصة كبيرة وسانحة للعدو الصهيوني والصليبي في تصفية قضية القدس وإنهائها. ولولا صمود أولئك المرابطين في القدس والداخل الفلسطيني، ورباط أولئك على ثغور غزة، وتضحيات وبطولة البعض في عملياتهم في الضفة، لانتهت هذه القضية لصالح العدو منذ زمن، بحيث استطاع أن يهوّدها بالكلية، وأنهى القضية لسنوات وعقود. ثم يشاء الله بعد زمان ويأذن لرجال أعدهم على عينه ليستنقذوها من أيدي الطغاة، ويعيدوها أرضا إسلامية مقدّسة. ثم تبقى السُّبّة والمذمة أن نكون نحن الجيل الذي انتهت على يديه القضية، وأُعلنت في وجوده الهزيمة الكاملة.
لن تتحرر القدس إلا بصحوة للأمة لا تُبقي ولا تذر، والأمة الآن في أشد لحظاتها غفوة وغطيطاً، وأعظم الأمل أن تكون قضية القدس هي القضية التي تصحو الأمة لها فلا تنام بعدها أبدا، ويكون الإيذان بصحوة البركان الخامد.
على الشعوب العربية والإسلامية أن تعلم أن قضية القدس هي قضية عقيدة، فإن كانت الأمة قد قعدت في مواطن كثيرة فليس لها أن تقعد لهذه، وإن كانت قد تخلت عن كثير فليس لها أن تتخلى عن هذه، وإن كانت قد هُزمت وانكسرت كثيراً فليس لها أن تنكسر وتُهزم هنا.
إذا كانت الأمة قد قعدت في مواطن كثيرة فليس لها أن تقعد لهذه، وإن كانت قد تخلت عن كثير فليس لها أن تتخلى عن هذه، وإن كانت قد هُزمت وانكسرت كثيراً فليس لها أن تنكسر وتُهزم هنا
وإن لي ملاحظة على الشعوب العربية والإسلامية، فإن الذي نقر به أولا هو أن الأنظمة العربية والإسلامية الحاكمة قد ماتت منذ زمان، ولم نعد نعوّل عليها، وما زلنا نعوّل على الشعوب، فكيف تسكت الشعوب عن إغلاق الأقصى في وجه المصلين؟!، والذي يمثل سابقة لم تحدث من قبل، كيف تسكت الشعوب ولا تتحرك إلا في بعض الدول؟!، وأين مسيراتها الجرارة ومظاهراتها الصادحة؟!، والتي كانت تفعل وتفعل؛ تفعل في قلب العدو فيتوقف عن غيّه، وتفعل في قلوب الأنظمة فتتكلم خشية العاقبة.
إن الأمة تعيش انتكاستها الأكبر، وإن لم تستفق الأمة سريعاً فستعش مصيبتها الأكبر في ضياع قدسها ضياعاً نهائياً، لا عودة بعده إلا بعد سنين وعقود.