تاريخية المعركة التي نخوضها
نحن في معركة تاريخية حقيقية، وتاريخيتها تأتي من أكثر من اعتبار.
فهي معركة تاريخية كتبها الله منذ أن خلق السماء والأرض، وبدأت أولى جولاتها مع خلق الإنسان الأول (آدم) وعدوه الأول (إبليس).
هي معركة #الحق والباطل، التي لا نقول إنها معركة الحياة الكبرى فقط، ولكننا نقول إنها المعركة التي خلق الله عز وجل لها الحياة ابتداء. فما خلق الله الحياة إلا لعبادته، ثم لتدور المعركة بين عباده وأوليائه من جهة، وبين الشياطين من بني إبليس وبني آدم من الجهة الأخرى.
معركة قدّرها الله لتكون منذ بداية الحياة ولا تنتهي إلا بنهايتها. معركة دائرة ومستمرة تتوالى جولاتها جولة بعد جولة.
وهي معركة تاريخية لأنها جاءت في لحظة تاريخية من عمر هذه #الأمة. وإذا كان من الظاهر أننا على مدار تاريخنا كله نقف أمام كل لحظة من لحظاته المتتابعة لنقول تلك الجملة المشهورة (نحن في لحظة تاريخية).
ما خلق الله الحياة إلا لعبادته، ثم لتدور المعركة بين عباّده وأوليائه من جهة، وبين الشياطين من بني إبليس وبني آدم من الجهة الأخرى
وإذا كان لذلك قدر من المصداقية، حيث إننا حقاً في كل تاريخنا نسير من لحظات تاريخية إلى مثيلاتها تباعاً، فتاريخ أمتنا تاريخ فارق ومذهل بلحظاته ومحطاته وانعطافاته.
إلا أن بعض هذه اللحظات تكون أعظم قدراً وأبلغ أثراً، بحيث تصدق فيها جملة (نحن في لحظة تاريخية) أكثر مما تصدق في غيرها.
ولحظتنا الآنية هي من هذه اللحظات، فهي اللحظة التي جاء فيها حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله لها أن تكون ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها.........) إلى أن يقول في نهاية الحديث (........ثم تكون خلافة على منهاج النبوة).
نعم، هذه هي اللحظة، لحظة الخلافة على منهاج النبوة، وهذه هي إرهاصاتها.
تكييف المعركة ووصفها:
هي كما قلنا معركة بين الحق والباطل، بين عبّاد الله وأوليائه وبين أعداء المؤمنين وأعدائه، وكل من لا يرى هذا التكييف والوصف لهذه المعركة فهو:
- إما أن يكون مع الباطل وحزبه، ومنطقيّ أن لا يصف المعركة بهذا الوصف حتى لا يحكم على نفسه بأنه من أهل الباطل.
والغريب أن من هؤلاء من يقر بأنها معركة بين الحق والباطل حقيقة، ولكنه يجعل أعداء الله وأعداء دينه القتلة المجرمين هم أهل الحق، ويجعل المجاهدين المظلومين المقتولين هم أهل الباطل.
- وإما أن يكون جباناً خانعاً علم أنه لن يقوى على الوقوف مع الحق ومناصرته إن أقر هو له بأنه الحق، فعمد إلى وصف المعركة بغير وصفها، فقال (هي معركة على الكراسي والحكم وليس للدين بها علاقة).
والعجيب أن من هؤلاء، بل أغلب هؤلاء هم من المحسوبين على أهل العلم، ممن كان الناس ينتظرون رأيهم وموقفهم، لكن الفتن كاشفة.
- وإما أن يكون جاهلاً أو غبياً، نظر بجهله أو غبائه في المسألة، فرأى ما لا يراه إلا الجهّال أو الأغبياء، فقال ما قاله سابقه، غير أن الفارق أن سابقه قاله جبناً وخوفاً، وهذا قاله جهلاً أو غباء.
هي معركة بين الحق والباطل ولا جدال، ومعركة بين الدين والعلمانية ولا جدال، ومعركة بين الحرية والعبودية ولا جدال، ومعركة بين الديمقراطية والديكتاتورية ولا جدال، ومعركة بين الفاسدين والمصلحين ولا جدال.
ثقة بالنصر أم ثقة بالله؟
كما أوضحنا، نحن في معركة حق وباطل، بين أولياء الله وأعداء الله.
ولذلك، فإننا دائماً ما نجزم بنصر الله لنا، وأن الأمر لا يعدو مسألة وقت، يغربل الله فيه الصف ويمتحن فيه القلوب حتى يعلم المخلصين من الزائفين ، ثم يكون نصر الله في النهاية نصراً حتمياً لدينه وأهله.
لكننا أمام هذا الطرح لابد لنا من وقفات حتى تتبين لنا المسألة على كل وجوهها.
نحن فعلاً أمام معركة حق وباطل، ولكن من الذي يدّعي أن الله ينصر أهل الحق في كل معاركهم وجولاتهم. لم يأت بذلك نص قرآني ولا نبوي، وتاريخنا يشهد بغير ذلك.
فكم من المعارك التي هُزم فيها أهل الحق وانتصر أهل الباطل.
إن وعد الله للمؤمنين بالنصر هو وعد لنهايات المعارك ومآلاتها، وليس وعدا لكل جولة من جولات هذه المعارك الكثيرة.
إن وعد الله للمؤمنين بالنصر هو وعد لنهايات المعارك ومآلاتها، وليس وعدا لكل جولة من جولات هذه المعارك الكثيرة
إذن فليس من اللازم أن ينصرنا الله في معركتنا هذه، وثقتنا هنا لابد أن تكون بالله وليس بنصره ، والفارق بين الثقتين كبير.
فثقتنا بالله تعني ثقتنا بأنه إله موجِدٌ خالقٌ قادر، أنزل علينا شريعته، وأمرنا بالجهاد من أجلها، ثم وعدنا بالجزاء الجزيل إن نحن أوفينا بعهده، جزاء في جنات خالدات ونعيم مقيم.
ثقة بأن عملنا وجهادنا لابد أن يكون لأجل الله، وثقة بأن الله يجازي بالعدل والفضل، وأنه ينتظر منا العمل ولا ينتظر منا النتيجة، فالعمل علينا والنتائج عليه. وبالتالي فإن جزاءنا كامل سواء حققنا النتيجة أو لم نحقق، فالجزاء على الأعمال وليس على النتائج .
وثقتنا بأن الله سينصر دينه وشريعته في نهاية الأمر، وسيتحقق موعوده الذي جاء على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم (.....ثم تكون خلافة على منهاج النبوة).
الثقة بالنصر يتبعها اليأس والقعود إذا ما لاح في الأفق ما يشير إلى هزيمة أو انتكاس، أما الثقة بالله أيا كانت النتائج فهي ما تدفع إلى العمل والجهد والمثابرة دون انتظار شيء
الثقة بالله تثبت العمل وتديمه أكثر من الثقة في النصر.
على غير ما قد يُتخيل من وراء كلامي، فإن هذا الذي أقوله يحث على زيادة العمل والجهد وعلى دوام الصبر والمثابرة.
حيث إن الثقة بـالنصر يتبعها اليأس والقعود إذا ما لاح في الأفق ما يشير إلى هزيمة أو انتكاس، وهذا ما يحدث بين الحين والآخر.
أما الثقة بالله وفي ثوابه أيا كانت النتائج فهي ما يدفع إلى العمل والجهد والمثابرة دون انتظار شيء أو الوقوف لأجل شيء، فلا مكان معها لليأس ولا للقعود.