استطاع الفلسطينيون بصمودهم وإصرارهم الدفاع عن المسجد الأقصى، وإجبار الاحتلال على إزالة الحواجز الحديدية والبوابات الإلكترونية التي أقامها على المدخل الرئيس لباب الأسباط في المسجد الأقصى وفي ساحته الرئيسية، وإفشال مخطط الاحتلال الصهيوني في تغيير الوضع القائم بعد عملية القدس البطولية وفرض السيادة الصهيونية عليه، في ظل ضعف الموقف العربي الرسمي، وبعد زيارة ترامب الأخيرة للمنطقة مستغلة الثغرة التي أحدثها في إمكانية التطبيع مع الدول العربية والإسلامية والترويج له، حيث يعمل الكيان الصهيوني منذ عقود مضت تدريجياً مستخدماً القوة الناعمة، ومستغلاً الثغرات والتراجع في الموقف العربي والإسلامي والفلسطيني أيضاً للتقدم في فرض سيطرته على المسجد الأقصى.
والحقيقة أنه ليس من مصلحة الكيان الصهيوني أن تطول أحداث المسجد الأقصى؛ لأنها ستلفت الأنظار العربية إليه، مما سيفسد خطواته التطبيعية مع الدول العربية خصوصاً المجاورة له، لذلك أراد للأحداث أن تنتهي بهذا الشكل في الالتفاف على دور الفلسطينيين في تحقيق انتصارهم من خلال تبني مجموعة من الحكام العرب لإعادة فتح المسجد الأقصى وتهيئة الرأي العام أن القضية انتهت، لكن قضية الأقصى عادت للواجهة من جديد وأظهرت أن المتحكم والمسيطر في مجريات الأحداث كلها هو الفلسطيني وحده، وأن الجماهير لا يمكن أن تستغفل، فالمصلون المرابطون في الأقصى بكل مسمياتهم ومستوياتهم من الحارس حتى عامل النظافة هم القنبلة النووية الحامية لطهر القدس، وهم تحت وصاية الرحمن وظلاله، وليس تحت وصاية أحد، وهم الأمل الذي يحرك وقود الأمة، رغم أن الاحتلال حاول على مدار سنوات عديدة ترحيل عشرات الآلاف منهم، إلا أنه فشل ويعلم أن قضية القدس هي التي لا يختلف عليها اثنين.
ليس من مصلحة الكيان الصهيوني أن تطول أحداث المسجد الأقصى؛ لأنها ستلفت الأنظار العربية إليه، مما سيفسد خطواته التطبيعية مع الدول العربية خصوصاً المجاورة له
في نهاية المطاف جاء قرار إزالة البوابات الإلكترونية مخالفاً لبعض التوصيات الأمنية الصهيونية التي تشددت لفرض واقع جديد، إلا أن الزلزال الذي أحدثته عملية حلميش البطولية هو أحد أهم أركان المعركة التي أدت لانتصار الفلسطينيين في القدس، ولو استمر الاحتلال في عناده لتكررت عمليات مشابهة لحلميش، ولتحولت الضفة تدريجياً إلى عسكرة شعبية غير متوقعة وغير مسيطر عليها، وهو ما دفع الاحتلال للتراجع فوراً، فقد كشف رئيس الإئتلاف الحكومي في الكيان الصهيوني دافيد بيتان أن جهاز الشاباك الصهيوني ظهروا كمجموعة من الجبناء بعد موقفهم الرافض للبوابات الإلكترونية، كما أن حلميش أحدثت شرخاً بين جهاز الشرطة الصهيوني وجهاز الشاباك، فالطرفان ألقيا التهم على بعضهما، وسارعت المؤسسة الرسمية الصهيونية لاتخاذ قرار الإزالة، بعدها تعرض رئيس وزراء الكيان بنيامين نتيناهو لضغوطات داخلية من قبل الصهاينة على اتباعه سياسة المواجهة والقوة.
الزلزال الذي أحدثته عملية حلميش البطولية هو أحد أهم أركان المعركة التي أدت لانتصار الفلسطينيين في القدس
لا يمكن للأحداث أن تتوقف دلفة واحدة، فأي خطوات تصعيدية من قبل الاحتلال الصهيوني والذي استدعى قوات حرس الحدود وقواته الخاصة للمسجد الأقصى ستقابل بخطوات تصعيدية أكثر قوة من الفلسطينيين، وستنتشر صور لا يرغب الاحتلال بنشرها من أن الفلسطينيين الذين يهاجمهم مدنيون يطالبون بحقهم في العبادة، هذا سيشكل تلاقياً مع قرار اليونسكو بإسلامية القدس، مما يضر كثيراً في صورة الاحتلال الصهيوني حول العالم، والمتابع للهجمات اللفظية التي تعرض لها مندوبو الاحتلال في الأمم المتحدة من ممثلين رسميين في أسبانيا وفرنسا والسويد، وكذلك انسحاب طلبة جامعيين في عدد من اللقاءات التي من المفترض أن يحاضر فيها صهاينة دلالة على أن الحراك سيكون أكثر إسناداً وقوة.
خلاصة مهمة في أحداث الأقصى الأخيرة، فقد أصبحت الظروف أكثر تهيئة لإنفجار غير متحكم به، خصوصاً في الضفة الغربية، فمشهد تجمع الفلسطينيين وانتقالهم بكل الوسائل والطرق للمسجد الأقصى أظهر الفجوة بين سياسة التنسيق الأمني المتبعة من قبل السلطة الفلسطينية مع الاحتلال، وبين مطالب الفلسطينيين، ومشاهد المقاومة الشعبية ثم العسكرية المتكررة في العمليات البطولية الفردية للجيل الجديد هي مؤشرات قياس نحو التدحرج غير المسيطر عليه، خصوصاً إذا ما تعلق الأمر بقضية جامعة تجمع الكل الفلسطيني ولا يمكن أن يختلف اثنان عليها وهي قضية المسجد الأقصى ودوره الزماني والمكاني.