الحب شعور، والمشاعر تتعلق عادة بالقلوب، والقلوب بيد الله يقلبها كيف يشاء. ولكن قضايا القلوب لا تتعلق فحسب بالحب والمشاعر، بل إنها ترتبط أحيانًا بأمور العقل والمنطق، كالعقيدة مثلًا. لذا، كان من أدعية نبينا صلى الله عليه وسلم المأثورة: "يا مقلِّب القلوب ثبت قلبي على دينك" [رواه الترمذي]. كما نقرأ دعاء المؤمنين في سورة آل عمران: {رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّاب {[الآية: 8]. والعجيب أنه من معاني "العقيدة" اللغوية هي: (الحُكْمُ الذي لا يُقْبَلُ الشكُّ فيه لدى معتقِدِه)، ومع ذلك، فإن خير الخلق محمد عليه الصلاة والسلام، كان يسأل الله الثبات عليها.
نَخْلُص من ذلك، أن #الحب اللامشروط غير مضمون وإن وجد أحيانًا، ذلك لتعلق الحب في الأصل بالقلب، والقلب كما أسلفنا يتقلب، فهو بهذا غير مضمون. بيد أن هذا ليس السبب الوحيد وراء ندرة وجود هذا النوع من الحب اللامحدود، فهناك أسباب أخرى، نلخصها في النقاط التالية:
الحب اللامشروط غير مضمون وإن وجد أحيانًا، ذلك لتعلق الحب في الأصل بالقلب، والقلب يتقلب، وبالتالي هو غير مضمون
1- الأفعال في نهاية المطاف هي الأقوى:
الكلام أقوى في تأثيره من المشاعر، لذا قد نجد الكثيرين ينخدعون بالكلام المعسول الطيب، ولمَّا يطلعوا على نوايا قائله . ورغم ذلك، فلا يمكن إنكار أثر الكلمة، حيث صوَّر ربنا الكلمة الطيبة في القرآن الكريم بقوله: {أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ {[إبراهيم:24]. ولكن من وجهة نظري، يظل للأفعال الأثر الأقوى والأعمق، فلحسن الخلق مثلًا الأجر الأعظم والأكبر، حيث قال نبينا صلى الله عليه وسلم: "إنَّ من أحبكم إليَّ وأقربكم مني مجلسًا يوم القيامة أحاسنكم أخلاقًا" [رواه الترمذي]. وإذا ما سأل الإنسان نفسه عن أهمية الأفعال عن غيرها من طرق التعبير عن المشاعر لَوَجَد عدة أسباب، من أهمها أنه لا أسهل أيسر من الكلام، والوعود التي تذهب مع الوقت أدراج الرياح. ولكنَّ الأفعال تُثبت صدق الوعد وحسن النية، وترفع من قدر الإنسان وتزيد من درجة ثقة الآخرين به . ولذا فالأصل في الدين المعاملة.وعلاقة الأفعال بالحب كبيرة، لهذا نرى أن الله في القرآن الكريم لم يربط السعادة والسكينة في الزواج بالحب، بل بالمودة والرحمة وهما فِعلان بالإضافة إلى كونهما شعورين. ذلك أن المودة والرحمة يحملان كل معاني المعروف والإحسان والتقوى وهم أفعال بالدرجة الأولى، وهي تؤدي بنسبة كبيرة لتحقيق الحب. بيد أن العكس ليس صحيحًا بالضرورة، فإن أحب الإنسان ولكنه لم يود أو يرحم، يقل الحب ويفنى في قلب الحبيب. فالأخلاق والأفعال هي دليل وجود أو انهيار المحبة بالدرجة الأولى.
علاقة الأفعال بالحب كبيرة، لهذا نرى أن الله في القرآن الكريم لم يربط السعادة والسكينة في الزواج بالحب، بل بالمودة والرحمة وهما فِعلان بالإضافة إلى كونهما شعورين
2- الحب ليس حقيقة مُسَلَّمًا بها!
فتجد كثيرًا من الأشخاص قبل أو بعد الزواج، يرفضون تغيير الطباع السيئة، مبررين ذلك بأن من ارتبط بهم، قد أحبهم كما هم بلا قيد أو شرط! و كثيرًا ما يقل التعبير عن الاهتمام والحب بين الطرفين بحجة أن الطرف الآخر "يعلم" عن هذا الحب ، وأنه لا حاجة للتأكيد لا بالأفعال ولا بالأقوال. بل كثيرون يذهبون بالظن الخيالي، وهو: "أن وجودي يكفي في حياته أو حياتها". وهذا قول جلل يحتاج للكثير من التفكير وإعادة النظر.
لابد أن يحرص المُتقلَّبون من نعيم الحب على تمكين مشاعرهم بالأقوال الصادقة والأفعال المؤثرة حتى يدوم الحب وتنمو المودة
ففي زمننا نشهد الكثير من الزيجات التي تزوج أصحابها عن حب دام سنين طويلة، ثم ما اكتمل زواجهما إلا لشهور أو سنوات معدودة! وإذا سألت هؤلاء، لكانت معظم الأجوبة تدور حول التالي: "عرفته على حقيقته" ، أو "اتضح لي أن أفعالها لا تعكس أقوالها" ...إلخ.
ننتهي إذن إن الحب اللامشروط نادر الوجود، وإنه إن وجد لابد أن يحرص المُتقلَّبون من نعيمه على تمكين مشاعرهم بالأقوال الصادقة والأفعال المؤثرة حتى يدوم الحب وتنمو المودة.