يقول الإمام البنا يرحمه الله: "ولا بأس أن يتقدم إلينا من وصلته هذه الدعوة، ومن سمع وقرأ هذا البيان برأيه في غايتنا ووسيلتنا وخطواتنا، فنأخذ الصالح من رأيه وننزل على الحق من مشورته فإن الدين النصيحة".
ولما كانت الحركة الإسلامية ملء السمع والبصر؛ فإن العمل على إصلاحها وسد الثغرات والسعي لعلاج كل داء بدواء النصح والعمل والواقعية أمر لابد منه خصوصا إذا كان العشق لهذا الطريق والفخر به يمثل مظلة النصح والعمل معا.
وأنا في هذه السلسة سأتحدث عن بعض العلل داخل هذا البناء الكبير وسأصف له الدواء بكل أريحية وسعيًا في تغيير واقع أصابه اليأس والرتابة.
الداء الأول "غياب التخصص"
وهو تعريف يوحي بعدم الاهتمام به والإلمام الكامل بالأمر، وهو داء شديد الأثر وباب خلل عميق له نتائج سلبية على الفكرة والحركة معاً.
وبمنتهى الوضوح أقول أن الحركة الإسلامية تعاني نقصاً وندرة في المفكرين بشكل كبير، بل تعاني غياب أجيال تبعث على التفكير وقيادات تتبنى هذا المسار من الأصل، ولذلك تجد أن الحركات الإسلامية إذا أرادت شيئًا خاصًا بالجانب البحثي والفكري يكون لمفكرين من خارج الإطار التنظيمي أو بعض أصحاب الأقلام من الدائرة الفكرية للحركات الإسلامية.
وقناعتي أن الخطورة من هذا الداء أنه يسلخ المرء من فكرته دون شعور فلا توجيه محدد، ولا إبداع وتجدد وأجيال مفكرة وأقلام مثمرة تستطيع أن تستوعب وتصحح مسار أفكار وترد شبهات وتقوي حجج وبراهين وتؤسس لتنوير وتطوير عبر مؤسسات متخصصة للبحث والتفكير المستقبلي تعصم البناء من التآكل والاندثار.
ويكفي أن النتيجة الكبرى لغياب التخصص هو عدم بلورة رؤية مستقبلية تحذر من مسار الانزلاق في انقلاب دموي "النموذج المصري مثالاً".
ليس شرطا أن يكون الجميع مختصاً أو متعمقاً لكن لابد أن يكون لدى الجميع جزءاً من الثقافة العامة
وأنبه أنه ليس شرطا أن يكون الجميع مختصاً أو متعمقاً لكن لابد أن يكون لدى الجميع جزءاً من الثقافة العامة وعلى هذا فإن وصف الدواء يجب أن يكون مبعثه خطورة الداء، وأهمية الجسد وحتمية زوال كل الآثار الخبيثة لوجود هذا الداء.
لذلك؛ فإن أبجديات أي علاج يجب أن تكون من الواقع الذي تحياه الحركة الإسلامية: وهو وضع لايخفى على الكثير من المتابعين، فالمشكلات كثيرة متناثرة وكل بلد به أوضاع صعبة إلا من رحم ربي؛ لكن في المجمل هناك حالة تربص وكيد عالمي يحيط بالحركة الإسلامية وفي القلب منها حركة حماس التي ربما أكثر الحركات الإسلامية فهما لحقيقة الصراع، وبراعة فى توظيف واستغلال التخصص وتطويره بشكل كبير.
لذلك فالدواء يكون متعدد الاتجاهات والجوانب سواء أكان تربوياً أو تنموياً أو إعلامياً أو أكاديمياً.
الجانب التربوي
يتمثل بالاهتمام بالعقيدة كمبعث هام فى تكوين الفرد المسلم صاحب الرسالة التي من أهدافها الأولى مساعدة الناس لعبادة لرب العالمين.
ثانيًا.. تكوين طليعة فكرية ملمة بأهداف فكرتها وقادرة على توصيل رسالتها للناس ببراعة مع بيان جوهر وروح الفكرة الصحيحة.
ثالثًا.. تكوين جيل يعلم تاريخ أمته وانتصارتها ويسعى لعودة أمجادها بفهمه لدينه الحنيف.
رابعاً.. لابد من وضع خطة تطوير قوية تتماشى مع حجم الكيان الكبير وعظمة قدرات أبنائه.
خامساً.. اكتشاف وتدريب مختصين فى شتى المجالات خصوصاً في الجانب السياسي والفكري.
الجانب التنموي
وهذا الجانب من أهم المسارات التي يرجى منها الخير؛ لأن المؤمن مطالب بتطوير قدراته.
أولًا: يجب على الحركة الإسلامية السعي لتطوير طاقات أفرادها والارتقاء بها والتوجيه بذلك وجعله من أهم الأولويات لهذه المرحلة وكل المراحل، وعن طريق محترفين وعلماء متخصصين في هذا المجال؛ فالكادر البشري أزمة شديدة داخل البناء الإسلامي.
ثانيًا: يجب تذليل كافة العقبات "وفق المتاح" لإيصال كل رسائل التطوير والتجدد للعقل الإسلامي متمثلًا في شبابه وأفراده وحتى محبيه وأنصاره العاملين.
ثالثا: العمل على تقييم كل خطوة بحساب الفهم والعقل واختبار القدرات واستنفار الطاقات وهذا بمثابة معرفة مهارات الأفراد.
الجانب الإعلامي
أولًا: حتمية تكوين وتدريب أفراد بارعين في إنشاء رأي عام منصف ومحايد يمثل القاعدة الكبرى للدين الإسلامي في فهمه ورسالته الغراء.
ثانيا: الاعتراف بالتقصير في هذا الجانب شريطة أن يكون اعترافاً يدفع للعمل والإبداع لا التكاسل والتراخي.
ثالثًا: الاستعانة بمنابر صادقة ومهنية في تزويد وتنوير الأفكار بكل جديد وصادق بعيدًا عن الغلو أو التفريط.
ختاما أخي الكريم استنفر طاقاتك وملكاتك وقدراتك الكثيرة واسع بالعلم والعمل، ولاتتعطل فمسيرك معروف ومسارك محدد.
بقي أن أذكر أن المعوق الوحيد هو في أي تغيير أو تطوير هو تقديم أهل الثقة على أهل الكفاءة والمعرفة.