وصفة علاجية للحركة الإسلامية ..(2) الكفاءة

الرئيسية » خواطر تربوية » وصفة علاجية للحركة الإسلامية ..(2) الكفاءة
The questionnaire

تحدثنا في المقال السابق ضمن هذه السلسلة عن داء موجود داخل الحركة الإسلامية وهو غياب التخصص ووصفنا الدواء وفق طاقتنا المتاحة، ووفق فهمنا لهذا المسار الذي نشرف به ونفخر بالإنضواء تحت مظلته الجامعة فهماً وعملاً وحباً.

واليوم نكتب المقال الثاني وداء جديد وعميق ربما آثاره الخبيثة تتجلى كثيراً في الذاكرة وأمام العين فيئن لها القلب ويصاب العقل بالتشتت.

اليوم نتحدث عن الكفاءة والبداية من التعريف:

هي موهبة وتعتبر جزءًا مهمًا من القدرة على إنجاز جزء معيّن من العمل عند مستوى محدّد، وقد تكون الكفاءة بدنيّة أو عقلية.

أصناف الكفاءة:

الكفاءة الفرديّة: تدلّ على المهارات العملية المقبولة، ويتمّ قياسها من خلال أساليب فنية وتقنية.

الكفاءة الجماعيّة: هي التي تحدد قوة المؤسسة أو ضعفها في مجال منافسة المؤسسات، ومن مصادر تقييمها حكم المجتمع.
هذا من الجانب المعرفي حتى لايحدث تيه لدى القارئ.

ولا شك أن كلمة الكفاءة أولا تبعث بظلالها على مصطلح آخر، وهو الثقة. وأنا أسعى أن أثبت أن المهنية والكفاءة مقدمة عن الثقة خصوصاً في العمل الإسلامي فكم من منابر إعلامية، فشلت واندثرت بسبب تقديم أهل الثقة على أهل الكفاءة.

وكم من لجان وأعمال وإدارات سقطت، بسبب تسيد من ليسوا أهلا للقيام بهذه المهام والأمثلة كثيرة ومتعددة وأنا أعلم أننا جميعا موجعون من هذه الأمور وتلك الذكريات، لكن الصمت ليس حلاً أبدا، فكما نفخر بمهاتير محمد فى ماليزيا والغنوشي فى تونس، نتوجع لغياب هذين النموذجين في الكثير من البلدان سواء في إدارة الدول أو الحركات والكيانات.

ولما كانت الغاية هي تصحيح مسار أفكار غرست فينا كشباب الحركة الإسلامية بشكل أو بآخر منها الطيب العاطفي، وكذلك فيها غير المتساوي مع طبيعة الفكرة بل أحيانا يصطدم بآراء للمؤسس الأول لهذه الدعوة.

وبين الكلمات والمراجعات والتقييمات تتضح بجلاء حتمية النصح والتذكير خصوصاً إذا كان الهدف هو النصح والتذكير والسعي لإحداث صيحة فكرية وتعديل مفاهيم جبلت على تقديم أهل الثقة على أصحاب القدرات والمهارات والكفاءات لا شيء إلا أنه تربى على ذلك!

وقد يراه البعض شيئاً عادياً ويراه آخرون طامة أوردت الحركة الإسلامية في كثير من المهالك والمسارات العميقة، ناهيك عن الآثار الصعبة التى دافع ضرائبها الأفراد وحتى المحبون لها فضلا عن المتبنين للفكرة الذين يرون فيها الخلاص وفي قادتها الإخلاص.

ولما كانت الثقة من الأركان العشرة للبيعة وهى الركن الأخير فوجوب النظر فيها هام ولابد منه فالفهم والإخلاص والعمل والثبات والتضحية كل هذه الأركان مقدمة على الثقة.

وبوضوح شديد أقول أن الحركة الإسلامية في كثير من البلدان تأخرت بل وتعطلت وتشرذمت ووصل الأمر للانشقاق بسبب الإفراط فى ركن الثقة وإسناد الأمر إلى غير أهله واستبعاد الكفاءات وأصحاب الطاقات بدعاوى عقيمة وأحكام نفسية ليس لها أصل من فكرة أو دعوة لكنها تخرج من لسان بشر له موقع قيادي.

والأمثلة على طغيان هذا الركن وعواقبه وخيمة جداً جداً.

إنني أعتب على كل صاحب فكر داخل البناء الإسلامي من صمته وعدم السعي لإحداث تغيير قوي وكأن الحال يتوافق مع هوى الكثير.

وواهم من يظن أن الحديث عن الثقة والكفاءة يعطل ويشرذم وأن الوقت غير مناسب، بل العكس تماماً فالمحن أثبتت أننا وضعنا ثقتنا في الكثير ممن ليسوا أهلاً لها وحتمية التفكير فضلا عن العمل أمرٌ لا فرار منه.

ولما كان الغرض هو العمل لا التنظير فقط قررت في هذا الموضوع وغيره، أن أضع يدي على الداء وأصف الدواء وفق فهمث للأمور وقد أصيب أو أخطئ وفي الحالتين هو اجتهاد ذاتي نابع من العشق والفخر وشرف الانتماء.

العلاج:

لما كان غياب الكفاءة عن البناء مؤثر شديد الأثر ووجوده أيضا غاية كبرى؛ لما له من ثمار طيبة واقعية وصادقة كان العلاج من الداخل له مفعول كبير، ويكمن بما يلي:

1 - الإبداع في ثقافة الاختيار وتطوير الأفراد في هذا المسار بكل السبل، ونشر ثقافة التغيير بالشكل المرجو وفق قاعدة الكفاءة والمهنية.

2-أن تكون هناك معايير منضبطة للتصعيد التربوي ويعتمد القرار أيضا من الجهة الشورية، وذلك لتعظيم الأمر الشوري بعيداً عن مسار التزكية الداخلية وثناء البعض على البعض.

3 - تفكيك نمط التنظيم المغلق شبه العسكري وإن لم يحمل سلاحًا.. هذا النمط يورث هذا المرض دون شعور ويطول أثره في البناء.

4- مراجعة الأدبيات التي تضخم القناعة بهذا الأمر وإيجاد أدبيات بديلة تتحدث عن النمط المغاير وتضيف عظمة اكتشاف القدرات وحسن توظيفها، وتقديم أهلها دون مواربة أو تجمل.

5- وضع اللوائح التي تضمن دوام المساءلة ووضع معايير منضبطة لكل مهمة وظيفية واعتماد تعيين أصحاب هذه المهام من قبل المؤسسات الشورية في التنظيم وعدم تركها بالكلية في يد المؤسسات التنفيذية. وربما هذا أصعب الحلول على اعتبار أن التنفيذي متحكم في كثير من الأمور، فهو يقرر ويراقب ويمنح ويسحب الثقة مننفسه.

ختاما

بقي أن أذكر أن الجميع على الرأس وإخواننا لهم الفضل والسبق، لكن البناء أكبر من الأشخاص والفكرة ولواؤها أكبر من الشخص مهما كان بريقه، والتضحيات التي قدمت سواء في الماضي أو الحاضر هي في موازين أصحابها نسأل الله قبولها؛ لكن وفي الوقت نفسه هي ليست سيفاً مسلطاً على كل دعوة للتغيير أو أعمال الكفاءة والمهنية.

وإخواننا هم مقلة العين نحبهم ونجلهم؛ لكن حبنا لفكرتنا وللحق أعظم وأكبر، وعلى كل عاشق ومحب وغيور أن يعي أن التاريخ لن يعود وأن ما مضى قد انتهى، وأن العبرة الأخيرة بحسن الفهم والعمل وأن الدعوة لن تفتخر بكثرة رجالها بقدر ماتفخر بمجدديها والساعون لتحديثها لتتماشى مع شرائع الزمان.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وباحث مصري الجنسية، مؤلف عدة كتب فى التربية والتنمية "خرابيش - تربويات غائبة- تنمويات". مهتم بقضية الوعي ونهضة الأمة من خلال التربية.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …