عبّر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عن بالغ استغرابه واستنكاره لما صدر عن الرئيس التونسي من توجّه نحو إقرار قانون جديد، يسوّي بين الرجال والنساء في أحكام الميراث، ويسمح للنساء التونسيات المسلمات بالزواج من غير المسلمين. مستغرباً في الوقت نفسه مبادرة "مفتي الجمهورية" ومعه "ديوان الإفتاء"، إلى الإعلان الفوري عن تأييدهم الكامل لما جاء على لسان الرئيس.
وأكَّد الاتحاد العالمي في بيانه، الذي حمل توقيع رئيسه العلاّمة الدكتور يوسف القرضاوي، وأمينه العام فضيلة الدكتور علي القره داغي، على أنَّ الإسلام قد أكرم المرأة وضمن لها حقوقها كاملة في ضمن منظومة التوازن والعدل الذي قامت عليه السموات والأرض، وضمن الحقوق المتقابلة القائمة على المسؤولية فقال تعالى: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ).البقرة:228. وقال الاتحاد: "إنَّ هذا التوجّه المعبّر عنه من لدن رئيس الجمهورية وديوان الإفتاء، ليس فيه أي مكسب حقيقي، لا لتونس العريقة في إسلامها وحضارتها، ولا للمرأة التونسية المعتزة بدينها، ولا يحل أي مشكلة للشعب التونسي، بل يزيد في تعميق معاناته وتناقضاته وشغله وبلبلته بمشاكل مفتعلة".
وشدَّد على أنَّ هذا التوجه مخالف حتى للدستور التونسي، الذي نص في توطئته على "التمسك بتعاليم الإسلام ومقاصده"، ونص في فصله الأول على أن "الدولة دينها الإسلام"، ومخالف للمنشور (73) الذي يمنع زواج التونسية لغير المسلم. وذكر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين أنَّ معظم علماء تونس قد أصدروا بياناً في الرّد على الرئيس التونسي رداً شرعياً وافياً، كما صدرت ردود أخرى من جهات علمية على مستوى العالم الإسلامي، كما أنَّ تصريحات الرئيس السبسي أثارت ردوداً غاضبة من عامَّة المسلمين.
ميراث المرأة ..
أوضح الاتحاد أنَّ أحكام الميراث المنصوص عليها صراحة في القرآن الكريم، تعتبر من جملة الأحكام القطعية، والثوابت المجمع عليها في جميع المذاهب الإسلامية، وأنها جزء من منظومة عادلة، متكاملة، متناسقة من أحكام الأسرة ونظامها المتين في الإسلام، فقد قال تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ}. مضيفاً أنَّ المفسرين قالوا عن هذه الآية أنَّها ركن من أركان الدين، وعُمدة من عُمد الأحكام، وأم من أمهات الآيات.
مبيّناً أنَّ "توريث المرأة على النصف من الرجل ليس على الإطلاق، بل هناك أكثر من 30 حالة ترث فيها المرأة مثل الرجل، أو أكثر منه، أو ترث هي ولا يرث معها الرجل شيئاً ضمن منظومة التوازن الذي هو أعدل من المساواة المطلقة، حيث روعيت فيها درجة القرابة، وموقع الجيل الوارث، وأعباء تكليف الرجل بجملة من النفقات".
زواج المرأة ..
وشدّد الاتحاد في بيانه بأنَّ زواج المسلمة بغير المسلم مخالف للكتاب والسنة ولإجماع الأمَّة، ولا يجوز بحال من الأحوال تجاوزها، فقال سبحانه وتعالى: (وَلَا تُنكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّىٰ يُؤْمِنُوا). وقال في بيان عدم حل نساء المسلمين للكفار: (لَا هُنَّ حِلٌّ لَّهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) وعلى هذا إجماع المسلمين.
موضحاً أنَّ فتوى صدرت من مشايخ الزيتونة عام 1950م حول حادثة زواج فتاة مسلمة تونسية برجل غير مسلم نصَّت على أنَّ "هذا الزواج باطل بطلاناً أصلياً في الشريعة الإسلامية ولا ينبغي أن يطلق عليها اسم الزواج، بل هو سفاح محض، لأن أئمة المسلمين قد أجمعوا من عهد الصحابة إلى اليوم على أن شروط صحة النكاح أن يكون الزوج مسلماً".
دعوة ..
ودعا الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين الرئيس التونسي إلى التراجع عن هذا القرار الذي بناه على أنه لا يخالف الدين، قائلاً: "وبما أنه قد تبين له هذا الحق فالرجوع إلى الحق فضيلة، وهذا واجب وفريضة".
ودعا البيان أعضاء مجلس نواب الشعب إلى صيانة ثوابت الشعب ومقدساته، ورفض هذا المشروع وفاء منهم لدينهم وشعبهم، وأداء لأمانتهم. كما دعا الاتحاد الشعب التونسي، نساءً ورجالاً إلى التعبير عن رفضهم ومعارضتهم لهذا التوجه وهذا المسعى.