الحج هو الركن الخامس من أركان الإسلام، به تكتمل عمارة البيت، ويُتِمُّ المسلم ما افترضه الله عليه، ولذلك كان جزاء الحج المبرور الجنة.
ولا يزال الناس يحجون منذ رفع إبراهيم عليه السلام القواعد من البيت، وأذّن في الناس بالحج كما أمره ربه عز وجل إلى يومنا هذا، ولا ينقطع الحج طالما على الأرض مؤمن، فإذا قبض الله أرواح المؤمنين، ولم يبق على ظهر الأرض إلا شرار الخلق الذين تدركهم الساعة وهم أحياء توقف سيل الحجيج إلى بيت الله الحرام.
الداعية أحمد زمارة قال في حديث خاص لـ"بصائر": "ولما كان الحج عبادة وفريضة، كان لابد فيه من اتباع هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: "يا رسول الله، نرى الجهاد أفضل العمل، أفلا نجاهد؟ قال: "لا، لكن أفضل الجهاد حج مبرور". (رواه البخاري).
وبين زمارة أن الرسول صلى الله عليه وسلم أمر المسلمين بالاقتداء به، وفي حديث جابر بن عبد الله رضي الله عَنْهُمَا أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قال: "خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ" (رَوَاهُ أَحْمَدُ ومُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ).
وأكد أنه كلام جامع، استدل به أهل العلم على مشروعية جميع ما فعله النبي صلّى الله عليه وسلم.
وأشار زمارة إلى أن الحج كذلك كانت له مناسك وآداب، والمناسك نقصد بها الأفعال التي بموجبها يتم الحج على الوجه الصحيح، كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أو عن أصحابه أو عن التابعين، وما تعلمناه من أهل العلم في عصرنا.
ولفت إلى أن مناسك الحج تبدأ من الخروج من البيت وعقد النية، قاصداً بيت الله الحرام لأداء فريضة الحج؛ استجابة لنداء الله: {وأذن في الناس بالحج} [الحج:27]، وأول الأركان: الإحرام من المواقيت المتعارف عليها، كلٌ حسب بلده أو طريقه التي جاء منها قاصداً بيت الله الحرام.
وذكر أن وقوف الحاج في عرفات -والذي يُذَكِّر الإنسان بأرض المحشر، حينما يرى تلك الحشود والجماهير الغفيرة في صعيد واحد، وأكف الضراعة مرفوعة إلى الله تعالى تؤازرها الأقدام وقوفاً- تأكيد وبرهان على مدى الحاجة والافتقار من هذا العبد الفقير لمولاه تبارك وتعالى، حيث لا يدعو إلا ربه ولا يخاف إلا ذنبه.
وأمام هذه المنزلة الكبيرة التي يولد الإنسان من خلالها خلقا جديدا، فإن الفعل والاستعداد له لابد أن يكافئ ويوازي هذا الميلاد وهذه النشأة الأخرى، وذلك من خلال المعرفة بأن هذه النقلة إلى تلك العتبات الشريفة هي نقلة قلوب ومشاعر.
وذلك ما أشار إليه دعاء إبراهيم عليه الصلاة والسلام، حين قال: {فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم} [إبراهيم:37]، فهي رحلة قلوب قبل أن تكون رحلة قوالب، أفئدة وليست أجسام، وإلا فما أكثر الركب وما أقل الحجيج كما قال ابن عباس رضي الله عنهما.
وأكد عميد كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية الدكتور رفيق رضوان لـ"بصائر": "أن الحج رحلة تهذيبية وتأديبية كما قال عليه الصلاة والسلام: "بر الحج هو إطعام الطعام وطيب الكلام" (رواه أحمد والطبراني)، إضافة إلى ذلك فإن الحج هو تعزيز وتأكيد لفضيلة "التقوى" كما قال محمد عبد الله دراز في كتابه دستور الأخلاق في الإسلام، وبيان ذلك أن الله تعالى لم يفتتح دورة الحج بأي ركن من أركانه بل قال: {يا أيها الناس اتقوا ربكم} [الحج:1].
وأشار رضوان إلى أن الله عز وجل قال في نفس السورة عن عباد الهدي: {لَن يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَٰكِن يَنَالُهُ التَّقْوَىٰ مِنكُمْ} [الحج:37]، ولعل الإحاطة بثمرات الحج من الصعوبة بمكان، والتي ينبغي أن يستحضرها الحاج قبل شد الرحال، والتي منها على كثرتها: استحضار انتقال العبد إلى مولاه سبحانه وتعالى، وبالذات عندما يلبس لباس الإحرام متجردا من كل زينة ورياش {يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلَاقِيه}،[الانشقاق:6].
وأشار إلى أن الفقه والعلم مقدمان على العمل، فالمداركة قبل الممارسة، ومَنْ عَبَدَ اللهَ على جهل فكأنما عصاه، الأمر الذي يوجب على كل من أراد أن يؤدي هذا الفرض أن يمتلك الحد الأدنى من معرفة الأركان والواجبات والسنن المتعلقة بالحج والعمرة.
ولفت رضوان إلى أن المعرفة ميسورة وموفورة، أولا: من خلال المنشورات والكتيبات، وثانيا: من خلال الندوات واللقاءات التي تعقدها ثلة من وزارة الأوقاف ودائرة الوعظ والإرشاد فيها.
وذكر أنه زيادة على ذلك فإن الوسائل التعليمية المسموعة والمرئية تغطي جانبا واسعا في تثقيف وتنوير كل من تلبس بأداء فريضة الحج، وهي نشاطات بفضل الله يقوم بها المعنيون هنا في ديارنا، ومن بعد ذلك في مساكن الحجيج في المدينة ومكة، ولا يعذر أحد بالجهل بما يفترض عليه.
نصائح للحاج
وقدم زمارة نصائح للحجاج -وهم في بلاد الحرمين- قائلا: "أيها الحاج أنت تقوم بأعظم عبادة في أطهر البلاد وأقدسها وتتكبد عناء السفر، ووعثاء الطريق، والبعد عن الأهل؛ فأخلص النية لله تعالى؛ لأنه أمر في كتابه الكريم فقال: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاء وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ}، [البينة:5].
وبين أنه يجب على الحاج إدراك أنه في أماكن مقدسة، وبلاد طاهرة، فعليه أن يحفظ لهذه الأرض قداستها، وللمكان طهرته، قال الله تعالى: {وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}، [الحج:25]، وقال: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَّعْلُومَاتٌ فَمَن فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلاَ رَفَثَ وَلاَ فُسُوقَ وَلاَ جِدَالَ فِي الْحَجِّ}، [البقرة:197].
ودعا زمارة الحاج لأن يتقرب من ربه بالنوافل والقربات والطاعات، ويجتنب المعاصي والموبقات والذنوب صغيرها وكبيرها، ناصحا إياه: "دع عنك الدنيا وهمومها، وسافر بروحك للفردوس، وحلق بقلبك في السماء، واجعل لنفسك بقرب ربك مكانا، وأكثر من الدعاء والذكر والتضرع لله سبحانه وتعالى؛ لأنك في ذاك المكان والزمان في موضع يحبه الله بل ويتجلى الله على خلقه، يغفر لهم ويباهي بهم ملائكته: ((انظروا لعبادي هؤلاء جاؤوني شعثاً غبراً..))، رواه ابن حبان.
ونصح الحاج بالحرص على اتباع هدي النبي محمد صلى الله عليه وسلم، والاستماع لإرشادات الوعاظ والمرشدين، وأن يتبع التعليمات الصادرة من جهات الاختصاص؛ لأنه بذلك يكون عوناً في نجاح الموسم بأكمله.