لا يمكن اعتبار حالة التشدد الفكري التي امتدت لسنوات ظاهرة مستمرة منظمة في #غزة، في ظل سخط مجتمعي غزي يرغب في الوسطية الدينية، ويبحث عن التركيز في معركته الأهم مع الاحتلال الصهيوني لا معارك جانبية طائفية، فالحديث تماماً عن الفكر المتشدد هناك يشبه الحديث عن الشيعة في غزة، الذين لا وجود لهم في مفهوم الظاهرة الاجتماعية، وقد لعبت عوامل مختلفة في إظهار النتوءات المتشددة هناك أهمها:
1- الانفتاح التكنولوجي أدى لانتشار فيديوهات #التطرف وفكرة الجهاد الأعمى جعل من السهولة ترويج الأفكار المتشددة في ظل انتشار القتال في الوسط المحيط، وأدى لارتباط الشباب فكرياً لا تنظيمياً بالتشدد.
2- حالة الفراغ الكبير التي يعيشها الشباب في غزة نتيجة الأوضاع الاقتصادية والسياسية الصعبة مما دفعهم للتطرف للخروج من الأزمة بأزمة أكثر تعقيداً.
3- المناهج التي تدرس للشباب خصوصاً بعض الكتب المتشددة التي تدعو إلى العزلة عن المجتمع، والتكفير أو التخوين وعدم المعرفة الكافية في فقه الجهاد، ولم يتم تحديثها أو تفسيرها وفق مقتضيات العصر الجديد، ووفق رؤية الاجتهاد المقاصدي، فبقيت مخزوناً أيديولوجياً أدت للتطرف.
من عوامل ظهور التشدد في غزة حالة الفراغ الكبير التي يعيشها الشباب نتيجة الأوضاع الاقتصادية والسياسية الصعبة مما دفعهم للتطرف للخروج من الأزمة بأزمة أكثر تعقيداً
4- غياب القدوة وانعزال النخبة أو تركيزها على الحديث في جوانب بعيدة عن تقديم نموذج اقتداء جيد للشباب في مقتبل العمر، ووقوع القدوة في مظاهر فساد مخالفة لما كانت تنادي عليه قبل تسلمها لكثير من المناصب.
5- ولّدت المناهج والكتب التي درسها الشباب نوعاً من "اليوتوبيا" أو المثالية البعيدة كل البعد عن الواقع، وقراءة خاطئة في صراع الحق والباطل، مبنية على أحادية المنهج، وفقه الولاء والبراء في كل شيء، وحين تلقن الشباب نظرياً كل ما هو مثالي في الكتب تفاجؤوا بالواقع المعاكس، فأصبحوا ينادون باليوتوبيا غير ممكنة التحقيق واقعياً.
بعد انتهاء أحداث مسجد ابن تيمية في عام 2008 كان غالبية الشباب من أتباع الفكر المتطرف هم من الصغار في السن، وقد قابلت عدد منهم كانوا جيراناً لنا لم تتجاوز أعمارهم 19 عاماً، ووجدت عندهم فراغاً ذهنياً ودينياً، ليس فقط انحرافاً فكرياً بل انعداماً للعقل وانسياقاً للعاطفة، وذهولاً عن الواقع!
وقد لعبت فكرة إعادة تأهيلهم في المجتمع ومحاورتهم فكرياً دوراً محورياً في تغيير فكرهم نحو الصواب، وأذكر أن منهم عاق لوالديه ومطرود من البيت، ويدافع عن أفكار غريبة عن المجتمع ويكفر الجميع بما فيهم أهله، ويعتمد على كتب ونصوص دينية دون تفسيرها أو الوقوف عليها، بل أخذها جامدة والاتصال والانتساب لها كما هي، وهنا نرصد تداعيات الفكر المنحرف في غزة.
1- لا يمكن اعتبار الفكر المتطرف في غزة ظاهرة، نتيجة كونها غريبة عن عادات وتقاليد المجتمع، ولكن من الممكن في ظل الأحداث الدائرة في سيناء أن تستمر الحالات الفردية.
من الممكن في ظل الأحداث الدائرة في سيناء أن تستمر الحالات الفردية للتطرف، لكن لا يمكن اعتبارها ظاهرة، لأنها غريب عن عادات وتقاليد المجتمع الغزي
2- هناك أجهزة استخبارات عالمية مختلفة تتواجد في غزة، وكثير من أصحاب الفكر المنحرف ارتبطوا بالموساد الصهيوني دون درايتهم بالأمر، على اعتبار أن من نظمهم عن طريق الإنترنت هم من تنظيم الدولة ليتفاجؤوا أن المسؤول هو ضابط في المخابرات، ولا أستبعد أن تبذل المخابرات العالمية خصوصاً الصهيونية دوراً أكبر لتغذية الصراع ومد أصحاب الفكر المتطرف بالمال والسلاح للقيام ببعض العمليات الفردية تجاه غزة.
3- أيضاً لعبت المخابرات دوراً كبيراً لإقحام عناصر حماس المقاتلين في الصراع الدائر في سيناء جنوب رفح، وقد يتطور الأمر مستقبلاً في حالة إحداث الفراغ الأمني والسياسي، ولربما الكثير من الأسباب تدفع لنشوء الصراع بين الطرفين أهمها يد الموساد الطويلة في سيناء، لذلك قد تشهد الأيام بعض العمليات الفردية.
4- هناك غياب واضح للوعي قد ينمي حالة الفكر المتشدد، وغياب للقدوة، مع وجود بعض القيادات أو الشخصيات التي تغذي الأفكار المتشددة في غزة، لتلقى مبرراً للشباب نحو الانحراف الفكري.
5- استمرار حالة الفراغ وسوء الأوضاع الاقتصادية والسياسية يعتبر طريقاً سهلاً للفكر المتطرف للخلاص منها بالبحث عن الموت والتشبت بالقتال في أي مكان مقابل التخلص من الفراغ الحاصل.
كثيرة هي خطوات المعالجة للفكر المنحرف في غزة والمطلوبة بشكل عاجل أهمها:
1- تعامل المسؤولين في غزة مع أصحاب الفكر المنحرف كان جيداً في البداية بعد أحداث مختلفة، ولكن اليوم تراجع منطق الحوار والتفاهم ومحاولة تعديل أفكارهم المتطرفة جذرياً، ولا يمكن أن تمتد هذه الظاهرة إذ إنها على منطق "الذئاب المنفردة"، ولكن حتى لا نخسر المزيد من الشباب في وحل التطرف علينا تكثيف معالجتهم بالحجة والإقناع والحوار معهم.
2- تكثيف الندوات الحوارية واللقاءات الشبابية والتركيز على مناقشة أضرار الفكر المتطرف، والاستماع لرأي الشباب وترك المجال لهم للتعبير عن آرائهم حتى لا تبقى محبوسة وتنفجر نحو التطرف، كما من الضروري تكثيف الأنشطة الاجتماعية والترفيهية والبحث في أعماق الكتب المطروحة للشباب ومحاربة المتطرف منها، وعقد المزيد من اللقاءات للشباب بشكل عام، وتكثيف العمل الإعلامي ضد ظاهرة التطرف في غزة.
لابد من تكثيف الندوات الحوارية واللقاءات الشبابية، والاستماع لرأي الشباب وترك المجال لهم للتعبير عن آرائهم حتى لا تبقى محبوسة وتنفجر نحو التطرف
3- معالجة الظاهرة من ناحية اجتماعية مهم للغاية، فهي غير مقبولة اجتماعياً وعليه فإن الوعي المتحصل للشباب عن أضرارها مهم جداً، وإعادة تأهيل الأمهات والنساء داخل البيوت للتعامل فوراً مع ظهور الفكر المتشدد في البيت.
4- العمل على إقامة مبادرات تنموية شبابية تهدف لإنشاء مشاريع صغيرة تدمج الشباب في المجتمع لضبط وتقليل حالة الفراغ الحاصلة والتي تدفعهم للتطرف.
5- إتاحة فرصة أكبر لاستيعاب الشباب المتحمس للجهاد في صفوف المقاومة، وتقديم الدورات التأهيلية والتنشئة السياسية الدينية المنفتحة لهم بشكل مستمر لضمان عدم انحرافهم فكرياً خصوصاً وهم في ظروف تفرض عليهم القتال لمواجهة الاحتلال.
6- تكثيف الدور الإعلامي لزيادة الوعي المجتمعي بخطورة التطرف على الأهل والعائلة والمجتمع، وتقديم نماذج سابقة من المتطرفين المرتبطين بأجهزة الموساد الصهيوني دون علمهم لكي يستفيد الشباب من هذه التجربة.
في ظل الأزمات العالمية الحاصلة وأهمها الفقر والبطالة ظهر التطرف والإرهاب بشكل واضح في عديد الدول، ومع غياب دور المؤسسات الدينية الإسلامية في توعية الشباب وتقديم نظرة أكثر شمولية للواقع، وانحسار دورها في الحديث عن مواضيع بعيدة عن فهم الواقع السياسي، لا يمكن أن تنتهى الظاهرة في عالمنا العربي والإسلامي بسهولة، إذ تبقى التنمية الاقتصادية ومحاربة الفساد والاستبداد هي البوابة الأكبر والأهم لمحاربة التطرف، وعلينا التفكير في معالجة أسباب مشكلة التطرف لا في معالجة المشكلة مؤقتاً.