نهى الله سبحانه وتعإلى عن الغش، والربا، والربح الحرام، سواء كان هذا الربح محرماً لدخول الربا فيه، أو أنه تكوّن عن طريق بيع المحرمات أو أي شكل من أشكال الكسب غير المشروع.
وبحسب دراسة جديدة توصّل إليها عدد من العلماء، فإن #الأموال التي تُربح بطرق غير مشروعة، تكون أقل إرضاء، وهو ما يفسّر سبب نفور معظمنا من استغلال الآخرين لكسب المال.
واكتشف العلماء حسب الدراسة التي أشرفت عليها عالمة الأعصاب في كلية لندن الجامعية مولي كروكيت منطقة في الدماغ تجعل المرء يشعر بعدم الارتياح أو السعادة مع المال الحرام.
التوبة أو العذاب
لكن في المقابل، فإن باب #التوبة لمن يعترفون بذنوبهم ويتراجعون عنها مفتوح حتى طلوع الشمس من مغربها، ففي صحيح مسلم عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من تاب قبل أن تطلع الشمس من مغربها، تاب الله عليه".
يقول الدكتور يونس الأسطل عضو رابطة علماء فلسطين لـ"بصائر": لو انغمس الفرد في التكسب بالمال الحرام ثم أراد أن يتوب، فعليه أن يتعامل مع أصل المال والربح الناتج عن استثماره وفقاً لما يقرره الشرع.
وأضاف: لابد أن يلتزم الفرد بكل شروط التوبة المتمثلة في التوقف عن الذنب والعزم على عدم العودة إليه والندم على ما صدر منه.
وأشار إلى أن التوبة واجبة، وعلى الإنسان أن يترك كل ما حرم الله، خاصة فيما يتعلق بالأموال، لأن الله توعد من يأكل المال #الحرام بالعذاب الأليم مستدلاً بقوله عزّ وجل: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلماً إنما يأكلون في بطونهم ناراً وسيصلون سعيراً} [النساء:10]. وجاء عن النبي أنه قال: "كل لحم نبت من سحت فالنار أولى به" (رواه أحمد).
وأشار إلى أن الشخص يُسأل عن علمه وعمره وجسده مرة واحدة، بينما يُسأل عن ماله مرتين، مرة عن مصدره، ومرة عن طريقة إنفاقه، كما في الحديث الشريف: "لا تزولُ قَدَمَا عبدٍ يومَ القيامةِ حتَّى يُسألَ عن أربعٍ عَن عُمُرِه فيما أفناهُ وعن جسدِهِ فيما أبلاهُ وعن عِلمِهِ ماذا عَمِلَ فيهِ وعن مالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وفيما أنفقَهُ" (رواه الترمذي وصححه).
لا يصح الانتفاع به
من جهته قال الأستاذ المساعد في كلية الشريعة والقانون بالجامعة الإسلامية في غزة، الدكتور عاطف أبو هربيد: إذا كان تحريم المال يعود إلى أنه من أشخاص آخرين واستولى عليه الفرد بطريقة غير مشروعة، فمن لوازم التوبة أن يرد الحقوق لأصحابها، وإن لم يردّ هذا الحق في الدنيا يُؤخَذ منه في الآخرة.
ويضيف لـ"بصائر": لو كان المال ناتجاً عن تجارة المحرمات، فعلى صاحبه أن يتخلص منه، وأن يبتعد عن الأكل منه هو ومن يعيل، ولا يكون التخلص من المال بالتصدق به أو استخدامه في أعمال خير كبناء مسجد؛ وذلك لأن الله طيب لا يقبل إلا الطيب، وإنما يمكن توجيه المال نحو أعمال تخدم المجتمع كبناء الجسور او المنشآت مثلاً.
وتابع: أما إذا كان أصل المال حراماً، وتم استثماره في أمور جائزة، وتولّدت عنه أرباح، فيمكن لمن شغّل المال أن يقدّر ما يستحقه نظير الجهد في العمل، لأنه إن كان موظفاً لاستحق أجرة، وهذا القدر فقط هو ما يكون جائزاً له، بحسب أبو هربيد.
ولفت إلى أنه طالما كان أصل المال حراماً، فالربح الناتج عنه لا يُعدّ ملكاً للشخص، ولذا هو لا يأخذ قدراً من المال على اعتبار أنها أرباح، وإنما يكتفي بما يُقابل جهده.
ويشير أبو هربيد إلى أنه لو اختلط المال الحلال بالمال الحرام، فعلى الشخص أن يتحرى في التفريق بينهما، فيأخذ الحلال ويترك سواه.
صور المال الحرام
واستعرض أبو هربيد صوراً وأشكالاً للمال الحرام، مشيراً إلى أن جميعها تحايل على أمر الله ورسوله عليه الصلاة والسلام. ومن هذه الصور:
1-الرشوه، ومنها الراشي والمرتشي والوسيط فيها.
2-الربا وما يكسبه المرء من هذا المال، فمن اكتسب مالاً من الربا فقد حارب الله ورسوله.
3-تجارة الكلاب فثمنها حرام أكله.
4-اكتساب المال بالسرقة أو السطو وغيرها.
6-الخمر ومن يبيعها ومن يصنعها ومن يحملها ومن يشتريها، حتى تصل إلى شاربها. حتى أن كل من اكتسب مالاً من قطف العنب – على سبيل المثال- وهو يعلم أنه للخمر يعتبر مالاً حراماً.
7-الاختلاس وما شابهه.
8-الانتفاع من الوظيفة بالمال أو الهدايا أو سائر تلك الأشياء التي تكثر بين الموظفين.
9-الاكتساب من مال الزنا، كأن يطلب رجلاً من إمرأة البغاء لفلان ويربح من ورائها المال كله.
10-التحايل لاكتساب المال أو التهديد أو الابتزاز أو سائر هذه الأشكال التي تفشت في مجتمعنا.
التخلص من المال الحرام
من جهته قال الدكتور زهدي أبو نعمة الأستاذ المساعد بكلية أصول الدين بالجامعة الإسلامية في غزة: من اكتسب مالاً بطريق محرم، كالرشوة والكهانة وشهادة الزور ونحو ذلك من الأعمال المحرمة، ثم تاب إلى الله تعالى وندم على ما فعل، فإن كان قد أنفق المال، فلا شيء عليه، وإن كان المال في يده، فيلزمه التخلص منه بإنفاقه في وجه الخير، وإذا كان محتاجاً فإنه يأخذ منه قدر الحاجة، ويتخلص من الباقي.
واستدل أبو نعمة بقول ابن القيم رحمه الله: إذا عاوض غيره معاوضة محرمة وقبض العوض، كالزانية والمغني وبائع الخمر وشاهد الزور ونحوهم ثم تاب والعوض بيده. فقالت طائفة: يرده إلى مالكه؛ إذ هو عين ماله ولم يقبضه بإذن الشارع ولا حصل لربه في مقابلته نفع مباح.
وقالت طائفة: بل توبته بالتصدق به ولا يدفعه إلى من أخذه منه، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وهو أصوب القولين...".
وحول كيفية التخلص من المال الحرام أشار إلى عدة مجالات من بينها: تقديم المساعدات العلمية والفنية للدول الإسلامية الفقيرة، ودعم المؤسسات التعليمية والاجتماعية الإسلامية، إلى جانب مساعدة المهجرين والمشردين من فقراء المسلمين، ورعاية وكفالة اليتامى الفقراء ومن في حكمهم، وتشييد المرافق ذات المصلحة العامة للناس، ودعم المراكز والمؤسسات الطبية الخيرية ذات الاهتمام بالفقراء.
وقال: لا يجوز إنفاق المال المكتسب من حرام في مجال تعمير المساجد أو شراء المصاحف والنذور والكفارات والهدي والأضحيات وما في حكم ذلك من مجالات العبادة الخالصة؛ لأن الله طيب لا يقبل إلا طيباً.
أضرار وآثار
وأشار أبو نعمة إلى أن من أضرار المال الحرام وآثاره على الأبناء والسلوك أن نطفة الحرام أرض صلبة لتعاسة الذرية، قال تعالى: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إلى طَعَامِهِ} [عبس:24]، موضحا أن للغذاء الحرام تأثيراً بالغاً على مستقبل الطفل قبل انعقاد نطفته، فاذا انعقدت النطفة من الحرام سيكون ذلك بمثابة الأرض الصلبة لتعاسة الطفل وشقائه.
ولفت إلى أن المال الحرام يورث ظلمة القلب، مستدلا بقوله تعالى: ﴿كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ [القيامة:14]، فالقلب اذا امتلأ بالحرام، انغلق عن المعنويات، وأوصدت نوافذ الهداية فيه، فالابتعاد عن الحق وهجران الإنسان لبارئه واقترافه المعاصي والتعدي على حقوق الناس، مقدمة طبيعية تقود إلى ظلمة القلب.
بالإضافة إلى التخبط في السلوك، حيث يشبّه القرآن الكريم، آكلي المال المحرم عن طريق الربا بأنهم متخبطون قال تعالى: {الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة:275].
الحاجة والضرورة
ورداً على سؤال هل تبيح الضرورة والحاجة التكسب من المال الحرام أو القرض الربوي، أجاب أبو نعمة أن الواجب الأول على كل مضطر ومكروب هو صدق اللجوء إلى الله تعالى فهو أعظم مقام يقومه العبد في بلواه وكربه، قال الله تعالى: {وَبَلَوْنَاهُمْ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} [الأعراف:168].
وأضاف أن الله تعالى أثنى على نفسه بتفريج كرب المضطر فقال: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ} [النمل:62].
وردا على السؤال قال: بعض أهل العلم ذهبوا إلى أن مثل هذا التعامل جائز، في حالة الضرورة؛ وحال الضرورة هي الحال التي يخاف معها على المكلف من الهلاك، أو ضرر شديد، أو تلحقه مشقة لا يمكنه احتمالها.
وأضاف: الضرورة تعني بلوغه حدّاً إن لم يتناول الممنوع هلك، أو قارب؛ كالمضطر للأكل واللبس، بحيث لو بقي جائعاً أو عرياناً لمات، أو تلف منه عضو، وهذا يبيح تناول المحرم.
والحاجة: كالجائع الذي لو لم يجد ما يأكل لم يهلك، غير أنه يكون في جهد ومشقة، وهذا لا يبيح المحرَّم.