عرفت جرائم الكراهية ضد المسلمين في الأشهر الأخيرة تصاعدًا على المستويَيْن النوعي والعددي، وشمل هذا التصعيد أنواعًا من الجرائم الجنائية التي لم تكن شائعة في السنوات التي سبقت العام 2015م.
وشملت هذه النوعية من الجرائم الجنائية حالات حرق لمساجد، كما تم في السويد، وفي بعض الولايات الأمريكية التي يمكن وصفها بأنها الأرضية الأساسية لتيار اليمين المتطرف في الولايات المتحدة.
وفي لندن، عرفت جرائم "#الإسلاموفوبيا" تطورًا بالغ الخطورة في الحادي والعشرين من يونيو الماضي. عندما قام جون توملين، الذي يبلغ من العمر 24 عامًا، بإلقاء حمض حارق على اثنين من المسلمين، وهما جميل مختار، وابنة عمه ريشام خان، أثناء انتظارهما بسيارتهما عند احدى إشارات المرور في العاصمة البريطانية، مما أدى الى تشوه وجه ريشام بالكامل، بينما دخل مختار في غيبوبة.
وقبل ذلك بيومين، عرفت شوارع لندن، واقعة أخرى في التاسع عشر من يونيو، عندما قُتل مسلم وأُصيب 10 آخرون، في حادثة دهس قرب مسجد "فينزبري" في شمال لندن.
وفي نيويورك، وفي الثاني عشر من أبريل الماضي، عثرت شرطة ولاية نيويورك على جثة شيلا عبد السلام البالغة من العمر 64 عامًا، غارقةً في نهر هدسون، وهي من أصول أفريقية، وتُعتبر أول مسلمة تعمل كقاضية في الولاية.
وبالتأمل في الإحصائيات الواردة في هذا المجال، سوف نجد أننا أمام صورة مختلفة حتى عن الفترة التي تلت أعمال العنف التي شهدتها فرنسا في العام 2015م، وشملت هجمات صحيفة "شارل إيبدو"، ومسرح الباتاكلان، وغيرها.
بالتأمل في الإحصائيات الواردة في هذا المجال، سوف نجد أننا أمام صورة مختلفة حتى عن الفترة التي تلت أعمال العنف التي شهدتها فرنسا في العام 2015م، وشملت هجمات صحيفة "شارل إيبدو"، ومسرح الباتاكلان، وغيرها
ففي يوليو ذكرت صحيفة "بيلد" الألمانية أن هناك 54 حادثة تقع تحت بند "الإسلاموفوبيا"، سُجِّلت يوميًّا في يوليو، مقابل متوسط يومي 38 حادثة ضد المسلمين في ألمانيا منذ بداية العام 2017م.
أما صحيفة الجارديان البريطانية، فقد أشارت إلى أن هذه النوعية من الهجمات التي تستهدف المسلمين، تضاعفت حوالي خمس مرات منذ هجوم مانشستر الذي وقع في الثاني والعشرين من مايو الماضي؛ ارتفعت الحوادث العنصرية الموجهة ضد المسلمين بنسبة أربعين بالمائة عن مستوياتها في مطلع 2017م.
وبحسب إحصائيات رسمية للشرطة البريطانية؛ فقد وصل عدد الهجمات التي استهدفت المسلمين إلى 20 جريمة يوميًّا، ارتفاعًا من متوسط 4 جرائم منذ بداية 2017م.
والأسوأ من ذلك، جاء في تقرير لمركز بريطاني يُدعى "تيل ماما" أو "أخبر ماما" Tell Mama، وهو مركز أبحاث غير حكومي، أشار إلى أنه بالرغم من أن هذه الأرقام تُعد كبيرة؛ إلا أن هناك عددًا "هائلاً" –بحسب تقرير للمركز– من جرائم "الإسلاموفوبيا"، لا يتم الإبلاغ عنها.
ووفق أرقام هذا المركز؛ فإن جرائم "الإسلاموفوبيا" التي يتم الإبلاغ عنها وصلت إلى 63 هجومًا بعد هجوم جسر لندن، في مطلع يونيو الماضي، وهو ما يزيد بكثير على المتوسطات التي تعلنها الشرطة البريطانية كما تقدَّم.
وعبر الأطلنطي؛ نشر مجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية (كير)، تقريرًا قبل بضعة أسابيع حول ما أطلق عليه "الحوادث المعادية للمسلمين في الولايات المتحدة" للربع الثاني من العام الجاري، وقال إن جرائم "الإسلاموفوبيا" شهدت زيادة بنسبة 91 بالمائة، أي حوالي الضعف، في الفترة بين شهرَيْن أبريل ويونيو من العام الجاري، مقارنة مع نفس الفترة من العام 2016م الماضي.
وبحسب التقرير؛ فإن إجمالي نسبة الزيادة في حوادث "الإسلاموفوبيا" بين يناير ويونيو 2017م، بلغت 24 بالمائة، وأن الحوادث التي وقعت في النصف الأول من 2017م، أكثر من الحوادث التي وقعت في أي عام مضى بالكامل منذ بَدء المجلس في نشاطه التوثيقي هذا في العام 2013م.
لا تعتبر هذه الإحصائيات والتفاصيل من نافلة القول؛ حيث إنها صلب ما نريد إرساله من رسائل في هذا الموضع، وهي –أي هذه الرسائل– تتعلق بأن ما كان عبارة عن حوادث عنصرية مثل جذب حجاب السيدات المسلمات، أو فصلهن من وظائفهن، أو كتابة عبارات عنصرية على بعض المساجد، تحول إلى جرائم قتل صريحة تستهدف –كما تقول التحقيقات التي أُجريت– إلى اجتثاث الوجود الإسلامي من هذه المجتمعات.
ما كان عبارة عن حوادث عنصرية مثل جذب حجاب السيدات المسلمات، أو فصلهن من وظائفهن، أو كتابة عبارات عنصرية على بعض المساجد، تحول إلى جرائم قتل صريحة تستهدف إلى اجتثاث الوجود الإسلامي من هذه المجتمعات
بعد حادث "شارلي إيبدو"، في يناير من العام 2015م، تكلمنا في موضع سابق عما جرى في أعقاب هذا الحادث، من جرائم عنصرية ضد المسلمين، وضد المهاجرين في #أوروبا بشكل عام، وقلنا إنه سوف يكون مفتتحًا للطرد الثاني للمسلمين في أوروبا، بعد أكثر من ستة قرون من الطرد الأول، بعد كارثة ضياع الأندلس، التي تمت في منتهى القرن الخامس عشر الميلادي.
ويبدو أن المسلمين في قلب الموجة الثانية من عمليات الاستهداف، فيما لا يبدو أن المؤسسات والحركات الإسلامية المعنية، ربما باستثناء بعض المظلات التابعة للإخوان المسلمين في أوروبا وأمريكا الشمالية؛ تدرك أبعاد الموقف، أو أنها تدرك، ولكنها غير قادرة على الفعل.
أما المؤسسات الفاعلة والموجودة على أرض المعركة –وهي معركة بكل المعاني؛ حيث فيها قتل وحرق ودهس– فإنها، وبسبب ظروف ما يعرف بالحرب على الإرهاب، والصراع القائم بين الأنظمة الحاكمة وجماعات الإسلام السياسي في العالم العربي؛ تعاني الكثير من القيود، بعد الكثير من الاختراقات التي حققتها هذه الأنظمة مع حكومات البلدان المستضيفة للمسلمين، مما أدى إلى حظر بعض الجمعيات الإسلامية، كما حدث في سويسرا وهولندا وبلجيكا ودول أخرى.
بل وفي بعض الأحوال، تم فرض قيود على حركة مسئولي حكومات تدعم هذه الجماعات، كما يحدث مع المسؤولين الأتراك في دول وسط وغرب أوروبا.
في مقابل ذلك، فإن المؤسسات الإسلامية الكبرى مثل الأزهر الشريف ومنظمة التعاون الإسلامي، إنما هي رهينة في قبضة الأنظمة والحكومات.
يبقى أن الأمر يتعلق بضرورة قيام مسلمي هذه البلدان بمبادرات فردية، تتضمن تنشيط الجانب الإعلامي والقانوني فيما يتعلق بالانتهاكات التي يتعرضون لها، والسعي إلى إجبار حكومات هذه البلدان على حمايتهم، في ظل كون غالبية منهم من مواطنيها، وبالتالي؛ فإن لهم الحق في الحصول على الحماية القانونية والسياسية، ومخاطبة الرأي العام حول ما يجري من أحداث.
على مسلمي هذه البلدان القيام بمبادرات فردية، تتضمن تنشيط الجانب الإعلامي والقانوني فيما يتعلق بالانتهاكات التي يتعرضون لها، والسعي إلى إجبار حكومات هذه البلدان على حمايتهم، في ظل كون غالبية منهم من مواطنيها
فمن خلال بعض الوقائع التي جرت في بريطانيا على وجه الخصوص؛ فإن هناك اختلافاً كبيراً للغاية –بشهادات مسلمين هناك– في تعامل الشرطة والسلطات الحاكمة مع جرائم الإرهاب التي تستهدف المواطنين البريطانيين، وتلك التي تستهدف المسلمين، بل إن الجرائم التي تستهدف المسلمين لا يتم تصنيفها كجرائم إرهاب، وإنما جرائم عنصرية فقط، وهذه عقوبتها بطبيعة الحال أقل بكثير من سابقتها.
الأهم من ذلك، هو ضرورة أن يعمل الصف المسلم في هذه المجتمعات على النأي بنفسه عن أية مشكلات سياسية أو تنظيمات هدامة أو إرهابية، لأن واقعة واحدة يتورط فيها مسلمون مع بعض؛ تضيع جهد سنوات طويلة من العمل الإسلامي في هذه المجتمعات التي هي بطبيعتها لأسباب دينية وسياسية تكِن الكثير من الريبة، بل والكراهية العلنية.