حتى تكون إيجابياً مع ذاتك

الرئيسية » بصائر تربوية » حتى تكون إيجابياً مع ذاتك
Smile! It's Contagious.

الإيجابية هي الطاقة التي تشحذ الهمة، وتذكي الطموح، وبالتالي تدفع إلى البذل والعمل للدين والدنيا معاً واستثمار الواقع.

و#الإيجابية إرادة داخلية ووازع ذاتي قد يقل وقد يزيد حسب الإيمان داخل الفرد وعقيدته، وبقدر الإيمان يكون العمل بها، وبقدر رسوخ العقيدة داخل القلب تكون إيجابية المؤمن، وينبهنا الله عز وجل إلى أن هذا التغيير الإيجابي هو مسؤولية الفرد لا غيره.

يقول الله عز وجل: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [سورة الرعد: 11]، و يقول سيد قطب رحمه الله في تفسير هذه الآية: "فإنه لا يغير نعمة أو بؤس، ولا يغير عزاً أو ذلة، ولا يغير مكانة أو مهانة... إلا أن يغير الناس من مشاعرهم وأعمالهم وواقع حياتهم، فيغير الله ما بهم وفق ما صارت إليه نفوسهم وأعمالهم ". (في ظلال القرآن 4/ 2042).

فالذات مكرمة من الله عز وجل؛ بأن جعلها أهلاً لتحمل التكليف وتحمل مسؤولية إسعاد الإنسان أو إتعاسه، وتحمل مسؤولية الاختيار في الخلود في الجنة أو النار، وتحمل مسؤولية الرضوخ للواقع أو السعي إلى تغييره عبر تغيير النفس ذاتها.

الذات مكرمة من الله عز وجل؛ بأن جعلها أهلاً لتحمل التكليف وتحمل مسؤولية إسعاد الإنسان أو إتعاسه، وتحمل مسؤولية الاختيار في الخلود في الجنة أو النار، وتحمل مسؤولية الرضوخ للواقع أو السعي إلى تغييره عبر تغيير النفس ذاتها

وبهذا تكون الذات للإنسان في كل الحالات هي رأس ماله الذي ينفق منه سواء في الخير أو الشر، وهو في كل الحالات كذلك يعمل وينتظر النتيجة والمكافأة والجزاء على ما قدَّم.

وفي تلك الآية السابقة يوجهنا المولى تبارك وتعالى إلى الطريق الصحيح للتغيير، إذا شق علينا الأمر أو إذا اختلت الموازين وأصبح الباطل حقا والحق باطلا.

إذا حدث شيء من هذا القبيل فيوجهنا الله تبارك وتعالى إلى الحل و إلى الطريق الصحيح وهو: {إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم} [سورة الرعد: 11].

خطوات نحو الإيجابية

اتفق أهل الاختصاص على أن التفكير المركز والاستغراق في أمر ما هو أحد القوانين الرئيسة في توجيه حياة الإنسان، سواء سلبيا أو إيجابيا. يقول "برايان تريسي" في كتابه "علم نفس النجاح" ص 27: "إن ما نفكر فيه تفكيراً مركزاً في عقلنا الواعي ينغرس ويندمج في خبرتنا" ويقول في "غير تفكيرك غير حياتك": "أيا كان ما تعتقده فسيتحول إلى حقيقة عندما تمنحه مشاعرك وكلما اشتدت قوة اعتقادك، وارتفعت العاطفة التي تضيفها إليه تعاظم بذلك تأثير اعتقادك على سلوكك وعلى كل شيء يحدث لك... يظل الأشخاص الناجحون والسعداء محتفظين على الدوام باتجاه نفسي من التوقع الذاتي الايجابي".

والصورة عند المسلم أوضح من كل تلك الكلمات فيقول الله عز وجل على لسان نبيه في الحديث القدسي، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم- "يقول الله تعالى: أنا عند ظن عبدي بي، وأنا معه إذا ذكرني، فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي، وإن ذكرني في ملأ، ذكرته في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليّ بشبر تقربت إليه ذراعًا، وإن تقرّب إليّ ذراعًا تقربت إليه باعًا، وإن أتاني يمشي أتيته هرولة ". (البخاري ومسلم).

قال ابن حجر: "أي قادر على أن أعمل به ما ظن أني عامل به " (فتح الباري).

فمن هنا ينبغي على المسلم أن يطور في ذاته قانون التوقع الإيجابي للأمور، وأن يحسن ظنه بربه حتى ولو كانت الظروف المحيطة به في غاية الصعوبة.

ينبغي على المسلم أن يطور في ذاته قانون التوقع الإيجابي للأمور، وأن يحسن ظنه بربه حتى ولو كانت الظروف المحيطة به في غاية الصعوبة

فانظر إلى قمة حسن الظن بالله و التوقع الإيجابي لما سيحصل في المستقبل في قوله صلى الله عليه وسلم:"بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم"، (رواه البخاري ومسلم).

مع شدة الهم والوحدة، والغربة الإيمانية، مطارداً من أهل الشر، ومن شدة هذا الهم فقد مشى النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من ستين كيلو مترا، ولم يشعر بنفسه، فلم يكن همه وكربته من أجل ما وقع له شخصياً، ولكن لما رفضه الجهال من خير وفلاح لهم في الدارين، ومع كل تلك المعاناة استخدم النبي صلى الله عليه وسلم التوقع الإيجابي؛ ليعلم أمته كيف يفكرون، وكيف يفعلون إذا حدث لهم شيء مما قد يكدر صفو حياتهم في أمور دينهم أو دنياهم.

وفي غزوة الأحزاب لنا في رسول الله صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة، حين لم يكن المسلم قادرا على الذهاب للخلاء بمفرده، يقول لهم رسول الله صلي الله عليه وسلم أثناء حفر الخندق: "اللَّهُ أَكْبَرُ أُعْطِيت مَفَاتِيحَ الشَّامِ، اللَّهُ أَكْبَرُ، أُعْطِيت مَفَاتِيحَ فَارِسٍ". (رواه أحمد والنسائي).

إذا ضاقت تحت أقدامكم الأرض على سعتها فتوجهوا بالنظر إلى السماء على ارتفاعها

وحتى تكون إيجابياً، أقترح عليك القيام بثلاثة أمور:

1 - لتكن رسائلك لنفسك إيجابية

إن معظم الناس تبرمجوا منذ الصغر على أن يتصرفوا أو يتكلموا أو يعتقدوا بطريقة معينة سلبية، وتكبر معهم حتى يصبحوا سجناء ما يسمى "بالبرمجة السلبية " التي تحد من حصولهم على أشياء كثيرة في هذه الحياة.

فنجد أن كثيرا منهم يقول أنا ضعيف الشخصية، أنا لا أستطيع الامتناع عن هذه العادة السيئة، أنا ضعيف في كذا، أنا....

ونجد أنهم اكتسبوا هذه السلبية إما من الأسرة أو من المدرسة أومن الأصحاب أو من هؤلاء جميعاً.

ولكن هل يمكن تغيير هذه البرمجة السلبية وتحويلها إلى برمجة إيجابية ؟ الإجابة: نعم.

وقبل البدء في تغيير البرمجة السلبية لا بد أن نتفق على أمور، وهي:

- لابد أن تقرر في قرارة نفسك أنك تريد التغير، فقرارك هذا هو الذي سوف ينير لك الطريق إلى التحول من السلبية إلى الإيجابية.

- تكرار الأفعال والأقوال التي سوف تتعرف عليها، وتجعلها جزءاَ من حياتك. يقول أحد علماء الهندسة النفسية: "في استطاعتنا في كل لحظة تغيير ماضينا ومستقبلنا وذلك بإعادة برمجة حاضرنا".

- من هذه اللحظة لابد أن نراقب وننتبه إلى النداءات الداخلية التي تحدث بها نفسك.

قد تحدث "الدكتور إبراهيم الفقي" في كتابه "قوة التحكم في الذات" عن القواعد والبرنامج العملية للبرمجة الإيجابية للذات، فقال:
"والآن إليك القواعد الخمس لبرمجة عقلك الباطن:
1- يجب أن تكون رسالتك واضحة ومحددة.
2- يجب أن تكون رسالتك إيجابية (مثل أنا قوي. أنا سليم أنا أستطيع الامتناع عن… )
3- يجب أن تدل رسالتك على الوقت الحاضر، (مثال: لا تقول أنا سوف أكون قويا، بل قل: أنا قوي).
4- يجب أن يصاحب رسالتك الإحساس القوي بمضمونها حتى يقبلها العقل الباطن ويبرمجها.
5- يجب أن تكرر الرسالة عدة مرات إلى أن تتبرمج تماما.

2 - واظب واستمر لآخر لحظة

يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري: "إن قامت الساعة وبيد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم حتى يغرسها فليفعل". والفسيلة: هي النخلة الصغيرة.

والوضع الطبيعي في هذه الحالة من وجهة نظر المستمع، أنه إذا قامت الساعة وفي يد أي أحد أي شيء يؤديه فليلقه وليسجد لله حتى يلقاه ساجدا، أليس هذا ما يتبادر إلى ذهن الناس عامة ؟ فما قيمة غرس الفسيلة والساعة قد قامت ولن يستفيد أي أحد من البشر بغرسها.

ولكن هذا ما يميز هذا الدين العظيم، إنه دين العمل والإنتاج، والبناء والإعمار، حتى عند قيام الساعة، وذلك تقديرا لقيمة الفعل ذاته.

ما يميز هذا الدين العظيم، إنه دين العمل والإنتاج، والبناء والإعمار، حتى عند قيام الساعة، وذلك تقديرا لقيمة الفعل ذاته

يقول "محمد قطب" معلقا على الحديث: "إنها دفعة عجيبة للعمل والاستمرار فيه والإصرار عليه، لا شيء على الإطلاق يمكن أن يمنع من العمل، كل المعوقات، كل المُيئسات، كل "المستحيلات "، كلها لا وزن لها ولا حساب، ولا تمنع عن العمل.

وبمثل هذه الروح الجبارة، تعمر الأرض حقاً، وتشيد فيها المدنيات والحضارات.

3 ـ احذر عدوك الداخلي

ومن أهم الأمور التي ينبغي على من يسلك طريق التفكير الإيجابي أن يخلي نفسه دائماً مما قد يعكر صفو تفكيره، ومن ثَم أفعاله التابعة لذلك التعكير.

"إن العدو الكبير للتفكير الإيجابي هو داخلك، وليس خارجك، ويتأتى من تغيير المزاج، فلا تدع حماسك يخفت ويذبل بسبب أن مشاعرك اليوم تختلف عما كانت عليه في المرة الأخيرة، لا تربط مزاجك المتأرجح بأهداف حياتك الإيجابية، وإلا فقد تشعر وكأنك أخفقت في حين لم تبدأ بعد" (كيف تكون إيجابيا د/ ريتشارد بيرلي).

وفي هذا المعنى يرشدنا النبي صلى الله عليه وسلم إلى المحافظة على القوة، والحرص على النافع، والاستعانة بالله وعدم العجز والتواني في طريق العمل الإيجابي، وتطوير الذات، فعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل لو أني فعلت كان كذا وكذا ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان ". (رواه مسلم)

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة مصرية، مهتمة بالشأن الإسلامي العام، حاصلة على بكالوريوس إعلام من جامعة القاهرة، وكاتبة في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية، لها العديد من المؤلفات المنشورة، مثل: المنهاج في الدروس المسجدية للنساء، معالم على طريق التمكين الحضاري، وأبجديات الثورة الحضارية وغيرها.

شاهد أيضاً

“بروباجندا” الشذوذ الجنسي في أفلام الأطفال، إلى أين؟!

كثيرًا ما نسمع مصطلح "بروباجاندا" بدون أن نمعن التفكير في معناه، أو كيف نتعرض له …