كف عن الطرق وادخل.. الباب مفتوح!

الرئيسية » خواطر تربوية » كف عن الطرق وادخل.. الباب مفتوح!
o-DOOR-OPENING-facebook

حتى متى نظل ننتظر هبوط لحظة الهداية وحلول الخلاص؟ متى نعي أن الحياة رحلة سير فعلي وليست محطة وصول، وأنها مجاهدة للاستقامة على المنهج وليست تخبط بحث عن منهج، وأن الهدى الذي نحتاجه حقاً بين أيدينا فعلًا؟!

يقول ربنا تبارك وتعالى: {فَخُذْ مَا آَتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الأعراف:144]. ما آتانا الله يكفي ويغني لو أننا نأخذ به ونشكر نعمته بالاشتغال بفهمه والعلم به. فمتى نجتهد في العمل بما علمنا على قلته فيورثنا الله علم ما لم نعلم على كثرته؟ متى نجِدّ فيما تبين لنا من هدى فيزيدنا الهادي هدى؟

ألا ترى إلى من تضرع لله باكياً: لئن دللتني يا رب على الطريق لأكونن من القانتين! فلما هداه ربه معالم للسير، لم يأخذها بقوة ويشرع في السير، بل عاد يتباكى مصراً على حيرته: "ربّ أَرِني بصائر تطمئنني"، فلما أراه بصائر تكفي بداية، عاد يتمنى: "ربّ لئن أرسلت لي موجها يأخذ بيدي.. فإني بعد محتار مذبذب!"، فلما آتاه الله معينا تحسّر: "رب لئن آتيتني مما آتيته همة".. وهكذا كلما آتاه الله مما سأل شيئا عاد يتمنى فوقه أشياء!

آفة النفس وهواها ليسا فقط الحيود عن الطريق والانحراف بعيدا عن الاستقامة، بل التكاسل عن السير، وافتعال العجز، واستعظام الخطوة، والركون للقعود بين الأماني. ولو أرادوا الخروج لأعدوا له عدة، لكن كلما قيل لهم اخرجوا.. اثاقلوا إلى الأرض.

آفة النفس وهواها ليسا فقط الحيود عن الطريق والانحراف بعيدا عن الاستقامة، بل التكاسل عن السير، وافتعال العجز، واستعظام الخطوة، والركون للقعود بين الأماني

فالمشكلة حقيقة ليست في في أي عجز فعلي. وإنما في:

  1. ضبابية الرؤية والتصوّر الجاد: من نكون، ومن نريد أن نكون؟
  2. وذبذبة العزائم: فيومًا نريد الله وأيامًا نتبع الهوى
  3. وسطحية العلم: فنحن نعرف ما يتوجب علينا العلم به ونهمله، وننفق في تعلم ما لا ينفع أكثر مما نصبر على ما نوقن أنه ينفع!
  4. وطول الأمل: فكل يوم غدًا وكل غد بعد غد.. وضاع العمر يا ولدي!
  5. وقِصَر النفَس: فننشغل بـ "متى أصل؟" عن: "ماذا يتوجب علي الآن؟"!

وبالتالي تتيه عنا الوجهة، وتتخبط الخُطى، فنَركَن للحيرة وانتظار الخوارق، ونغرق في بحور وهم التطلع لهَدْي أو انتظار فرج تنشق عنه السماء بغتة، وهو بين أيدينا.

إن الهداية التي تنشدها طولًا وعرضًا، هي دونك وبين يديك: أورادك التي تستصغرها فتهملها، وصلواتك التي تستثقلها أو تنقرها، وقرآنك الذي تمله ولا تصبر على نوره، وفجرك الذي تتكاسل عنه، ووالداك اللذان تتضجر منهما، وثغرتك التي تؤجل التنقيب عنها، وغيثك الذي تغفل أمانته!

إن الهداية التي تنشدها طولًا وعرضًا، هي دونك وبين يديك: أورادك التي تستصغرها فتهملها، وصلواتك التي تستثقلها أو تنقرها، وقرآنك الذي تمله ولا تصبر على نوره، وفجرك الذي تتكاسل عنه

والله الذي رفع السماء بلا عمد.. الهداية بين يديك وسبلها مفتحة أمامك وربها أقرب إليك من حبل الوريد، فخذها بقوة، واشدد على نفسك تأخذ بأحسنها. كفّها عن دلالها وخذها بعزم. وقد ضرب الله لك مثل الكلب الذي إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث، كمَثَل الذي آتاه الله آياته فانسلخ منها وأخلَد إلى الأرض واتبع هواه، فمهما يُؤتَى من أسباب الهدى لا ينتفع بها، من جناية نفسه على نفسه، فتأمل رعاك الله!

حاشا الله جل في علاه أن يجني على أحد! أو يحرم صادقاً هداه، وقد وعد سبحانه ومن أصدق منه قيلا: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا}. سيهيدك الله سبله هو بأمره هو، لا سبلك التي تتصورها في رأسك.

فاختر لنفسك مَثَلها وعاقبتها، إما أن تسير أعرجاً فيقوّمك الله، ومكسوراً فيجبرك الله، ومتعثراً فيسددك الله. أو أن تُخلِد إلى الأرض وتركن للعجز، ويطول عليك الأمد، فيقسو قلبك.

اختر لنفسك مَثَلها وعاقبتها، إما أن تسير أعرجاً فيقوّمك الله، ومكسوراً فيجبرك الله، ومتعثراً فيسددك الله. أو أن تُخلِد إلى الأرض وتركن للعجز، ويطول عليك الأمد، فيقسو قلبك

وأنت وما اخترت، ولا يملك لك أحد من الأمر شيئاً. فلا يكن بينك وبين الله إلا الله، فلتجدّ في فقه أمره، ولتعمل بما تبين. ولتدخل من الباب المفتوح يرحمك الله.

نسأل الله الثبات في الأمر والعزيمة على الرشد

ونعوذ بالله من التثبيط والعجز والخذلان.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة ومحاضِرة في الأدب والفكر وعُمران الذات. محرّرة لغوية ومترجِمة. مصممة مناهج تعليمية، ومقدّمة دورات تربوية، وورش تدريب للمهارات اللغوية. حاصلة على ليسانس ألسن بامتياز، قسم اللغة الإنجليزية وآدابها.

شاهد أيضاً

مسؤولية التعلم ولو في غياب “شخص” معلم

ربما من أوائل ما يتبادر إلى الذهن عند الحديث عن العلاقة بين المعلم والمتعلم، قصيدة …