- تسييس الحج:
إن أسوأ ما كان يُنتظر في تاريخ الأمة الإسلامية، أن تتفتت إلى دويلات قُطرية ضعيفة ومتناحرة، ثم يكون الحرم المكي والمدني في حيازة إحداها، فتمنع عنهما ما تريد، وتسمح بزيارتهما لمن تريد، في أبغض صورة من صور التناحر السياسي بين المسلمين.
لذا فالفكرة التي تُطرح حول تدويل الحرمين، فكرة تستحق البحث والدراسة والنقاش، بعيداً عن العواطف، وبما يضمن حقوق جميع المسلمين في أداء ما افترضه الله عليهم، دون النظر إلى المواقف والخلافات السياسية، وبما يحفظ أمن الحرمين واستقرارهما.
-الاختلاط الشائن:
الاختلاط بين الرجال والنساء ممنوع في شريعة الإسلام إلا في ضرورته القصوى، والضرورة تقدر بقدرها.
فالله عز وجل الذي خلق الرجل والمرأة وخلق فيهما الشهوة والرغبة، وهو الأعلم بمدى سطوة هذه الشهوة وتأججها، ولذلك فتح لها باباً واحداً هو باب الزواج الشرعي، وسد عليها كل أبوابها الأخرى، فحرم الزنا ولوازمه ومقدماته وحرم النظرة وحرم الاختلاط.
ولا نجد عبادة يُقبل فيها الاختلاط بين الرجال والنساء إلا في عبادة الحج والعمرة، وذلك لاستحالة عدم الاختلاط، فالمناسك واحدة والزمن واحد والأعداد هائلة وغفيرة.
لكن مع ذلك، يبقى إطار الإسلام العام في عدم الاختلاط حتى في الحج والعمرة، وتجنبه ما استطاع الرجل والمرأة إلى ذلك سبيلاً.
يبقى إطار الإسلام العام في عدم الاختلاط حتى في الحج والعمرة، وتجنبه ما استطاع الرجل والمرأة إلى ذلك سبيلاً
وليس مقبولاً أن يتهاون الناس في ذلك إلى حد التلامس بالأجساد، بل والتلاصق في بعض الأحيان. ولهذا لا بد أن نحافظ على هدي الإسلام وتوجيهاته على كل أحوالنا إلا في حالة الضرورة القصوى.
-التعري من الرجال:
لقد أمر الإسلام بالتستر، وجعل اللباس لذلك، وحرم التعري من الرجال ومن النساء، ولا يوجد دين سماوي أو وضعي يُعنى بالتستر مثلما يُعنى الإسلام.
وفي الحج، جاء في سنة النبي صلى الله عليه وسلم أن يكشف الحاج عن منكبه الأيمن في طواف القدوم، وهو ما يسمى بالاضطباع، وفيما عدا ذلك يجعل الحاج رداءه على كلتي كتفيه.
وليس من السنة أن يكشف الحاج عن كتفه طوال حجه، وليس من السنة ولا من المقبول أن يتعرى الحاج أكثر من ذلك، فيتساهل بعض الرجال في كشف أعلى أجسادهم، وفي الحج نساء، ورؤية أجساد الرجال عارية معصية ومفسدة، والستر خير كله.
-التزاحم والحدّة:
ملايين الناس يحجون إلى بيت الله الحرام، وهي صورة من التجمع البشري الذي ليس له نظير، فيجتمع الناس في صعيد واحد، ويعمدون إلى أفعال واحدة في وقت واحد. ولذلك فالتزاحم في الحج هو مما لا سبيل إلى اتقائه مهما وُسّعت المناسك ومهما أنشئت المنشآت والمرافق.
ومن حسن حج الحاج أن يلين لإخوانه المسلمين، وأن يرفق بهم، فلا يزاحمهم بشدّة وحدّة.
وإن من أسوأ الصور، أن ترى حجيجاً جاؤوا لإرضاء الله من أقصى الأرض، ثم لا تراهم إلا غلاظاً شداداً غير هيّنين ولا ليّنين.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه ابن مسعود (من كان هينا لينا سهلا قريبا حرمه الله على النار). (رواه الحاكم وقال صحيح على شرط مسلم).
من أسوأ الصور، أن ترى حجيجاً جاؤوا لإرضاء الله من أقصى الأرض، ثم لا تراهم إلا غلاظاً شداداً غير هيّنين ولا ليّنين
-النظافة:
الأعداد الكبيرة للحجيج تستدعي المحافظة الشديدة على النظافة من جميع جوانبها، من الأفراد، ومن منظمي عملية الحج، والقائمين عليه على السواء.
وإن من الصور التي نراها ولا نرضى عنها، صورة الحجيج يوم عرفة، والشوارع مملوءة بمخلفاتهم إلى حد قبح الصورة ودمامتها.
وقد حكى لي بعض من حج أنه كان يرى غائط البعض من الحجيج في أرض عرفة. وهذا أمر لن ينضبط إلا بتكامل بين الحجيج وبين السلطات المديرة لعملية الحج.
وكما نرى عملية النظافة وإدارتها على أكمل وجه في الحرمين، فيجب أن نراها كذلك في بقية المناسك.
-يوم عرفة والغفلة الشديدة:
في صحيح مسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما من يوم أكثر من أن يعتق الله فيه عبدا من النار من يوم عرفة، وإنه ليدنو ثم يباهي بهم الملائكة فيقول: ما أراد هؤلاء".
وعن ابن عمر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إن الله تعالى يباهي ملائكته عشية عرفة بأهل عرفة، فيقول: انظروا إلى عبادي، أتوني شعثا غبراً" (رواه أحمد).
وفي الموطأ عن طلحة بن عبيد الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "أفضل الدعاء دعاء يوم عرفة، وأفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي لا إله إلا الله وحده لا شريك له".
ومع كل ذلك الفضل الوارد، نجد بعض الصور للغفلة الشديدة في هذا اليوم وفي أرض عرفة، إلى حد أن يحكي البعض عن بعض الحجيج وقد افترشوا الأرض في عرفة بألعاب يتسلون بها؛ لإمضاء اليوم، وبعضهم يدخّنون ويشربون (الشيشة) ويجتمعون عليها.
-حج الأمراء والسادة والتفرقة بين الناس:
شرع الله عباداته لأغراض كثيرة، ومن أهم هذه الأغراض تأكيد المساواة بين الناس جميعا، فلا فرق لعربي على أعجمي إلا بالتقوى. فيصطف الناس صفاً واحداً في الصلاة، ويجتمعون معاً لأداء الحج دون تفرقة على أساس اللون أو العرق أو المكانة.
إلا أننا نجد صورة دميمة من صور التفرقة، اصطنعتها السلطات القائمة على ترتيب أمور الحج، فنجد حجاً خاصا للملوك والأمراء وعِلية القوم، حجاً تفرغ له السلطات الناس من المناسك من أجل حج أكثر راحة وأكثر رفاهية.
ألا ما أبأس الناس حين يغفلون عن حكمة الله في تشريعاته وعباداته، ويصرون على تجاوز روح الإسلام الكبرى، المساواة بين البشر جميعاً وعدم التفرقة بينهم لمال أو لسلطة أو لعرق أو للون.