خلال الأحداث الأخيرة في المسجد الأقصى، اشتعلت مواقع التواصل والصفحات الاجتماعية العديدة، والمواقع المختلفة، بشتى الكلمات والعبارات، التي تثير العاطفة، وتزهر معها المشاعر فمنها ما تدمع له العين، ويرّف القلب شوقاً للمسجد الحبيب!
لفت نظري واهتمامي، أحد الأشخاص وقد كتب يوضح الفرق بين قبة الصخرة المشرفة والمسجد الأقصى، ظناً منه أن المسجد القبلي هو المسجد الأقصى، راعني ذلك، وأحزنني أنني أدركت وقتها أننّا أمة لا زلنا نجهل معالم مقدساتنا، فقد نجح بذلك عدونا، نجح في أن يعمي عيوننا عن الحق، وعقولنا عن الصواب، فالمسجد الأقصى إنما هو كل ما دار حوله السور يتضمن الساحات والمساجد والقباب والأبواب والمصليات وغيرها.
لا أنكر ما نُكنّه للأقصى من مشاعر ومحبة، وترقب للنصر، وأن عيوننا وقلوبنا فداه وترحل إليه كل يوم والقدس في القلب، وهي ساحرة العيون وما إلى ذلك!
وماذا بعد!
لنكن واقعيين فتلك الشعارات والكلمات، والأشعار والقصائد، التي تؤجج المشاعر العاطفية الجيّاشة، والتي لا زلنا نرددها ربما بدون وعي لكلماتها، لم نحقق منها الكثير، ولم نطبّقها، ولم نكن صادقين في قولها، فالاكتفاء بالترديد والكلام، وفيض المشاعر ذاك، لا يجلب نصراً ولا ظفراً!
تلك الشعارات والكلمات، والأشعار والقصائد، التي تؤجج المشاعر العاطفية الجيّاشة، والتي لا زلنا نرددها ربما بدون وعي لكلماتها، لم نحقق منها الكثير، ولم نطبّقها
إذن، فما السبيل لتقديم المعونة للأقصى؟
من كان بعيداً تحول بينه وبين الأقصى تلك الحدود فلا يعني أنه لا واجب عليه، بل إن هناك طرقاً عديدة، نستطيع بها أن نقدم ولو القليل، وأهمها:
1) التركيز على تنشئة الأجيال وتربيتهم على العقيدة الصحيحة، وتعليمهم علوم الأقصى بشكل خاص وفلسطين بشكل عام، وزرع محبة الأقصى في قلوبهم والوعي والثقافة في عقولهم، بحيث يدركوا قضيتهم حق الإدراك.
ويمكن الاستعانة بكثير من القصص التي توضح بشكل مبسط هذه القضية للأطفال، وتساعدهم على فهمها واستيعابها، وهناك الكثير من الكتّاب الذين يعنون بهذه القضية.
2) السعي والمثابرة، لتعلّم علوم الأقصى، ومقدساته، ومطالعة تاريخه ودراسة جغرافيته، من خلال متابعة الدورات العديدة والأنشطة الكثيرة التي تُعقد في كل مكان تقريباً، وتُعدّ في هذا المجال علماً قيّماً، ومن هذه الدورات ما هو متاح على المواقع الإلكترونية ومنها ما هو على أرض الواقع. بالإضافة لتوعية الناس وتثقيفهم بهذا الأمر، وتنبيههم لأخطاءٍ نشرها بيننا عدونا، ليبعدنا عن الحق ولتزييف الحقائق.
3) متابعة نشرات الأخبار، ومتابعة أحداث الأقصى واستخدام (السوشال ميديا) في خدمة قضيتنا، فإنها تلعب دوراً مهماً في نشر الأخبار، ومتابعة ما يحدث هناك، ونشر الأفكار المنيرة بين شباب اليوم، مثل اللقاءات والمسيرات المندّدة برفض الأحداث التي يقوم بها هذا العدو، وما إلى ذلك صور عديدة، لا يمكن حصرها.
4) السلاح القوي، والفعال، وهو الدعاء، وهل يملك المؤمن غيره سلاح؟!
لندعوا ليل نهار، بلا كلل ولا ملل، فإن الله يحب العبد اللحوح، فلندعوا للمرابطين والمجاهدين، فالله لا يردّ يداً سألته، قال تعالى: {وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان} [البقرة: 186].
5) التبرعات وإرسال الأموال، فقد سئل صلى الله عليه وسلم عن المسجد الأقصى فقال: "إيتوه فصلوا فيه. فإن لم تأتوه وتصلوا فيه، فابعثوا بزيت يسرج في قناديله" (رواه أحمد وابن ماجه).
بين الرسول عليه الصلاة والسلام، في الحديث السابق، فضل الصدقة وأهمية التبرع للمسجد الأقصى عند عدم القدرة على الوصول إليه، وهو أمر يلزم الأمة فيه توعية ويقظة، فالصدقة تطفئ الخطيئة وفيها من الثواب الجزيل فكيف بها أن تكون للأقصى!
لا بد أن الأجر والفضل سيتضاعف، فلا تبخل!
وأخيراً، أيها المهموم من أجل أقصاك..
الأعداء ينتظرون منا لحظة غفلة، ليعتدوا على أقصانا، فلا يدعك هذا الانتصار في غفلة عن قضيتك، فتذكرّها وذكّر بها غيرك، فقد يكون لك بذلك أجر الرباط، وليكن حاضراً في البال فضل الأقصى ومكانته الدينية، التي لا تخفى على أحد، فهو مسرى نبينا عليه الصلاة والسلام، ومعراجه إلى السماء، قال تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا} [الإسراء: 1].
حماك الله يا أولى القبلتين، ورزقنا صلاةً في أكنافك، ورايات النصر تعلو في كل مكان، قال تعالى: {ويقولون متى هو قل عسى أن يكون قريباً} [الإسراء: 51].