كان (ابن أبي ذئب) فقيهًا صالحًا ورعًا، يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، وكان من أهل مدينة النبي صلى الله عليه وسلم معاصرًا لـ (مالك بن أنس)، من طبقته، بل قيل أنه كان أفضل وأعلم من مالك.
وكان (محمد بن عجلان) أيضًا من فقهاء المدينة وعبّادها وصالحيها، حتى كان في المدينة كـ (الحسن البصري) في البصرة.
رأى (ابن عجلان) يومًا والي المدينة وقد أسبل إزاره، أي أطاله دون الكعبين، وإسبال الإزار منهي عنه، والراجح أن النهي عما كان منه تكبّرًا، فأنكر عليه (ابن عجلان) إسبال الإزار، وكان إنكاره ذلك يوم جمعة على رؤوس الناس.
غضب الوالي من جرأة (ابن عجلان) عليه ومن مواجهته بالإنكار على رؤوس الخلائق فأمر بحبسه.
علم (ابن أبي ذئب) بما كان مع (ابن عجلان)، وكان (ابن أبي ذئب) جريئًا في أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، لا يهاب أحدًا، حتى أنه لما سأله الخليفة العباسي المنصور عن نفسه، وهو معه بجوار الكعبة، وألح عليه في السؤال، قال له: "وربِّ هذه البَنِيَّةِ – يعني الكعبة – إنك لجائر".
ذهب (ابن أبي ذئب) إلى الوالي ليتشفع لـ (ابن عجلان) ويطلب إطلاق سراحه من السجن، وكان الولاة مهما كان جبروتهم يخشون العلماء، فماذا قال (ابن أبي ذئب) للوالي؟؟
قال له: "إنّ ابن عجلان أحمق".
نعم قال له عنه أنه أحمق، ولكن تُرى أكان يعتبره أحمق لأنه أنكر على الوالي جهرًا؟؟
لا، اسمعوا معي ما سبب اتهام (ابن أبي ذئب) لعالم جليل كـ (ابن عجلان) بالحمق.
قال للوالي: "إنّ ابن عجلان أحمق، يراك تأكل الحرام وتلبس الحرام وتفعل كذا فلا ينكره عليك، ثم ينكر عليك إسبال الإزار؟!".
نعم لقد أخطأ ابن عجلان في إنكاره، ليس لأن الإنكار على الوالي هو الخطأ، بل لأنه كان أولى به أن ينكر عليه الأمور الأكثر أهمية، معاصيه ومخالفاته الكبيرة، ولا ينشغل بالأمور الصغيرة والشكلية، كإسبال الإزار...
ألا ترون أن كثيرًا من المعدودين علماء في أمتنا حالهم كحال (ابن عجلان)، ينكرون الصغائر على الحكام ويتركون عظائم الجرائم التي يمارسونها، أو ينكرون المعاصي الفردية على آحاد الناس، ويَغُضُّون الطرْف عن المعاصي التي تتسبب بالمفاسد الجماعية العظيمة التي يقوم بها الملوك والرؤساء.
كثيرًا من المعدودين علماء في أمتنا ينكرون الصغائر على الحكام ويتركون عظائم الجرائم التي يمارسونها، أو ينكرون المعاصي الفردية على آحاد الناس، ويَغُضُّون الطرْف عن المعاصي التي تتسبب بالمفاسد الجماعية
كان (ابن عجلان) حسنَ النية، ولكنه أخطأ في ترتيب أولوياته، ولكن بعض المنسوبين للعلم في زمننا للأسف لا يفعلون ذلك بحسن نية، بل يسكتون عن إنكار المنكر الذي يتطلب إنكاره دفع ثمن وتضحية..
لئن كان (ابن عجلان) أحمق في مقاييس (ابن أبي ذئب) فكيف به لو رأى من ينتسبون للعلم في زماننا؟؟
نعوذ بالله من سوء الخاتمة.