لاشك في أن الوعي هو (رمانة ميزان نهضة الأمم)، وأنه كما قيل جهاد لاشوكة فيه، وذلك لعظمة أثره ومردوه على الأفراد والشعوب والدول، فبه تبنى الأمم وتتطور حضاريا وفكريا، ومع أهميته تأتي هذه النظرات:
النظرة الأولى:
إن الوعي هو طاقة نور تضيء للمرء فكره وحياته، ثم تخرج؛ لترسم شعاعاً من الضياء يضفي على الجميع تقدما وبصيرة، فهو نافع للمرء وللبشر جميعاً، وبه يتحدد مستقبل الشعوب والدول، وكلما كان محل تقديم كان الأثر عظيمًا.
والشخص النافع لغيره هو: ذلك الواعي الملم بقضيته، العاشق لفكرته، المحبوب في دائرته، المستوعب لمعارضيه، حتى يصبح وعيه ثمرة طيبة المذاق والأثر.
النظرة الثانية:
إن الشخص صاحب الوعي الثاقب، عليه مسئولية بناء العقول واستنارتها بشكل يجعله قبلة للتائهين، وملاذا فكرياً لكل صاحب عقل يريد أن يطوره ويوظف طاقاته، وفي نفس الوقت العبء ثقيل على كل ذلك الشخص؛ لأنه أصبح محل ثقة الغير.
وعليه فإن التغذية العقلية والفكرية الواعية هي أمانة فلا مجال لتزييف وعي الناس بدعاوى عاطفية، لكن المجال واسع لوعي صحيح وشفاف، يبنى عليه: تقدم، وتحضر، ومشروعات؛ الأمة أحوج ما تكون إليها.
النظرة الثالثة:
إن الوعي الحقيقي الذي ننشده جميعاً لهذه الأمة هو وعي القلم النابع من العقل الصادق الراجح المتزن والمتسق تماماً مع ما يحمله من أفكار، بعيداً عن أي تجمل يؤخر وعي هذه الأمة، أو أي كسل يعطل نهضتها، أو يجعلها فى آخر الأمم، علما وفهما، ووعيا، وحضارة.
إن الوعي المنشود، لابد أن يخرج هذه الأمة من طي الظلمات الروتينية إلى ضياء التقدم والمرونة ، والفهم العالي الذى يدرك قيمة الوقت والوعي جميعا. فكما أن الوقت هو الحياة، فإن الوعي هو: روح هذه الحياة ولا غنى عنه.
إن الوعي المنشود، لابد أن يخرج هذه الأمة من طي الظلمات الروتينية إلى ضياء التقدم والمرونة
النظرة الرابعة:
إن الوعي جهاد لا شوكة فيه، وما أعظمه من عمل وفهم! لكنه يحتاج مجاهدين من طراز فريد، يتمتعون بالمصداقية والشفافية وبعد النظر، ولديهم همة عالية، وسعة أفق، وتطلع وقدرة استيعابية كبيرة، فلا يصح أن يكون المجاهد كسولا أو متنطعاً لا يدرك رسالته، ولا يعظم دعوته وفكره، وفي الحالتين المرء أمام اختبارِ تحملٍ نفسيٍ عظيمٍ، وسعيٍ فكري وتربوي، ورغبة فى التغيير أشد وأعظم.
النظرة الخامسة:
إن معركة الوعي على أشدها، خصوصا في العشرين سنة الأخيرة من عمر أمتنا الإسلامية، وبصدق أقول: لازلنا بين التقدم والتراجع والتدافع في كثير من المرات، لكن في المجمل، حجم إنفاقنا على الوعي مقارنة بالآخرين، لايزال ضعيفاً،وهو ما أثَّر سلباً على واقعنا، ونحن نحصد حصاده المر اليوم في كثير من البلدان العربية والإسلامية، لكن عزاؤنا أن الوعي رسالة لها رجالها المخلصون، ودعاتها الربانيون العاملون بواقعية وفهم ووعي ولايزالون يعملون.
النظرة السادسة:
إن أكبر معوق للوعي داخل الشعوب بداية هو تسلط الظالمين وأذرعهم الإعلامية الداعمة لهم، والتي تتبنى منهج تحريف العقول، وتزييف الحقائق. والأخطر من ذلك هو انتشار ثقافة التعويق والجهل، بدعاوى مختلفة، أورثها لنا الاحتلال الغربي حتى تطبعنا بها، وكأنها أمر حتمي في تكويننا الشخصي والعربي، وهاتان المعوقتان، تستنفران حتمًا كل الطاقات والإمكانيات لصاحب الرسالة الواعي، حتى يتم إفساد مخططهم في تغييب الناس، لكن الداء دومًا يكمن في كيفية الوصول إلى الناس.
ختاماً.. الوعي طوق نجاة لهذه الأمة لكنه يحتاج همماً تناطح السحاب، وقناعة كاملة وإلماماً كاملاً بمجريات العالم من حولنا، فلا قيمة لشخص واعٍ دون فهم للعالم الذي نحيا فيه .