إن سعي العباد فى الدنيا يهدف إلى الراحة المادية والحياتية والعاطفية، وكل ما يتعلق بالراحة فى جميع المناحي الدنيوية.
ولاشك أن الداعية يشغله أيضا الراحة بهذا المفهوم الشمولي، غير أنه متميز لأنه صاحب رسالة يسعى لإيصالها للناس. بالإضافة إلى العمل على تنوير عقولهم وتنقية قلوبهم والسمو بأرواحهم بخطاب بليغ نافع يافع يزلزل القلوب خشية لله ويثبت العقول مخافة وفهماً، ويربط الأرواح بمحراب الله لتكن النتيجة فى نهاية المطاف راحة في الدنيا نتيجة العلاقة الربانية بالله، وسعادة يوم القيامة بدوام الرضا الإلهى على العباد.
كل هذه الأمور تدفعنا للحديث عن مقومات الداعية الناجح.
أولا: توافق القول والفعل
لابد أن يوافق قوله فعله وهذه النقطة خطيرة؛ لأننا في دنيا الناس نجد العفن والتجمل والطلاء الذهبي الجميل، ذا البريق الذي يخطف العيون. فلو ظل هكذا بلا صدق مع الله وحسنت سريرته وخالف قوله فعله فهو بلا شك دخل فى دائرة النفاق القلبي الذى يفضح صاحبه حتماً وإن طال تجمله.
ثانياً: العلم والاطلاع
فلا قيمة لعالم يتصدر للناس ويخاطبهم دون علم وبصيرة. والمقصود بالعلم هو علم الشرع والفقه والشريعة، والإ فعليه أن يتراجع ولا يتصدر للفتوى أو هداية الناس والأخذ بأيديهم؛ لأنه لو نصح وذكر ووعّى دون فهم وعلم وبصيرة فإنه يضل الناس بغير علم، فيكون من أبواب الصد عن سبيل الله من دون أن يشعر وتلك طامة كبرى خبيثة الأثر.
ثالثا: التواضع
لاشك أن من تواضع لله رفعه وأعزه والداعية اشد الناس حاجة للتواضع؛ حتى يرتقى برسالته الدعوية بين العباد فيرضى الله عنه ويرضى عنه الناس. والتواضع نقيض الكبر وحديث النبي صلى الله عليه وسلم واضح "لايدخل الجنة من كان في قلبه مثال ذرة من كبر".
وأهمية التواضع للداعية أنه يعلي من فكره ونظرة الناس له، ومن ثم يمتدحون خلقه ورسالته لكن الحذر أن يتواضع الداعية بين الناس ويتكبر على ربه فى خلواته فلا يتذلل إليه وينكسر أمامه. لذلك على كل داعية أن يعي أن النجاة في التذلل لله والانكسار بين يديه فهو الباب الوحيد الذى لا يغلق.
رابعاً: التميز الإيماني
إن كلمة داعية ليست بالهينة أو البساطة أن تطلق على شخص مهما كان رقي فكره وفهمه، فالأصل أن يكون صادقاً مع نفسه أولا ثم مع ربه العلي الخبير المطلع على السرائر والذى يعلم خائنة الأعين وماتخفي الصدور، لذلك فليس مقبولاً أن يكون الداعية كغيره من العباد بسيط فى عبادته، يتأرجح أحيانا فيها، فهذا في حد ذاته عامل من عوامل انفضاض الناس عنه.
خامساً: رجاحة الفهم والعقل
إن الداعية الناجح هو قبلة للعباد فيحل لهم مشكلاتهم ويحكم ويصلح بينهم، وينير عقولهم بالوعي والمنطق، ويزن الأمور بميزان الشرع والفهم، ثم يعرض نفسه على محراب ربه ليستزيد منه نوراً وثباتاً على مساره. ولما كانت الحكمة ضالة المؤمن أنّى وجدها فهو أولى الناس بها، فالحكمة لن تتأتى للداعية إلا بفهمه لمجريات الحياة، وإلمامه بعلوم الكون، وقدرته على معرفة ما يدور فى عقول الناس.
سادساُ: الجرأة في قول الحق
ولعل هذه النقطة من النقاط شديدة الندرة في هذ الزمان، إلا من رحم ربي، فنحن في زمن كثرت فيه الشهوات، وتجبر الطغاة والظالمين، حيث حولوا الحق باطلاً والباطل حقاً، ومع الأسف معهم زمرة من علماء السلاطين الذين سلط الله عليهم أنفسهم، فزينوا للظالمين سوء أعمالهم ومحاربتهم لدين الله، بل رخصوا في دماء العباد وخراب البلاد وتمادى بعضهم فجعل الطاغية نبياً ورسولاً.
لذلك فالداعية الذي يستمد من النبي صلى الله عليه وسلم منهجاً وطريقاً، عليه أن يصدع بالحق وينكر المنكر بكافة الوسائل المتاحة، ولا يخشى في الله لومة لائم. وتاريخنا الإسلامي الحديث مليء بالقامات التى زلزلت عروش الطواغيت بصمودها، وقوة قولهم للحق وإنكارهم لإجرام الطغاة.
سابعاً: الزاد الثقافي
لايجب على الداعية أن يتصومع فى صومعة العلم الشرعي فقط، بل عليه أن يواكب العصر ويجاريه ويكون نبراساً فى كل علم جديد، كما هو قبلة في الفتوى يكون كذلك فى كل تطور بحثي أو تكنولوجي بل ويسبق الزمان في الوصول لكل ماهو جديد، فالعالم اليوم أصبح قرية صغيرة فما يحدث في أقصاه يعرفه الجميع في أقل من دقيقة.
ختاماً
الداعية صاحب رسالة عليّه أن يسعى فى تحصيل كل ما يرفعه خلقا وفهما وعملا ونجاة في الدنيا والآخرة، وأن يتلاشى كل ما يعطله وأن يكون صادقاً مع نفسه وربه وحسن السريرة، حتى ينتشر فهمه وعلمه.