جذر مشكلة الروهينغيا ممتد من دولة أراكان، التي بها ثلاثة ملايين مسلم، حين بدأ الإسلام يصل دولة بورما ذات الأغلبية البوذية، فبدأ الصراع الذي نشأ من الحقد البوذي على المسلمين في أراكان، فارتكبوا مجازر بشعة في سنة:(1784)، وغيروا اسمها لـ "ميانمار"، واحتلوها كجزء من بورما، فأصبح المسلمون أقلية: أربعة ملايين نسمة، مقابل: خمسين مليون بوذي.
بدأ المسلمون الأقلية بتكوين قرى مستقلة يعيشون ويتاجرون فيها، ولكنّ البورميين بدأوا يهاجمون قرى المسلمين، وقتل دعاتهم الذين يطوفون على القرى؛ لتعليم الناس الدين الإسلامي، وتحفيظ القرآن، ونتيجة عمليات القتل والحرق المستمرة، نزح الروهينغيا بالآلاف عبر البحر والنهر؛ هروباً من المجازر.
وعلينا فهم شبكة الأقليات والعرقيات في ميانمار، قبل الحديث عن أية حلول مقترحة، فإن كافة العرقيات والأقليات هناك، لها ارتباطات خارجية تساعدها على مواجهة السلطة المركزية، فأقلية "الكاشين" مرتبط بإقليم التبت، وأقلية "وا" مرتبطة بالصين، ويستخدمون لغة "المندرين الصينية"، وأقلية "الشان" -الأكبر حجماً- ترتبط عرقياً بـ"التاي" جنوب غرب الصين، أما أقلية "المون" البوذية فمرتبطة عرقياً بالخمير في كمبوديا، و"الراخين" -التي تعيش في أراكان غربي ميانمار- ترتبط بعرقيات في جنوب بنغلاديش، ويعيش معهم في نفس الولاية أقلية الروهينغيا المرتبطة ببنغلاديش وتايلاند دون أن يعود عليهم بالنفع!
وما يجري الآن للروهينغيا من عملية تطهير عرقي، وتهجير لأكثر من خمسمئة ألف شخص، بعد تجريد الإقليم بالكامل من الجنسية سنة (1982) يظهر حقيقة النظام العالمي الزائف، والذي يدعو لحقوق الإنسان واحترام الأديان، ويظهر من جانب آخر، ضعف القوة الإسلامية الساندة للروهينغيا، فبالرغم من بشاعة صور المجازر، إلا أن ضغط الرأي العالمي غير قادر على وقفها، والضغط الإقليمي والإسلامي على الجيش الميانماري غير كاف لوقف المجازر.
ما يجري الآن للروهينغيا من عملية تطهير عرقي، وتهجير لأكثر من خمسمائة ألف شخص، بعد تجريد الإقليم بالكامل من الجنسية سنة (1982) يظهر حقيقة النظام العالمي الزائف، والذي يدعو لحقوق الإنسان واحترام الأديان
سأدخل للأزمة من مدخل اقتصادي تنموي كأحد أوجه العلاج التي اتبعت لمسألة الأقليات، فقد طلبت الولايات المتحدة الأمريكية في تسعينات القرن الماضي من دولة البيرو عدم التعرض للبعثات الدينية، والسماح للمورمون (طائفة مسيحية) بممارسة أنشطتهم، كشرط أساسي؛ لإنقاذ البيرو من أزمتها المالية وتحسين عملتها، وفجأة بات المورمون يستطيعون الوصول لكافة الأماكن في البيرو دون مضايقة.
الحل نفسه في أزمة الروهينغيا، بدل أن تدعم دول إسلامية كبرى -كأندونيسيا المرشحة أن تصبح القوة الرابعة عالمياً، والسعودية وتركيا- مشاريع إغاثية للمستضعفين في الأرض في حين أن تمكنيهم تنموياً ضروري جداً؛ لمجابهة الاقتتال الطائفي، كان عليها أن تستبدل الإغاثة بالتنمية في إقليم أراكان الذي يعاني فقراً شديداً، ومحاربة وتهميشاً اقتصاديًا.
ولا يكفي اقتراح تركيا وأندونيسيا: تحمل تكاليف اللاجئين العابرين إلى بنغلاديش، مع أهمية المساعدات الإغاثية؛ لأن الدور الحقيقي هو تنمية هذا الإقليم؛ ليتمكن من الاتفاق على وقف المجازر مع الجيش بوجود التنمية، وعلى سبيل المثال تعد الصين أكبر الدول نفوذاً في بورما، من خلال خط الغاز في حقل "تشوي" البحري بتكلفة 2.5 مليار دولار عام:(2013)، ضمن خطة استثمارية صينية، بلغت قيمتها عشرة مليارات دولار، وإقامة منطقة اقتصادية خاصة في ميناء أراكان؛ لتصل الصين لشراء الميناء في بورما الفقيرة.
ولقد بات واضحاً -في الفترة الأخيرة- الزحف الصيني والهندي؛ لافتتاح المشاريع الاقتصادية في العديد من الدول، أهمها: أندونيسيا، وجنوب أفريقيا، وبات الصينيون والهنود يلعبون دوراً تجارياً هاماً في تلك الدول، لم تستطع تلك الدول اتخاذ إجراءات دينية بحقهم، تمنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية؛ نتيجة الثقل الاقتصادي لهم، نفس الآلية لو اتبعت مع أراكان.
ما زالت دولة كـ "ميانمار" تعاني من مشاكل الفقر والتنمية، ولو تم توجيه المساعدات المشروطة من دول إسلامية كبرى لمشاريع تنموية لها، بشرط أن تتيح الحرية العقائدية لمسلمي الروهينغيا، قد تحل المشكلة من جذورها.
ما زالت دولة كـ "ميانمار" تعاني من مشاكل الفقر والتنمية، ولو تم توجيه المساعدات المشروطة من دول إسلامية كبرى لمشاريع تنموية لها، بشرط أن تتيح الحرية العقائدية لمسلمي الروهينغيا، قد تحل المشكلة من جذورها
كذلك تنمية مشاريع اقتصادية في الإقليم خاصة بتشغيل البورميين، قد ينعكس إيجابياً على الاقتصاد ككل، مما يخفف من هذه المجازر، لكن الدول الإسلامية خصوصاً أندونيسيا القريبة من بورما، والتي تمثل تضامناً كاملاً مع مسلمي الروهينغيا، ما زالت ترسل المساعدات الإغاثية فقط.
حل المشكلة بقرارٍ مجتمِعٍ من الدول الإسلامية، كضغط دولي، مثل الضغط التي مارسته الدول النفطية في صراع الجنوب مع الشمال في ستينات القرن الماضي، وترأست هذا الاجتماع أندونيسيا، على نفس الشاكلة اليوم، فإن قراراً إسلامياً ملزماً بدافع التنمية مهم للإقليم.
المساعدات الخارجية هي سلاح قديم جديد، اتبعته عديد من الدول؛ للسماح لمواطنيها الدخول للدول الممنوحة، وممارسة أنشطتهم الدينية بكل حرية، مثلما يوجه الكيان الصهيوني مساعداته للأكراد، وقد يعتبر ذلك مدخلاً مهماً لأزمة الروهينغيا.
الأمم المتحدة والهيئات الحقوقية الدولية، لم تتخذ حتى الآن موقفاً حازماً يوقف الأزمة في ميانمار، بل اكتفت بالتحذيرات من مجازر جديدة، ولم تصرح سان سو تشي رئيسة ميانمار-الحاصلة على جائزة نوبل للسلام في عام:(1991)- أي تصريح بخصوص الأزمة واكتفت بالقول: "الإعلام يهول ما يحدث" مع أن الصور والفيديوهات التي يبثها نشطاء من الروهينغيا تثبت عكس كلامها.
والغريب أيضاً أن منظمة إسلامية -كأكبر منظمة إسلامية جامعة تهتم بشؤون المسلمين- لم تتخذ أيضاً أي موقف، بل اكتفت بالاستغراب، حيث أعربت الهيئة الدائمة المستقلة لحقوق الإنسان، التابعة لمنظمة التعاون الإسلامي من فزعها وصدمتها إزاء الموجة الأخيرة والمستمرة من العنف العشوائي، الذي تمارسه سلطات الدولة في ميانمار، ضد أقلية الروهينغيا المسلمة.
الغريب أن منظمة إسلامية -كأكبر منظمة إسلامية جامعة تهتم بشؤون المسلمين- لم تتخذ أيضاً أي موقف، بل اكتفت بالاستغراب
الاستياء الشعبي العام من المواقف الرسمية تجاه أزمة الروهينغيا، عبرت عنه بعض المسيرات الشعبية في جنوب آسيا، وعبر عنه ناشطو الروهينغيا من أن منظمة التعاون الإسلامي كأكبر تجمع لم تقدم شيئاً لنصرة قضيتهم، ليطرح تساؤل مهم: هل تغيب دور المنظمات الإسلامية مقصود؟ ولماذا هذا التقاعس أو التباطؤ في حل الأزمة في حين تقدم بعض الدول الإسلامية المركزية ملايين الدولارات لضحايا إعصار "هارفي" وغيره؟
إن ضمان نقل وتأمين النازحين من الروهينغيا خارج بلادهم، خطوة في الاتجاه الخاطئ، فالأولى تعزيز بقائهم في منطقة تمثل نصف سكان العالم جنوب آسيا؛ لإبقاء درع إسلامي واق متمكن هناك، فالأهم تمكينهم اقتصادياً وسياسياً، ووضع الاتفاقيات المناسبة؛ لضمان عيش كريم لهم هناك.