تفاءلوا، فَلَنْ يغلب عُسْرٌ يُسْرَين!

الرئيسية » حصاد الفكر » تفاءلوا، فَلَنْ يغلب عُسْرٌ يُسْرَين!
optimism

إنَّ واقعنا اليوم، وما هي فيه مِنْ أَنواع الْمِحَنِ و الرزايا، ليستدعي إحياء صفة #التفاؤل، تلك الصفة التي تأخذ بالهمة الى القمة، وتضيء الطريق لأهلها، لذا مَسَّتْ الحاجة إِلى التذكير بما يساهم في إخراج الناس من ضيق الإِحباط إِلى سعة التفاؤل والإِنخراط في العمل الجاد المثمر، فأقول وبالله التوفيق:

*التّفاؤل:يعني انشراح القلب وتوقّع الخير، وفوائده لا تحصى، فهو يقوي العزم، ويبعث على الجدّ، و يُعِين على إِدراك الهدف؛ وهو يجلب الطّمأنينة وسكون النّفس، وفيه اقتداء بسيد الخلق القائل "وأنا مبشّرهم إذا أيسوا"، و القائل "سدّدوا وقاربوا، وأبشروا"؛ والتفاؤل يُمَكِّن الإِنسان مِنْ إِدارة أزمته بثقة وهدوء فيحصل الفرج بعد الشّدّة،كما أَنَّه يقوى الروابط بين الناس، فالمتفائل يحبّ من يبشّره و يستأنس به،وفيه إِحسان الظّنّ بالله تعالى، و حُسْن الظَّنِّ مِنْ حُسْنِ العبادة.

*ويكفى في مِدْحَةِ أَنَّ أضداده: التشاؤم واليأس والإِحباط والإِنهزامية والقنوط، وكل واحد منها كفيل بأَنْ يصيب الانسان بإِضطراب النّفس وبلبلة الفكر، و يحرمه الإبداع والتّفوّق ويسهل عليه البطالة والكسل، و يجعله عبدا للخزعبلات والدّجل والإِشاعات المغرضة، ويوقعه فريسة للأمراض بشهادة ذلك الحكيم الذى يقول: «إِنَّ قُرحة المعدة لا تأتي مما تأكل، ولكنها تأتي مما يأكلك»، في إِشارة واضحة إِلى الثمرة المرة لمضادات التفاؤل، وكاد أَنْ يصيب كبد الحقيقة مَنْ وصف المتشائم بأَنَّه «مَيِّت الأحياء» وقد صدق، ألا يكفي أَنَّه مطرود مِنْ رحمة الله مطعون في قوة يقينه وإِيمانه!! إِنَّه يستجدي الزمان أَنْ يأتيه بكل ماعنده من مِحَن، ولسان حاله يقول: «إِنْ كان عندك يازمان بَقِيَّة مما يُهَانُ به الأنام فَهَاتِهَا»، أما المتفائل فشعاره: «إِنْ لَمْ يَكُنْ بِكَ غَضَبٌ عَلَيَّ فَلَا أُبَالِي، وَلَكِنْ عَافِيَتَكَ هِيَ أَوْسَعُ لِي»
و « لَنْ يَغْلِب عُسْر يُسْرَيْنِ».

* أما كيف نزرع التفاؤل في داخلنا ؟ فأقول:

أَوَّلًا: جُلْ بقلبك في حنايا التاريخ مستصحبا معك ما أسميته ميثاق التفاؤل: «إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وفي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنْ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا يَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغرسها»، إِنَّه حث على التفاؤل و العمل وإنْ لم يبق مِنْ الدنيا إلا دقائق، لتبقى عامرة إلى آخر أمدها المعدود عند خالقها.

ثَانِيًا: تذكر نبأ ثاني اثنين إِذْ هُمَا في الغار، في تلك الحالة الحرجة الشديدة، وقد انتشر الأعداء من كل جانب يطلبونهما ليقتلوهما، فأنزل الله عليهما من نصره ما لا يخطر على البال. وقصة يوسف النبي - الكريم ابن الكريم- الذي بدأ حياته بالسجن وختمها بملك مصر، لم يُؤَهله لهذا المنصب حسب ولا نسب، وانما أهله حفظه و علمه، فالعلم إشارة إلى الإتقان والكفاءة،والحفظ إشارة الى الثقة.

ثَالِثًا: لا تنسى موسى الكليم الذي جعل الله هلاك فرعون على يديه، والذي زكته ابنة الرجل الصالح، بعد ما شاهدت مِنْ نشاطه ما عرفت به قوته، وشاهدت مِنْ خلقه ما عرفت به أمانته،فأصدرت حكمها لأبيها { إِنَّ خير من استأجرت القوي الأمين}، وياله مِنْ حكم صائب، لأن مَنْ يجمع بين إِتقان العمل والأمانة، يكون موفقا مسددا، و لا يكون الخلل في أمر ما إلا بفقدهما أو فقد إحداهما.

رَابِعًا: كُنْ على ذكر من قصة الثلاثة الذين أواهم المبيت إلى الغار، وحادثة الإفْك، ودعاء حبيبك طلعة كل صباح: «اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِك مِنْ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ. وَمِنْ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ».

*ومما تجدر الإشارة إليه أن التفاؤل ليس شعورا مصحوباً بالقعود، بل هو و الأخذ بالأسباب قرينان و صِنْوَان لايفترقان، فلا يسمى المرء متفائلا إلا إذا بَلَغَ بالأسباب إلى منتهاها وعمل ما في وسعه، ويتطلب ذلك: استشعار المسئولية والقيام بالواجب نحو إصلاح الأحوال، و النظر إلى السعي في الإصلاح على أَنَّه واجب ديني وعبادة وقربى إلى الله، وفوق كل هذا نفع الخلق، فهو الذكرى الحسنة التي يسألها الصالحون في كل وقت، اقتداء بنبي الله ابراهيم في دعائه {واجعل لي لسان صدق في الاخرين} أي: اجعل لي في الناس ثناء صدق، مستمر إلى آخر الدهر. وأخيراً: علينا ألَّا نيأس فخَلْفَ الغيوم نجوم، و تحت الثلوج مروج، وبدلا من أن نلعن الظلام نوقد شمعة، اللهم فك أسرنا وفرج كربنا.آمين

معلومات الموضوع

مراجع ومصادر

  • الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين
اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال

شاهد أيضاً

قراءة سياسية في عبادة الصيام

عندما نضع الصيام في سياق العبادة في الإسلام نجد أن العبادة وسيلة تحقق غايات عليا …