كيف يكون الداعية إيجابياً مع المجتمع؟

الرئيسية » بصائر الفكر » كيف يكون الداعية إيجابياً مع المجتمع؟
paper-people

الإنسان من حيث كونه فرداً، و#المجتمع من حيث كونه جماعة بشرية، هم المستهدفون من العمل العام، سواء كان هذا العمل مطالبة بحقوقهم، أو محاولة لتغييرهم ليقوموا هم أنفسهم بعملية التغيير، التي تلزم لبناء حضارة نابعة من الإسلام، الذي هو دين حضاري ارتضاه الله عز وجل للبشرية ديناً خاتماً، يحمل سعادة الدارين. ولكي تتم تهيئة الفرد والمجتمع للقيام بهذا الدور، يجب النظر إليهم نظرة إيجابية، وأنهم قادرون على القيام به، وذلك لأسباب:

أولا: إنهم يستحقون التغيير إلى الأفضل حتى وإن كنا نَصفهم بالسلبية.

ثانيا: إنهم قادرون على التغيير، إن ساعدهم أحد وأخذ بأيديهم، والتاريخ خير شاهد على ذلك، فحين تنتفض الشعوب، لا أحد يستطيع أن يقف في تيارها الجارف أو يوقف مدَّها.

ثالثا: إنه لابد من الاعتراف أن الشعوب الآن، ما عادت بالجهل أو الغيبوبة التي أُريدت لها في وقت ما، وإنما ازداد الوعي لدى الكثيرين من الشباب على الأقل، وازداد الغليان، والشارع اليوم محتقن بداخله، وإن لم توجه تلك الطاقة الكامنة إلى الاتجاه الصحيح، فالانفجار سيكون شديداً، ولا يعلم مداه إلا الله، وإن لم يكن موجها -نحو الخير والإصلاح- يقوده مجموعة من القادرين على التوجيه الصحيح، والقادة الربانيين الذين يستطيعون التحكم بمقاليد الأمور، والإصلاحيين المخلصين الذين لا يبغون من وراء عملهم إلا وجه الله تعالى و مصلحة الجميع، فلننتظر الطوفان، الذي لن يترك في طريقه أخضر ولا يابس إلا ويدمره، وسننتظر حقباً أخرى؛ كي نفكر في إصلاح أو تغيير.

وفي ذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم -فيما رواه أبو هريرة رضي الله عنه- قال: "إذا قال الرجل هلك الناس فهو أهلكهم". (رواه مسلم).

ووصْمُ المجتمعات بالتخلف، والضعف، وعدم الاستحقاق، وأنه لا فائدة في هؤلاء، هو نوع من الانسحاب من مهمة الإصلاح، ويجب على المصلح –وقتها- أن يتنحى قبل أن يؤثر سلباً في المجتمع.

وصْمُ المجتمعات بالتخلف، والضعف، وعدم الاستحقاق، وأنه لا فائدة في هؤلاء، هو نوع من الانسحاب من مهمة الإصلاح، ويجب على المصلح –وقتها- أن يتنحى قبل أن يؤثر سلباً في المجتمع

والنظرة الإيجابية -أولها كما قلنا سالفا-: أن توقن أن هؤلاء القوم يستحقون التغيير، وأن تتوجه إليهم بالحب والشفقة لا باللوم والعتاب. ويرسخ النبي صلى الله عليه وسلم هذا المعنى الإيجابي بذكره لقصة نبي من الأنبياء؛ ليعلم أمته كيف تكون علاقتهم الإيجابية مع المجتمع، حتى لو حصلت لهم الأذية في سبيل الخير والفلاح الذي يحملونه لمجتمعهم.

فعن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كأني أنظر إلى النبي صلى الله عليه وسلم، يحكي نبياً من الأنبياء ضربه قومه فأدموه، فهو يمسح الدم عن وجهه ويقول: رب اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون"( رواه البخاري).

ومن مظاهر الحب والتقدير والإيجابية مع المجتمع:

1- محبة الخير لكل الناس، فعن أنس عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" (رواه البخاري ومسلم).

2- مساعدتهم وتقديم العون والنصح لهم قدر الاستطاعة، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة، ومن يسر على معسر يسر الله عليه في الدنيا والآخرة... والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه". (أخرجه مسلم).

3- قبول الناس كما خلقهم الله عز وجل: لقد خلق الله عز وجل الناس مختلفين في طباعهم واستعداداتهم -وذلك من بديع صنع الله- وليس من الضروري أن يكونوا كلهم على رأيك ونمط تفكيرك؛ كي يعجبوك، فكما أنهم مختلفون عنك ومخالفون لك، فأنت كذلك مختلف عنهم ومخالف لهم -من وجهة نظرهم- ولذلك رسخ النبي صلي الله عليه وسلم ذلك المفهوم لدى الصحابة رضوان الله عليهم فقال: "يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى". (أخرجه أحمد).

وقال أبو ذر الغفاري رضي الله عنه: "كان بيني وبين رجل كلام، وكانت أمه أعجمية، فنلت منها، فذكرني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال لي: "أساببت فلاناً، قلت: نعم، قال: أفنلت من أمه؟ قلت: نعم، قال: إنك امرؤ فيك جاهلية". (رواه البخاري ومسلم).

لقد خلق الله عز وجل الناس مختلفين في طباعهم واستعداداتهم ، وليس من الضروري أن يكونوا كلهم على رأيك ونمط تفكيرك؛ كي يعجبوك، فكما أنهم مختلفون عنك ومخالفون لك، فأنت كذلك مختلف عنهم ومخالف لهم

4- مشاركتهم في تصحيح أخطائهم، فعن أبي أمامة رضي الله عنه قال: "إن فتى شاباً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "يا رسول الله ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا: مه مه! فقال: ادنه، فدنا منه قريباً، قال: فجلس، قال: أتحبه لأمك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك! قال: ولا الناس يحبونه لأمهاتهم، قال: أفتحبه لابنتك؟ قال: لا والله، يا رسول الله جعلني الله فداءك! قال: ولا الناس يحبونه لبناتهم، قال: أفتحبه لأختك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك! قال: ولا الناس يحبونه لأخواتهم، قال: أفتحبه لعمتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك! قال: ولا الناس يحبونه لعماتهم، قال: أفتحبه لخالتك؟ قال: لا والله، جعلني الله فداءك! قال: ولا الناس يحبونه لخالاتهم، قال: فوضع يده عليه، وقال: "اللهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصن فرجه، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء"، (أخرجه أحمد).

5- احترام إنسانيتهم مهما تدنت رتبهم. فالإنسان ذلك الكائن الذي كرمه الله عز وجل؛ فخلقه بيده، وأسجد له الملائكة، وفضله على غيره من كل المخلوقات، أفلا يستحق أن نقدره لتقدير الله عز وجل له، مهما كان فقره، أو ضعفه، أو بساطة وظيفته، أو حتى كان طفلا صغيرا! ولنا في رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم أسوة حسنة في ذلك، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مرّ على غلمان فسلم عليهم". (رواه البخاري ومسلم).

وعن سهل بن حنيف وقيس بن سعد رضي الله عنهما قالا: "إن النبي صلى الله عليه وسلم مرت به جنازة فقام، فقيل له: إنها جنازة يهودي، فقال: "أليست نفساً". (رواه البخاري ومسلم).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه: "أن امرأة سوداء كانت تَقُمُّ –تكنس- المسجد، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأل عنها، فقالوا: ماتت، قال: أفلا كنتم آذنتموني، قال: فكأنهم صغروا أمرها، فقال: دلوني على قبرها فدلوه فصلى عليها". (البخاري ومسلم).

6- استمع إلى الناس وشاركهم ما يهمهم. قليل هم من يحسنون فن الاستماع، وكثير من المشكلات تحدث؛ لأن فاعلها أو مرتكبها لم يجد من يستمع إليه أو يوجهه، فالكل أصبح مشغولا بنفسه، والكل لا يريد إلا أن يتحدث عن نفسه، أما الإنسان المصلح، فإنه قد نذر نفسه لله ولخدمة الناس، فليستمع إليهم، وذلك من مقتضيات الإيجابية معهم، وليحاول مساعدتهم قدر استطاعته، فعن أنس بن مالك رضي اللع عنه قال: "كانت الأمة من إماء أهل المدينة لتأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فتنطلق به حيث شاءت". (أخرجه البخاري).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال: فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً؟ قال أبو بكر رضي الله عنه: أنا، قال فمن عاد منكم اليوم مريضاً، قال: أبو بكر رضي الله عنه: أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة". (أخرجه مسلم).

كثير من المشكلات تحدث؛ لأن فاعلها أو مرتكبها لم يجد من يستمع إليه أو يوجهه، فالكل أصبح مشغولا بنفسه، والكل لا يريد إلا أن يتحدث عن نفسه

وفي هذا الحديث أربعة أفعال فعلها أبو بكر الصديق يومه ذاك، فاستحق بهذه الأفعال الجنة، ثلاثة من تلك الأفعال هي من المشاركة الإيجابية للآخرين فيما أصابهم، الأول: مشاركة إيجابية في تخفيف حزن مفجوع بفقد قريب، والثاني: مشاركة إيجابية لتخفيف ألم مريض، والثالثة: مشاركة إيجابية لتخفيف جوع محتاج.

وبهذه الفعال الإنسانية يتآلف المجتمع وتقوى أواصر المودة، وتشيع الألفة بدل القطيعة.

فالألفة هي الأداة الوحيدة؛ لتحقيق النتائج مع الأشخاص الآخرين، والقدرة على توطيد الألفة، تعتبر إحدى أهم المهارات التي يمكن أن يتمتع بها الإنسان". [قدرات غير محدودة- أنتوني رويتر].

وهذا تعويد للمسلم أن يعطي من وقته وجهده اليومي؛ للتواصل بإيجابية مع الآخرين، ويزداد عطاؤه اتساعاً حين يعطي شيئاً من عواطف الرحمة، والشفقة، والبر بالآخرين.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتبة مصرية، مهتمة بالشأن الإسلامي العام، حاصلة على بكالوريوس إعلام من جامعة القاهرة، وكاتبة في العديد من الصحف والمواقع الإلكترونية، لها العديد من المؤلفات المنشورة، مثل: المنهاج في الدروس المسجدية للنساء، معالم على طريق التمكين الحضاري، وأبجديات الثورة الحضارية وغيرها.

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …