تحدثنا في المقال السابق عن التخدير، لغةً واصطلاحاً، وبينا دور الغرب وأذنابه في عالمنا العربي، وجهادهم المستمر؛ لجعل الشعوب لا أمل فيها ولاخير يرجى منها، وذلك عبر تخديرها فكرياً بوسائل إعلام سامة المفعول، ومراكز أبحاث خبيثة الثمار!
واليوم نتحدث عن: "كيفية مواجهة الشعوب الحرة لهذا التخدير الممنهج من الحكام. وكيف تتحول موجة التخدير لشيء لا حراك فيه؟"
أولا: صناعة المفكرين.
لقد عانت الشعوب العربية من ندرة المفكرين وأصحاب الرأي لسنوات عديدة، ولازالت تعاني من غياب قادة مؤثرين بالشكل الذي يلبي طموحاتها السياسية والثورية في واقع جديد يزيل كل آثار العطل والتخدير، ويمحو كل جهد لطغاة دمروا الإنسان، وأفسدوا الحياة في عدة دول لسنوات كبيرة.
لذلك فإن أول طريق للتحرر من التخدير الفكري هو وجود قادة ونخبة حقيقة، تعي مشكلات الوطن والمواطن، وتسعى بشراكة مجتمعية كاملة في تحرير العقول من آثار الدنس والمخدر، الذي طال أثره على الشعوب.
إن أول طريق للتحرر من التخدير الفكري هو وجود قادة ونخبة حقيقة، تعي مشكلات الوطن والمواطن، وتسعى بشراكة مجتمعية كاملة في تحرير العقول من آثار الدنس والمخدر
ثانيا: الدعاة والمصلحون.
إن همة الداعية، والمفكر، والكاتب، وصاحب العقل والقلم في السعي لإبطال كل أنواع التخدير التي تعرضت وتتعرض له الأمم والشعوب على مدار الساعة؛ أمر غاية في الخطورة، ولا مفرَّ من دور تنويري توعوي حقيقي لكل هولاء، وكل هذه التخصصات بلا كلل أو ملل. وغير مقبول التقليل من شأن دورهم في نهضة الأـمة وريادتها والعودة بها لسابق عزها في العلوم والبحوث والمجالات العامة، متأسين بالرواد الكبار كـ"العز بن عبد السلام، وابن تيمية، ومحمد عبده، وحسن البنا". ودور كل نجم من هولاء في تصحيح مسار العطل، والاستعمار الذي احتل عقول الأمة وشعوبها قبل أراضيها!
ثالثا: البحث العلمي"الفريضة الواجبة".
لقد كانت أزمة الأمة ولازالت في البحث العلمي، ولذلك فلا عجب أن ينفق الصهاينة مئات المليارات ويبخل العرب في الإنفاق على هذا الأمر، وهو في قناعتي فرض ثابت ولابد منه، إذا أردنا لأمتنا الرقي الحضاري، تاريخاً وحاضراً ومستقبلاً.
لذلك فإن الاهتمام بالبحث العلمي، والسعي للحصول على البحوث، وعمل الدراسات فرض عين على كل من ينشد تقدماً وتكويناً للعقول، بالشكل الذي يجعلها قادرة على أخذ القرار، دون تخدير أو تأثير.
الاهتمام بالبحث العلمي، والسعي للحصول على البحوث، وعمل الدراسات فرض عين على كل من ينشد تقدماً وتكويناً للعقول
رابعا: وسائل الإعلام الصادقة
إن المعلومة الصحيحة اليوم والحصول عليها يعتبر "مضاداً قوياً" ضد كل أنواع التخدير والتسكين المعنوي والفكري للشعوب، لذلك فإن المصادر الصحيحة -التي تبني معلومات مؤكدة- تعزز من ثقة المواطن بوسائل الإعلام الصادقة، وفي نفس الوقت تقف حائط صد لسعي المنافذ الإعلامية الداعمة؛ لتغييب وتخدير الشعوب، بدعوى الخوف والجهل.
إننا جميعاً مدعوون اليوم للعمل على إبراز قضايا أمتنا الثابتة، ومشكلات شعوبنا المتجذرة منذ مئات السنين، وعلى رأسها قضية فلسطين المقدسة، التي يحاول دعاة التخدير، من طغاة وحكام وملوك، طي صفحتها، وسط هرولة واضحة؛ للتطبيع مع الكيان الصهيوني، وزيارات سرية ومعلنة لتل أبيب. وهذا قمة التخدير الفكري للشعوب والأمم جميعاً.
ختاماً.. لقد عانت شعوبنا العربية من فساد النخبة سنوات وسنوات، وأثّر هذا بلا شك على مسيرتها الفكرية والتوعوية، فتبدلت المصطلحات، وأصبح الحق باطلا والباطل حق، وأصبح الخطاب العلماني الذي يضرب في أصول ديننا "تحرراً وتنويراً" كما أصبح الخطابُ -الذي يؤكد على وحدة الشعوب، وتوحيد الكلمة، والسعي لنيل الحرية- هو "إرهاب وفجور".
وكل هذا يتم على أعين دعاة ومشايخ كنا نظنهم رجالاً ينتفضون في وجه هذه الموجة التخديرية الخبيثة، لكن مع الأسف أصبحوا أدوات؛ لتخدير الشعوب أيضاً بصمتهم تارة، وبتغريداتهم على مواقع التواصل الاجتماعي تارة أخرى، لذلك على كل حر من شعوبنا الأبية أن يفرق بين الداعية والداعية، وبين الفقيه والمعمم، وبين صاحب القلم المستأجر والصادق في رسالته.