المصالحة الفلسطينية ولعبة السياسة

الرئيسية » بصائر الفكر » المصالحة الفلسطينية ولعبة السياسة
dc425f99-cbeb-43f4-be47-921d064210e3

ابتهج الكثير من الناس خصوصاً الغزيون، بعودة روح الوحدة بين أبناء الشعب الفلسطيني، والتئام الشمل –ظاهرياً على الأقل- متمنين أن تكون هذه الخطوة مقدمة لتغيير واقعهم الصعب، وبداية لكسر الحصار المفروض عليهم منذ ما يزيد عن عقد من الزمن.

تنازل، لعبة سياسية، مناورة، مصالحة حقيقية، اضطرار وغير ذلك.. كلها مصطلحات يستخدمها البعض لتفسير ما حدث، خصوصاً فيما يتعلق بموقف حركة #حماس من الأمر، بعد سنوات من القطيعة مع حركة فتح، ناهيك عن تعامل الحركة في #غزة مع مصر، واستقبالها لبعض الإعلاميين المصريين الذين حرّضوا على دماء شعبنا، ووصفوهم بأبشع الاوصاف، واتهموا الحركة بالإرهاب، وكانوا من قبل قد ساهموا في سفك دم الآلاف من شعبهم في ميادين مصر المختلفة، في مشهد لن ينساه أي منا طوال حياته!

علينا أن نقرّ ابتداء أن موضوع #المصالحة مع فتح هو أمر سياسي، لا يعتبر داخلاً ضمن العقيدة، فلا كفر فيه ولا إيمان، وإنما هو يسير وفق قاعدة المصالح المتعلقة بجهات عديدة: القضية، الشعب ومن ثم الحركة.

مشكلة العمل السياسي بحد ذاته أنه ليس ثابتاً، لأنه يرتبط بعوامل عديدة، تتغير بتغير الظروف #السياسية والاقتصادية، وترتبط كلياً بالوضع الإقليمي والدولي، وهذا مما يجدر أخذه بعين الاعتبار عند دراسة أي حالة سياسية وما نعتبره في بعض الأوقات تناقضاً أو خروجاً عن المبدأ.

مشكلة العمل السياسي بحد ذاته أنه ليس ثابتاً، لأنه يرتبط بعوامل عديدة، تتغير بتغير الظروف السياسية والاقتصادية، وترتبط كلياً بالوضع الإقليمي والدولي

لكن مشكلة العديد من الإسلاميين أنهم يلبسون السياسة ثوب الثبات وعدم التغير، وكأنها أحكام شرعية قطعية، مما يوقعهم في تناقضات عجيبة، حينما يضطرون إليها، تجبرهم على التبرير وإشهار سلاح الثقة بالقيادة، وفي الوقت نفسه توقع الصف في حيرة من أمرهم، إما بأن يكونوا دائمي التبرير كما هو حال المدافعين عن الأنظمة، أو ساخطين بحيث يصلوا إلى درجة تثير القلاقل والفوضى في الصف الداخلي.

ومثال ذلك أن أصف خصمي السياسي بكل سوء، وأنعته بالخيانة والتبعية للمحتل، وأن لا يمكن أن نلتقي معه، ثم فجأة أجلس معه، وأصافحه وآخذ صوراً معه. وهو ما يثير التناقض والعجب والسخرية أحياناً.

ليس دفاعاً عن حماس، لكنها أبدت حرصها على المصالحة دائماً وأبداً، منذ اليوم الذي وقع فيه الخلاف، ولم تترك باباً لتحقيق الوحدة إلا وطرقته، حتى أن المتابعين يواجهون صعوبة في إحصاء اللقاءات والمبادرات المرتبطة بهذا الأمر لكثرتها، لكنها في النهاية تنازلت عن العديد من الأمور لتحقيق ما صبت إليه منذ عقد من الزمن، في مشهد يعتبره العديد من الناس غير عادل، نظراً لموقفها وتضحياتها، وحجم المؤامرات التي استهدفت غزة لتركيعها وإجبارها على الخضوع.

عموماً.. أدرك أن هناك فرقاً كبيراً بين رؤية حماس وفتح للقضية وطبيعة الصراع مع المحتل، وما قدم كل منهما في السنوات الأخيرة، لكن في النهاية هناك وطن يحتاج أبناؤه إلى حل مشاكلهم وتسيير أمور حياتهم، وليس هناك خاسر حال سعيه لتحقيق مصلحة شعبه !

فالأصل في قرار المشاركة السياسية، أو التحالفات، وحتى المصالحة والوحدة والمقاطعة وغير ذلك، هو لتحقيق مصلحة الشعب، ولهذا الأمر منوط بتحقيقها، فأينما كانت المصلحة، وكانت أرجح على غيرها قدم الأمر المتعلق بها على ما سواه.

وتبقى الأمور السياسية غير قطعية، ولا يمكن أن يتفق الناس عليها، وهي في المحصلة غير ثابتة أو نهائية، بمعنى آخر، لا نحكم على هذه المصالحة بالنجاح؛ لأن هناك العديد من الأمور المرتبطة بها، فإن لم تتحقق فلن يتحقق من المصالحة إلا اسمها ومجموعة من الصور التي جمعت بين الشخصيات المختلفة في غزة!

ولأن الأمور السياسية غير قطعية، ومحل اجتهاد وأخذ ورد، فمن الطبيعي أن نشاهد الاختلاف في تقدير الموقف، بين مؤيد ومعارض، ومرحب ومتحفظ، وهذه ظاهرة صحية لا شك فيها، إذ لا يمكن قولبة العمل السياسي بقالب الثبات، ولا يمكن للجميع أن يتفق على رأي واحد، طالما أنه ليس نصاً قطعياً من القرآن أو السنة، أو معلوماً بالضرورة والبداهة.

لكن هناك فرقاً كبيراً بين الاختلاف في تقدير الموقف، وبين التشكيك والهمز واللمز، وكأن قيادة الحركة قامت بالأمر دون تقدير ودراسة، وبمجرد اندفاعية وتهور دون مراعاة للأحوال والمتغيرات.

هناك فرق كبير بين الاختلاف في تقدير الموقف، وبين التشكيك والهمز واللمز، وكأن قيادة الحركة قامت بالأمر دون تقدير ودراسة، وبمجرد اندفاعية وتهور دون مراعاة للأحوال والمتغيرات

يحق لكل فرد أن يفكر بما يشاء، ويقدر المواقف بما توصله إليه معطياته، فالحركة تقوى بتلاقح الأفكار وتبادلها، ولكن القيادة المنتخبة لن تستطيع أن ترضي الجميع بقراراتها، فلكل موقف أنصاره، وفي النهاية القيادة عليها أن تختار ما تراه أنسب للمصلحة ، كونها في محل المسؤولية، ليست عن الحركة فحسب، بل عن أكثر من مليوني إنسان يعانون من الضيق وشدة الحصار.

تساؤلات

في خضم هذا الأمر، قد يطرح بعض الناس عدداً من التساؤلات فيما يتعلق بهذا الصدد. ومنها:

1- ماذا لو اكتشفنا أن قرار المصالحة كان خطأ فادحاً؟

قرار المصالحة أو عدمه هو أمر سياسي، وكما قلت يرتبط بالعديد من الأمور، وهذا الأمر لا تقوم به جهة ما لوحدها، وإنما تشترك به جهات عدة، ولهذا لا نوقن أن للطرف الثاني حسن النوايا التي ننادي بها، بل ربما كان سعيه لذلك لجلب مفاسد تضر بقضيتنا وشعبنا.
لكن القيادة ليست مطالبة بأن تكون على صواب دائماً في كل قراراتها، خصوصاً في الأمور السياسية؛ لأن هناك تعقيدات كثيرة تتعلق بهذا الأمر، لكن عليها أن تبذل الجهد وتستفرغ الوسع في دراسة الأمر وإعمال الشورى ومناقشته قبل الإقبال عليه، وإلا كان تهوراً غير محسوب البتة.

القيادة ليست مطالبة بأن تكون على صواب دائماً في كل قراراتها، خصوصاً في الأمور السياسية؛ لأن هناك تعقيدات كثيرة تتعلق بهذا الأمر، لكن عليها أن تبذل الجهد وتستفرغ الوسع في دراسة الأمر وإعمال الشورى ومناقشته قبل الإقبال عليه

2- كيف نحمي القضية والمقاومة من غدر الأطراف الأخرى؟

هذا سؤال في بالغ الأهمية، لأن السياسة ليست بريئة، ومليئة بالألاعيب الخبيثة، ونحن علينا أن لا نبالغ في إحسان الظن بالآخرين في العمل السياسي ، فلا يمكن أن ننسى أن العديد من الأطراف –وأولهم الاحتلال- يسعون لتصفية القضية وضرب مقاومتها وإنهائها، ولهذا الأمر يحتاج إلى متابعة دورية للمشهد، وحسن قراءة له من قبل المختصين، والتصرف باتزان يجلب المصلحة لشعبنا ويحمي قضيتنا وثوابتها.

إن على الحركة أن تقرأ المشهد بجميع ألوانه، وتضع كل السيناريوهات المحتملة، والخطط البديلة ، وفي عالم السياسة لا يوجد هناك سيناريو مستبعد، كل الاحتمالات واردة، ومشكلة العديد منا أنهم لا يدرسون إلا السيناريوهات التي يحبونها، اعتماداً على عواطفهم، ثم إذا وقع أمر آخر لم يحسنوا التصرف، وألحقوا أنفسهم والآخرين خسائر عديدة.

في عالم السياسة لا يوجد هناك سيناريو مستبعد، كل الاحتمالات واردة، ومشكلة العديد منا أنهم لا يدرسون إلا السيناريوهات التي يحبونها، اعتماداً على عواطفهم

3- ماذا لو أدت المصالحة إلى تناقص شعبية الحركة وخسارتها في الانتخابات؟

قضية الشعبية هي قضية نسبية، والأصل أن لا ننظر إليها كأساس في اتخاذ القرارات، بل على العكس، إن تمسكك بالسلطة، رغم ما يعانيه الناس من حصار جائر –ليس من قبلك- سيجبر الناس على الانفضاض من حولك نتيجة للأوضاع الصعبة.

لا تتوقع أن كل الناس على إيمان أبي بكر الصديق، أو باقي الصحابة الكرام ، هناك من الناس ممن يتمسكون بمبادئهم وهم قلة، وهناك من يحرصون على دنياهم، وجلب المصلحة لأنفسهم ولمن يعولون.

لكن لا يعني أن تقبل بالمصالحة أن تنسحب من المشهد، وتحبس نفسك في صومعة تعتزل فيها الناس، بل ترتيب المشهد بعد المصالحة أمر مهم، وتسليم المسؤولية لجهة أخرى أحياناً يعتبر مصلحة لك، لمراجعة نفسك، والرجوع إلى قاعدتك الجماهيرية، لتنظر بعين المواطن لا بعين السلطة، وهو ما يعينك على النجاح بشكل أفضل في المرة القادمة.

وما على الحركة إلا السعي، فإن أقنعت شعبها بنفسها اختارها من جديد، وإلا عليها أن تبحث عن آليات أخرى تقنع الناس بها، وتزيد من شعبيتها، وهذا ما يستدعي وجود خطة شاملة لتحقيق هذا الأمر.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب فلسطيني، متخصص في الشريعة الإسلامية والسياسة، مهتم بالإعلام والتربية والتعليم.

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …