لاحظ كل المقربين من خالد أنه يقسو على أحد أبنائه أكثر من أخوته، كما لاحظوا أمرًا آخر، وهو أن خالداً تثور ثائرته عندما يتصرف أولاده بطريقة معينة، مع أن تصرفهم هذا يُعدّ أمرًا طبيعيًا، لا يحتاج ردة الفعل تلك، حتى هو اعترف بنفسه للأخصائي النفسي أنه لا يكاد يحتمل رؤية ابنه هذا، وأنه يحمل له مشاعرَ سلبيةً لا يدري ما هو منشؤها! وبعد عدة أسئلة لم يكن صعبًا على الأخصائي اكتشاف السبب.
ذلك التصرف الذي يُغضِب خالداً من ابنه هو في الحقيقة تصرف يقوم به بنفسه، وعادة يتمنى لو يتخلص منها، إنها تسبب له قلقًا شديدًا، وألمًا نفسيًّا جسيمًا، لكن لا يستطيع أن يتركها، وكأنها أصبحت طاعونًا لا يمكن الشفاء منه، ولا يمكن التأقلم والعيش معه، وقد ورث الأبناء هذا التصرف منه، وكلما رأى أولاده يتصرفون بنفس الطريقة، تذكر نفسه وداهمه نفس الألم، فما يكون منه إلا أن يثور عليهم منتقمًا بذلك من نفسه هو! وخاصةً إذا ترافق تصرفه مع تصرف أحد أبنائه، عندها يزداد ردُّ فعله لأضعاف، وبسبب رِفقه بأولاده أيضًا فإنه يخشى عليهم أن يعانوا من نفس الألم، لذا يحاول بكل ما أُوتي من قوة أن يبعدهم عن هذا التصرف، ويمنعهم من انتهاجه.
لو نظرنا بنظرة متعمقة نجد أن من حق الآباء أن يحاولوا جعل أبنائهم أفضل منهم، وأن يجنبوهم السلوكيات السيئة التي يعانون منها شخصيًا؛ لأن التغيير في فترة الطفولة أسهل، لكن يجب أن يكون ذلك بمعزل قدر الإمكان عن العقد النفسية التي سببتها لهم، والغريب بالموضوع أن هذا السلوك لم يكن سلوكًا سلبيًا، بل هو مجرد اختلاف بين الشخصيات، وبما أننا في المجتمع عندنا نظرة موحدة للشخصية السوية، فإن والد خالد كان دومًا يؤنبه في صغره على هذا السلوك، ويُشعره بالدونية، وحدث أن كان ابن خالد يشبه في الشكل والحركات شكل جده، فكلما رآه خالد تذكر والده، وفاضت في نفسه مشاعر الانزعاج منه، تلك المشاعر الكامنة في داخله منذ الطفولة دون أن يشعر، مما جعله يحمل مشاعر سلبية تُجاه ابنه لا دخل له بها.
من حق الآباء أن يحاولوا جعل أبنائهم أفضل منهم، وأن يجنبوهم السلوكيات السيئة التي يعانون منها شخصيًا؛ لأن التغيير في فترة الطفولة أسهل، لكن يجب أن يكون ذلك بمعزل قدر الإمكان عن العقد النفسية التي سببتها لهم
هكذا يدفع أبناؤنا ثمن ما لم يقترفوه، ليس ذنبهم إن كانوا يشبهون أحدًا ما لا نحبه، لا يُعقل أن تكره الأم ابنها؛ لأنه يشبه زوجها الذي يعاملها بقسوة، وليس من العدل أن تُعامل البنت بشدة؛ لأنها تشبه جدتها أو عمتها، ومن غير المنطقي أن يُلام الصبي على شبهه لأبيه مثلًا، وإن كنا غير متقبلين لأنفسنا، وغير متقبلين لعادة ما أو سلوك ما عندنا، فالحل أن نلجأ إلى أهل الاختصاص ، رغم أن الإنسان في كثير من الأحيان يمكنه اكتشاف ذلك بنفسه، فيما لو جلس معها جلسة صراحة، وطرح عليها أسئلة شفافة بخصوص مشاعره، ولا أدري إن كنت سأفاجئكم إن قلت لكم: إن هذه الحالة تتكرر كثيرًا في بيوتنا، وهي من الأسباب غير المباشرة لعصبيتنا.
أما عن أحلام الآباء التي ضاعت أو تأخرت، فماذا عساي أقول!
تلك الأحلام التي كان فريضة على الأبناء تحقيقها، من دون تردد أو تلكؤ، كثير من الآباء يريدون لأولادهم أن ينجحوا بالطريقة التي يريدونها، وفي المجال الذي يريدونه؛ لأنهم يعتبرون ذلك الفرصة الأخيرة؛ لتحقيق أحلامهم التي لم يستطيعوا هم تحقيقها؛ لأنهم يعتبرون ذلك انتصارًا شخصيًا لهم، في الغالب نحن نربي أبناءنا من أجلنا وليس من أجلهم، وهذا سبب عدم تقبّلنا لاختلافهم عنا ، وهذا سبب تكليفنا لهم بدفع ثمن أحلامنا المهدورة، وإلا فالعقوبة ستكون النبذ وعدم الرضا عنهم، وإشعارهم بخيبة أملنا فيهم وتحميلهم مسؤولية ما لم يقترفوه