أبو يزن (28 عاماً) اعتاد مناداة زوجته أمام الآخرين بـ "يا مَرَة" –أي: امرأة-، أو "يا بنت"، وكان يخجل من مناداتها باسمها أو لقبها، حتى إنه عندما سُئل إن كان قد سبق ومدح زوجته أمام أحد؟ استهجن الأمر وقال: "إن ذلك عيب، ولا يمكن أن يفعل ذلك"؛ لأنه يرى من وجهة نظره أن ذلك يؤدي لانتقاص رجولته وهيبته خاصةً أمام أصدقائه، كما أنه يتوقع إن فعل ذلك أن تغترَّ زوجته بنفسها، على حد وصفه!
فهل مدح #الزوجة أمام الآخرين يُعدُّ عيباً؟ وما هي حدود المدح؟ وما الذي يمنع بعض الرجال من مدح زوجاتهم؟ هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها التقرير الآتي:
الثقافة والحكم الشرعي يحكمان المدح
الدكتور ماهر السوسي -عميد كلية الشريعة والقانون في الجامعة الإسلامية بغزة- قال لـ"بصائر": "إن الثقافة التي يتمتع بها أي إنسان لها تأثير على سلوكه وتصرفاته بشكل عام، ويضاف إلى ذلك فهم الحكم الشرعي لأي تصرف من تصرفات الإنسان، وهذان الأمران لهما تأثير في نظرة المجتمع بشكل عام، ونظرة الرجال بشكل خاص في قضية مدح الزوجات".
وتابع: "جرت عادة الناس -في مجتمعنا، وارتكازاً إلى ثقافتهم- أن الحديث عن النساء في مجالس الرجال بشكل عام أمرٌ محرجٌ، وحديث الرجل عن زوجته بشكل خاص أمام الرجال هو حديث محرج، ولا ينبغي أن يكون"، مضيفاً أن تلك الثقافة –حقيقة- سادت في مجتمعنا بغض النظر عن كونها صحيحة أو غير ذلك.
وأوضح السوسي: "أن هذه الثقافة فيها شيء يُجانب الصواب ويبتعد عنه، وفيها شيء هو صواب، ويتوافق مع الحكم الشرعي"، لافتاً إلى "أن الحديث عن النساء هو حديث ينبغي أن يكون فيه الكثير من التحفظ، وأن لا يتعرض لما فيه إظهار من عورات النساء، أو لا يكون بشكلٍ مثير للغرائز والرغبات".
وأردف قائلاً: "وإذا كان الحديث عن النساء خالياً من هذين الشرطين، فهذا يعني أن الشرع لا يمنعه، وخصوصاً في الشؤون العامة التي تهم الناس جميعاً، ولا تُعَدُّ من الخصوصيات التي يجب أن يُحافظ عليها".
كيف يكون المديح مباحاً أو محرما؟ً
وذكر السوسي: "أن صور المديح كثيرة ومتعددة، وكل صورة منها تأخذ حكماً شرعيًا يختلف عن الآخر، مشيراً إلى أن المديح ينقسم قسمين:
أولاً- مديح بكلماتٍ لا تُظهر محاسن المرأة وجمالها وصورتها، وهو مديح تُستخدم فيه كلمات لا تخدِش الحياء، ولا تخرج عن الأدب وقواعد الأخلاق، مبيناً أن المديح إذا كان بهذا الشكل، بمعنى: أن يمتدح الرجل تصرفاً من تصرفات زوجته على أن يكون هذا التصرف من التصرفات العامة، كأن يمتدح تربية زوجته لأبنائه، ونظافة زوجته، وهمتها ونشاطها في أعمال بيتها، ومهارتها في الطبخ، فهذا كله أمر غير محرج، ولا يخالفه الشرع بأي حالٍ من الأحوال وهو مباح، وهذا ما كان يفعله الرسول صلى الله عليه وسلم، عندما كان يمتدح زوجاته، حيث كان يمتدحهن بحُسن خلقهن وعلمهن".
واستدل السوسي في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (خذوا نصف دينكم عن هذه الحميراء) [ذكره ابن الأثير في النهاية]. وكان يقصد السيدة عائشة -رضي الله عنها- عندما أمر الصحابة أن يأخذوا العلم عنها؛ لأنها كانت تحفظ أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، منوهاً إلى أن المقصود بكلمة "الحُميراء" هو تصغير للحمراء؛ حيث كانت السيدة عائشة بيضاء ويشوبها شيء من الحمرة؛ من أجل ذلك نعتها النبي صلى الله عليه وسلم بالحُميراء.
ثانيا- وبالعودة إلى القسم الآخر من المديح، أوضح السوسي: "أنه يتمثل بأن يمتدح الرجل زوجته في جمالها، وجمال شعرها، ولون بشرتها، وفي حُسن غنائها وصوتها، وكل الأشياء التي هي من خصوصيات المرأة، والتي لا يجوز أن تظهر أمام الرجال، مؤكداً أنه إذا قام الرجل بامتداح زوجته بتلك الأمور فهذا حرام، ومنهي عنه، خصوصاً إذا كان الأمر يخدِش الحياء، ويتعارض مع الأخلاق والآداب العامة.
السوسي: إذا امتدح الرجل زوجته في جمالها، ولون بشرتها، وفي حُسن غنائها وصوتها، وكل الأشياء التي هي من خصوصيات المرأة والتي لا يجوز أن تظهر أمام الرجال، فهذا حرام ومنهي عنه، خصوصاً إذا كان الأمر يخدش الحياء، ويتعارض مع الأخلاق والآداب العامة
وشدد على أن الشرع قد منع إظهار العورات، أو وصفها كما جاء في قوله تعالى: {قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} [النور:30]، وقال: "إننا منهيون عن النظر والتلصص على عورات الناس، وعندما يأتي رجل ويمدح زوجته بما هو عورة فيها فهذا محرم وغير جائز".
من هم الذين يجوز المدح أمامهم؟
وحول الأشخاص الذين يجوز المدح أمامهم، نوه السوسي إلى: "أن الأمر يتعلق بنوع #المدح، لافتاً إلى أنه يمكن للرجل أن يمدح زوجته أمام أي أحدٍ إذا كان الأمر يتعلق بأنها ماهرة بالطبخ، وامرأة ذات همةٍ عالية بالسهر على أولادها وتربيتهم، أو أنها ذات نظافة في بيتها، مضيفاً أنه يمكن للرجل أن يمدح زوجته بأنها مثلاً جميلة، ويُظهر محاسنها ومفاتنها أمام إخوتها وأبنائها ومحارمها.
واسترسل "الأمر يتعلق بالمدح نفسه وكيفية الوصف، أما الخصوصيات التي تكون فقط بين المرأة وزوجها، ينبغي أن لا يمدح فيه الرجل زوجته أمام أي أحدٍ على الإطلاق".
تأثير المديح على الزوجة
وأشار السوسي إلى: "أن الإنسان بشكل عام يُحب أن يُمتدح، ويتطلع الناس على محاسنه، وما فيه من ميزات إيجابية ترفع من قدره بين الناس، مبيناً أن مدح الزوج لزوجته قد يزيد من همتها، ونشاطها، ويزيدها ثقةً فيه، وهذا هو الأهم، فإذا امتدح الرجل زوجته أمام من يصح أن يمتدحها، فهذا يعني زيادة ثقة الزوجة بزوجها؛ لأن المدح فيه إعلام وتقدير لزوجته، وهذا يقرب زوجته منه أكثر، ويكون هذا المدح دافعاً لها بأن تحافظ على هذه الإيجابيات التي يمتدحها الزوج بها، على حد تعبيره".
السوسي: إذا امتدح الرجل زوجته، فهذا يعني زيادة ثقة الزوجة بزوجها لأن المدح فيه إعلام وتقدير لها، وهذا يقرب زوجته منه أكثر، ويكون هذا المدح دافعاً لها بأن تحافظ على هذه الإيجابيات التي يمتدحها بها
رسالة لمن يعزف عن مدح زوجته
وفيما يخص الأزواج الذين يعزفون عن مدح زوجاتهم، ويعتبرون ذلك انتقاصاً لرجولتهم، قال السوسي: "إن هذه ثقافة خاطئة على الإطلاق، فكيف يكون الأمر كذلك، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يمدح زوجاته، ويكون معهن وفي خدمتهن ومساعدتهن ورفقتهن، وكان يمازحهن ويداعبهن، فهذا الأمر مغلوط، وفيه فهم خاطئ لمعنى الرجولة، بل بالعكس فالرجولة تعني الحنو على الزوجة، والخوف عليها، والعطف عليها، وحمايتها من كل ما يؤذيها، خصوصاً الأشياء المعنوية التي تؤثر على نفسيتها".
المدح وسيلة إيجابية؛ لاستمرار الحياة الزوجية
من جهته قال الدكتور وليد شبير الأخصائي الاجتماعي لـ"بصائر": "إن مدح الرجل لزوجته أمام الآخرين بما تقوم به من أدوارٍ إيجابية وحقيقية داخل البيت، يؤثر إيجابًا على الزوجين، وعلى من يستمع إلى ذلك الإطراء، سواء من ذوي الأرحام والأقارب، أو من أهل الزوجة".
وأضاف: "أنه ينبغي على الأزواج عدم التقليل من قيمة زوجاتهم، بل يجب أن يرفعوا من قيمتهم ويصفوهم من خلال ما يقومون به في البيت، فالمرأة تقوم بأعمالٍ كثيرة جدًا، فحتى لو قصرت في بعض الأعمال، على الزوج ألا يُهينها ولا يُقصر في مدحها؛ لأنه من الممكن أن تقوم بها في المستقبل، وهذا يعتبر دافعاً إيجابياً لها، واستمرارية لحياتها الزوجية".
هل مدح الزوجة عيباً؟
وأكد شبير على: "أن مدح الزوجة أمام الآخرين ليس عيباً؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يمدح زوجاته، والإسلام يحُثنا على مدح الناس، سواء زوجة كانت أو أختاً أو ابنة، فالمدح يُعدُّ شيئاً إيجابياً من قبل الزوج، كما أنه يوطد العلاقات بين الزوج وأهل زوجته، خاصة عندما يسمعون أن زوجها يمدحها، ويرتاح إلى تصرفاتها وأعمالها داخل البيت".
وأشار إلى: "أنه ينبغي على الزوج أن يرفع من قيمة زوجته دائماً وباستمرار، ويشجعها على ما تقوم به من أدوارٍ إيجابية، وفي المقابل يجب على الزوجة أن تبادله ذلك وتمدحه، حتى يستمر بناء الحياة الزوجية استمراراً طيباً".
ما الذي يمنع البعض من مدح زوجاتهم؟
وأوضح شبير: "أن ما يمنع بعض الرجال من مدح زوجاتهم أمام الآخرين، هو التمسك بالعادات والتقاليد، ونظرتهم إلى أن المرأة لا يجب مدحها؛ حتى لا تغتر بنفسها، أو لأن الرجل تربّى على عدم مدح النساء أو البنات أو الزوجات، وهذه صفة سلبية يجب علينا أن نُصححها في أبنائنا حتى المتزوجين منهم، وأن نوجههم إلى مدح زوجاتهم؛ لما له من أهميةٍ كبيرة في نفس الزوجة".
وأردف قائلاً: "للأسف، بعض الرجال يتعالى عن مدح زوجته، ويكون ذلك متأصلاً في نفسيته من خلال تربيته وتنشئته الاجتماعية على الاهتمام بالذكور فقط! وعدم الاهتمام بالجنس الآخر من أخواته أو الإناث ككل، فتراه يجد صعوبة في مدحهم، بل قد يكون اعتاد على شتم المرأة، وهذا خطأ فادح يجب توجيه أبنائنا إلى العناية بأخواتهم وزوجاتهم، وعلينا أن نؤصل هذا الأمر في أطفالنا منذ الصغر حتى ينشؤوا ويعتادوا على ذلك".
وأوضح شبير: "أن المدح هو كلمة طيبة، والكلمة الطبية كشجرة طيبة، والكلمة الخبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من أصلها، لذلك الكلمة الطيبة مهمة جداً، وقرآننا وديننا يحثنا على ذلك، فما الذي نخسره عندما نوجه هذه الكلمة الطيبة إلى زوجاتنا! بل يجب علينا التعود والاستمرار في ذلك".
كيف يؤثر مدح الزوجة على نفسيتها؟
وقال شبير: "إن مدح الرجل لزوجته يرفع من معنوياتها ويشجعها على الانتماء لأسرتها وزوجها، وحب زوجها وأولادها وبيتها أكثر وأكثر، ويشجعها على العمل داخل منزلها، والقيام بأدوارها على ما يرام، حتى لو كانت لا تستطيع ذلك من خلال كلمات الزوج الجميلة والطيبة".
"صنف" يجب الابتعاد عن المدح أمامه!
وذكر شبير: "أن هناك بعض الناس ممن لا نعرفهم معرفة قوية، ينقلون الكلام والمدح، ويؤولونه إلى كلامٍ آخر، وذلك الصنف من الناس يجب الابتعاد عن المدح أمامهم، والالتزام بمدح الزوجة أمام صلة أرحامها، والأقارب، وممن يعرفون الزوجة ويتمنون لها الخير، وعلينا أن نمدح أمام من يستحق أن يسمع هذا المدح؛ حتى يتعلم ويطبق هذا الشيء مع زوجته في المنزل".
شبير: بعض الناس ممن لا نعرفهم معرفة قوية، ينقلون الكلام والمدح ويؤولونه إلى كلامٍ آخر، وذلك الصنف من الناس يجب الابتعاد عن المدح أمامهم، وعلينا أن نمدح أمام من يستحق أن يسمع هذا المدح
الامتناع عن المديح قد يسبب الطلاق!
واسترسل "أحيانا بعض الناس لا يحبون مدح الزوجات أمامهم من قبل الأزواج، ويشعرون بالحقد والغيرة فهؤلاء الأشخاص نتجنبهم؛ حتى لا نتسبب بضرر لنا ولهم".
وختم شبير حديثه بالقول: "إن الزوجة بطبيعتها تحتاج إلى أن تسمع من زوجها الكلام الطيب الجميل في حالة إعدادها للطعام، وترتيب البيت، ورعاية أبنائها، وفي حالة قيامها بوظائفها تجاه زوجها وأهل زوجها، وإذا امتنع الزوج عن مدح زوجته أو تجاهلها ربما تكون هناك قطيعة بين الأزواج، وهذا يُضعف العلاقات الاجتماعية بينهم، ويعمل على تفكك الأسرة، وأحياناً قد يصل الأمر إلى الطلاق!".