الزواج يعتبر من أهم القرارات التي قد يتخذها إنسان، فهو يعتبر قرارًا مصيريًا، وهو إما أن يكون سبباً في سعادة الإنسان وصلاح حاله، أو تعاسته وفساد حياته أو نفسه. وطرق التعارف تتنوع وتختلف، سيما في عصرنا الحالي، فإما أن يتعرف الإنسان على شريك حياته من خلال معارفه، أو زملاء عمله، أو من خلال مواقع الإنترنت التي يتيح الكثير منها تواصلًا مقننًا من خلال الموقع، بحيث لا يتعامل فيها إلا الجادين في الأمر، الذين يقومون برفع الأمر لاحقاً لولي الأمر، بعد التعارف المبدئيّ.
ولكننا نرغب هنا بمناقشة بعض أساليب التعارف، أو الحكم التي يحكم فيها شريك الحياة على رفيقه، والتي لا تعد جوهرية أو حتى أساسية، مع إهمال الكثيرين للسؤال عن الصفات الجوهرية، أو حتى الحرص على التعرف عليها من خلال التعامل المباشر مع الشخص.
1- الحكم من خلال الصورة:
الكثيرون للأسف في دائرة الوساطة والتعارف للزواج يعتمدون على إرسال الصور بين الأطراف المعنية، فإن تمَّ القبول المبدئيُّ من خلال الصورة، كان بها ونعمت، وتمَّ الترتيب للمقابلة الأولى، أما إذا لم تلق الصورة إعجابًا عند أحد الطرفين أو كليهما، تمَّ إلغاء الأمر برمته. وهذا كما أرى، من سوء الحكم وضيق الأفق. ذلك أن الصورة في كثير من الأحيان لا تكفي للتعبير عن الشخص وحقيقة معدنه. وغنيٌّ عن الذكر بأن العديد من وسيمي المظهر، هم في الحقيقة سيّئو الخلق، هلاميو الفكر، والكلام نفسه يقال عن الفتيات. ورغم كثرة النصح بالحرص على انتقاء معدن الشخص، والتقليل من أهمية مظهر الإنسان، إلا أننا كثيرًا ما نرى عكس ذلك في واقع تصرفات الناس.
الصورة في كثير من الأحيان لا تكفي للتعبير عن الشخص وحقيقة معدنه. وغني عن الذكر بأن العديد من وسيمي المظهر، هم في الحقيقة سيئو الخلق، هلاميو الفكر، والكلام نفسه يقال عن الفتيات
وقد يقول قائل إن النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أمر صحابيًا حين عرف بخِطبته لامرأة، فقال له: (انْظُرْ إِلَيْهَا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ يُؤْدَمَ بَيْنَكُمَا) [رواه الترمذي]. والرؤية التي يقصدها النبي صلى الله عليه وسلم هي الرؤية وجهًا لوجه قطعًا. وقد يردُّ قائلٌ فيقول: لأنه لم يكن في زمانهم صور، والرد على ذلك هو أنه وإن كان هذا صحيحًا، فهذا لا يجعل الحكم من خلال الصورة منصفًا. فجميعنا يعرف أن الرؤية وجهًا لوجه مع إنسان تختلف كثيرًا عن مشاهدة صورة له، أو عن مكالمة هاتفية. فالمقابلة الشخصية تتيح رؤية واضحة، وشاملة، ومنصفة إلى حد كبير للإنسان، فأنت من خلالها تطلع على شكله، وهيئته، ومظهره، وهندامه، وطريقة جلسته، وأسلوب حواره، ونبرة صوته. وبالتالي يغدو الحكم النهائي على الشخص بالـ "قبول" أو غيره منصفًا إلى حد بعيد.
الرؤية وجهًا لوجه مع إنسان تختلف كثيرًا عن مشاهدة صورة له، أو عن مكالمة هاتفية. فالمقابلة الشخصية تتيح رؤية واضحة وشاملة ومنصفة إلى حد كبير للإنسان
2- اشتراط الجنسية:
وهي من الأمور المثيرة للحيرة والتعجب؛ ذلك أن الجنسية لم تعد تعبر حقيقة عن بيئة الشخص وطبعه، فكثيرون يولدون في مكان، وينشؤون في غيره، ويشبون في مكان ثالث مخالف للأوليْن. أما القول بأن أصحاب جنسية ما لهم طبع كذا، والجنسية الأخرى خلق كذا، فهو لا ريب تعميم غير منصف وغير دقيق، كبقية التعميمات المتعلقة باللون، والجنس والدين، والعرق، والنسب ...إلخ. فكم مالك لجنسية ما لا ينتمي لذات الوطن، ولا أهله ولا لعاداتهم والعكس!
القول بأن أصحاب جنسية ما لهم طبع كذا، والجنسية الأخرى خلق كذا، فهو لا ريب تعميم غير منصف وغير دقيق كبقية التعميمات المتعلقة باللون والجنس والدين والعرق والنسب
3- الدين والخلق، ما عادا الأولوية.
للأسف لم يعد هذا المعيار جوهريًا بنسبة مرتفعة حتى بين أهل الدين أنفسهم، فصار كثيرون يشترطون العمر والشكل، ويحكمون على الشخصية من خلال الصورة! وهذا الأمر -بالذات- فيه بُعْدٌ صريح عن أوامر النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (فاظفر بذات الدين تربت يداك) [رواه البخاري ومسلم]. وإن دل حرص كثير من الشباب -في اختيار شريكة حياتهم بهذه الطريقة- على شيء، فإنما يدل على سطحية الفكر، والفهم القاصر للدين، وغياب المقاييس الصحيحة للحكم على الشخص. وقد أدى هذا تدريجيًّا لارتفاع نسب الصدمات بعد الزواج، وعليها نسب حالات الانفصال والطلاق. وكما قالت خاطبة بعد سنين من الاشتغال بهذا العمل لبعض الشباب الذين يظهرون متدينين، ثم يطلبون منها عروسًا جميلة وإن كانت متبرجة: "أتريدون عروسًا بمقاييس تدينكم، أم شهواتكم!"
4- البحث عن الحب قبل الزواج:
التأثر بالمسلسلات، والأفلام، والقصص الرومانسية لم يزل يؤثر على هذه الظاهرة. فترى إعراض الكثيرات من الفتيات عن الزواج التقليدي أو ما يعرف في بعض البلدان بـ "زواج الصالونات" بحجة أن المتقدم لا يعرفها -شخصيًا- سلفًا، وإنما جاء بناء على ترشيح من قريب أو مديح من وسيط. وهكذا قد ترفض الفتاة عروضًا طيبة لا حصرلها؛ بسبب وهم "علاقة الحب" التي يجب أن تنشأ قبل لقائهما الأول في المنزل! والمعروف في ديننا أن القرب المطلوب بين الزوجين يتلخص في المودة والرحمة والتي منها ينشأ الحب. ولا تتولد هذه المظاهر أو تظهر إلا بكثرة المعاشرة والتعامل، والتي لا تتأتى إلا في فترة التعارف (الخِطبة)، ويليها الزواج. أما أن تحلم الفتاة بأن يأتيها فارس الأحلام الذي يعرفها وتعرفه، وهي لا تملك أي علاقات اجتماعية، وتقضي معظم وقتها في المنزل، وعلاقتها في العمل محدودة، فهي كمن تبحث عن إبرة في كومة من القش!
في الختام، أهيب بكل من يُقبِل على هذه الخطوة الخطيرة أن يأخذها بجدية؛ لأهميتها وخطرها. ومن هذا المنطلق، يجب أن تكون المعايير والأسس التي نختارها لأنفسنا، ونحكم بها على غيرنا نابعة من ديننا، ومنصفة لغيرنا بصورة نرضاها نحن لأنفسنا. أي باختصار أن نكفّ عن الحكم بالمظهر، ولننطلق إلى تقييم معدن الإنسان!