"إنَّ كلماتنا تظل عرائس من الشمع، حتّى إذا متنا في سبيلها دبّت فيها الرّوح وكتبت لها الحياة".. هي كلمات روّاد الدعوة الإسلامية الذين كانت كلماتهم ومواقفهم تخيف أهل الباطل في كلّ زمان ومكان، لقد عاشوا لهذه الكلمات وضحّوا من أجلها سجناً وتعذيباً، ومنهم من قضى شهيداً في سبيلها، من هؤلاء الثلة الذين عاشوا محنة السجن والتعذيب، امرأة مجاهدة تعدّ إحدى أركان العمل الإسلامي النسائي في الأمّة العربية والإسلامية ..
سجنت أكثر من 7 سنوات في سجون عبد الناصر، وتعرّضت لأبشع التعذيب .. ودوّنت كتاباً يعدّ وثيقة ذات أهمية كبيرة وسجلاً ذات قيمة لحقبة تاريخية مهمة للدَّعوة الإسلامية، وفيه تفاصيل وأحداث وقعت ما بين (1964 إلى 1971)، ووثّقت فيه أسماء ستظل خالدة في العمل الإسلامي ومواقف شاهدة ستبقى ترويها الأجيال؛ إنَّها الحاجة المجاهدة زينب الغزالي، وإنَّه كتابها "أيام من حياتي"، فإلى التفاصيل:
مع الكتاب:
تقول الحاجة زينب الغزالي – رحمها الله – في مقدمة الكتاب، شارحة الهدف من تأليفه ونصيحة روّاد الدعوة في ضرورة تسجيل تلك المرحلة التي عاشتها الدعوة الإسلامية، تقول: "نازعتني فكرة الكتابة عن "أيام من حياتي " وتردَّدت كثيراً. غير أنَّ الكثرة ممن أثق في إيمانهم بالقضية الإسلامية، وهم من أبنائي وأخواني روّاد الدعوة وبناة فكرها الذين عاشوا معي تلك الأيام، رأوا أنه من حقّ الإسلام علينا أن نسجل تلك الحقبة من الأيام التي عاشت فيها الدعوة الإسلامية محاربة من قوى الإلحاد والباطل في الشرق والغرب".
وتضيف الكاتبة بأنَّ تلك القوى المعادية للإسلام، قامت "لتقتل كلمة الحق ورافعي لوائها وكل دعاتها الفاهمين المصارحين بشجاعة وصدق بأنَّ كتاب الله وسنة رسوله معطّلان ولابدَّ من قيام الكتاب والسنة، ولابدَّ من عودة الأمة الإسلامية بكل مقوماتها إلى أرض الإسلام لتحقق الصورة العملية العملاقة بعودة مجتمع التوحيد والعلم والمعرفة والصلة الحقيقية بالله سبحانه وتعالى، فتنطوي مجتمعات الجاهلية التي أعمت البشرية عن طريقها السوي وشغلتها بغثائها عن طريق الله .. طريق الحق، فيعملوا على تطهير الأرض من تأليه البشر، وعبادة طواغيت الأرض بإتباع تشريعاتهم وتعطيل شريعة الله، وتعود الحياة بنبضات الوجود الحقيقي الذي كانت به الأمَّة في عصر النبوة وصحبه المباركين رضوان الله عليهم جميعاً خير أمَّة أخرجت للناس".
وقد أهدت الكاتبة هذا المؤلف إلى:
الأرواح الطاهرة الزكية التي صعدت إلى بارئها، فرحة بفضل الله عليها ورضوانه.
إلى النفوس النقية التي أزهقت في سبيل ربها ، وذهبت إليه تشكو ظلم البشرية وطغيانها. .
إلى الدماء التي سالت لتكون موجا هادرا يدفع الأجيال عبر التاريخ إلى طريق ربها.
إلى الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله وفى سبيل الإسلام، فضحوا وفدوا فكانوا في الأرض الأوفياء ، وفى الآخرة الخالدين الفائزين.
تتناول زينب الغزالي في كتابها "أيام من حياتي" سيرتها الشخصية، حيث تروي فيه العلاقة المنقطعة بينها وبين جمال عبد الناصر في فترة حكمه، حيث تدور محاور الكتاب وتجري الأحداث في فترة زمنية مرَّت بها الحياة السياسية في مصر، وهي الفترة التي حكم فيها جمال عبد الناصر، وتذكر الحاجة زينب أنَّ عبد الناصر كان يحاول أكثر من مرَّة استمالة قلمها وفكرها الإسلامي للدخول في حكومته، حيث رشّحها لمنصب وزيرة التنمية الاجتماعية!
وقسّمت المؤلفة الكتاب إلى سبعة أبواب: الباب الأول جاء بعنوان : "عبد الناصر يكرهني شخصيا!". والباب الثاني حمل عنوان : "وكانت بيعة" . والباب الثالث كان بعنوان: "المؤامرة". أما الباب الرابع فعنونته بـ: "مع شمس بدران زنزانة الماء ! ! ! والجريمة".
والباب الخامس حمل عنوان: "وسمع فرعون!"، والباب السَّادس: "محكمة"، أمّا الباب السَّابع والأخير، فجاء بعنوان : "الانتقال إلى سجن القناطر5 يونيو".
المساومة ثمَّ المخادعة!
تقول الحاجة زينب، رحمها الله، : "أخذ رجال المباحث والمخابرات الناصرية يطلبون مقابلتي ويعرضون عروضا لإعادة المركز العام للسيدات المسلمات. وكانت هذه العروض تكلفني أن أشترى الدنيا بالآخرة . وعلى سبيل المثال عرضوا على إعادة إصدار مجلة السيّدات المسلمات باسمي كرئيسة للتحرير وصاحبة الامتياز مقابل 300 جنيه شهرياً، على أن لا يكون لي شأن بما يكتب في المجلة. وكان جوابي : مستحيل أن تصدر مجلة السيدات المسلمات من مكاتب المخابرات لتنشر علمانية عبد الناصر، فأنا لم أعتد إلا أن أكون مسئولة مسؤولية فعلية . كذلك عرضوا على إعادة المركز العام وصرف إعانة قدرها عشرون ألف جنيه سنوياً، على أن يكون من مؤسّسات الاتحاد الاشتراكي..وكانت إجابتي: إن شاء الله ، لن يكون عملنا إلاّ للإسلام".
تحت عنوان: "الموت . . والطغاة، تقول الكاتبة: قد ينسى الطواغيت المستبدون أو يتناسون أنهم لابد سيشربون من الكأس : كأس المنية . كأس الرّجوع إلى الله تعالى، يتناسون ذلك فيتجبرون ويطغون ويبطشون ويعذبون، والزّمن عجلته تسير بمشيئة الواحد القهار، وبتعاقب الليل والنهار، وتولد أجيال وتنقضي أعمار ، وتبلى أجساد وتنزع أرواح انتزاعا فلا يستطاع ردها.{فلولا إذا بلغت الحلقوم ، وأنتم حينئذ تنظرون، ونحن اقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون ، فلولا إن كنتم غير مدينين ، ترجعونها إن كنتم صادقين}. (الواقعة)".
وتضيف: "وفي وسط حياتنا المزدحمة بما نرى ونشاهد من صور تعكس حقيقة البشرية من حولنا ، وانحدارها وهبوطها إلى أعماق سحيقة من الرذيلة والانحطاط ، تناقل الناس في سجن القناطر نبأ موت عبد الناصر وهم حزانى يبكون . والله يعلم أننا ما كنا يوما شامتين في موت أحد . . فهذه آجال وأعمار مقدرة مقدار، فلا يعدو إنسان أجله ولا يستبقى من عمره شيئاً . ولكنَّ الموت نذير البشرية وناقوس فنائها : أن أفيقوا من سباتكم ودعوا طغيانكم وجبروتكم ، فذلك لا يغنى شيئا، ستتركون قوتكم وبطشكم ، ومالكم وسلطانكم ، وجندكم وحزبكم والأهل والأولاد، ستتركون كل ذلك وراءكم ظهريا وتحشرون إلى الله تعالى حفاة عراة كما ولدتكم أمهاتكم!".
وبعنوان "مساومة أخيرة"، تروي المؤلفة في ختام الكتاب، جزءاً من المساومة التي عرضت عليها من قبل ضابط الأمن، تقول: "ثمَّ دار بيني وبينه حديث كان عبارة عن جملة أوامر وجهها لي كان ملخصها أن لا أمارس النشاط الإسلامي، وأن لا أتزاور بيني وبين إخواني ومعارفي في الله، ولا تعاون بيننا ولا تواد، وأن أتردّد على مكتبه بين الحين والحين .فقلت له لما فرغ من حديثه: الكلام الذي وجهته إلى أرفضه جملة وتفصيلا، بل أرفض قرار الأمر بالخروج وبلّغ المسؤولين بذلك وأطلب عودتي فوراً إلى سجن القناطر".
مع المؤلف:
هي زينب محمَّد الغزالي الجبيلي.
ولدت في 2 يناير 1919م، في قرية ميت يعيش مركز ميت غمر محافظة الدقهلية.
كان والدها من علماء الأزهر، وغرس فيها حب الخير والفضيلة والقوة في الحق، وكان يسميها "نسيبة بنت كعب" تيمناً بالصّحابية الجليلة "نسيبة".
درست زينب الغزالي في المدارس الحكومية، وتلقت علوم الدين على يد مشايخ من الأزهر ، فبعد وفاة والدها انتقلت مع والدتها إلى القاهرة للعيش مع إخوتها الذين يدرسون ويعملون هناك ولم يوافق أخوها الأكبر محمد على تعليمها رغم إلحاح زينب وإصرارها.
وكان يقول لوالدته: إنَّ زينب قد علمها والدها الجرأة، وألا تستمع إلا لصوتها ولعقلها.. ويكفيها ما تعلمته في القرية.
أسّست جمعية للسيدات المسلمات لنشر الدعوة الإسلامية، سنة 1937م، واستطاعت أن تستقطب في وقت قصير نخبة من سيدات المجتمع.
بدأت صلتها بجماعة الإخوان المسلمين بعد تأسيس جمعيتها بأقل من عام، واقترح عليها الإمام حسن البنا مؤسس الجماعة ضم جمعيتها إلى الإخوان وأن ترأس قسم الأخوات المسلمات في الجماعة، لكنَّها رفضت في البداية ثم عادت إلى التنسيق مع الإخوان بعد عام 1948 وأصبحت عضواً في الإخوان المسلمين، وكلفها الشيخ البنا بدور مهم في الوساطة بين جماعة الإخوان والزعيم الوفدي مصطفى النحاس رئيس وزراء مصر حينها، كما لعبت دورا مهما في تقديم الدعم والمساندة لأسر الإخوان المعتقلين بعد أزمة 1954 مع قادة ثورة يوليو 1952.
في عهد الثورة رفضت مقابلة الرئيس جمال عبد الناصر، ورفضت أن تخضع جمعيتها "السيدات المسلمات" لإشراف الاتحاد الاشتراكي، فصدر قرار حكومي بحل الجمعية ثمَّ اعتقلت في أغسطس 1965 وسجنت 6 سنوات تعرّضت خلالها لاضطهاد شديد سجلته في كتابها "أيام من حياتي".
توسط الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز للإفراج عنها فتم له ذلك في عهد الرئيس الراحل أنور السادات.
لزينب الغزالي رؤية لمستقبل المرأة المسلمة، ترى فيها أنَّ تطوير العالم الإسلامي وتحديثه يجب أن يتم أيضاً عبر المرأة، كما أنَّ النهضة بالمجتمع "تبدأ وتنتهي عندها".
لها إسهامات بارزة في الصّحافة الإسلامية، وعددٌ من الكتب منها: "نحو بعث جديد"، و"نظرات في كتاب الله"، "إلى ابنتي". وكانت تطمح أن تكون أوَّل امرأة تكتب تفسير القرآن، وبالفعل نجحت في ذلك وظهر المجلد الأوّل واستقبل استقبالاً حسناً.
زارت الكثير من الدول العربية والإسلامية لنشر الدعوة الإسلامية، ولإلقاء المحاضرات الدينية في الدعوة إلى الله تعالى .
أمضت في حقل الدعوة 53 عاماً، التقيت فيه بكل رجال الدعوة الكبار. وتأثرت بشخصيات كثيرة منهم: حسن البنا، هو الأكثر تأثيراً في نفسها وضميرها.
توفيت الحاجة زينب الغزالي، يوم الأربعاء 3 أغسطس 2005م، في القاهرة عن عمر يناهز 88 عاماً، وشيّعت في جنازة مهيبة حضرها الآلاف من مصر وخارجها.
بطاقة الكتاب:
العنوان: أيام من حياتي
المؤلف: الحاجة زينب الغزالي.
دار وسنة النشر: دار النشر والتوزيع الإسلامية، 1990م.
عدد الصفحات:244 صفحة.