يقول رب العزة تبارك وتعالى في كتابه العزيز: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{ [سُورة "الحَج":77].
في هذه الآية القرآنية الكريمة، فإن الملاحَظ أن الأمر الإلهي للإنسان بفعل الخير جاء بعد أمر رب العزة سبحانه بعبادة الله عز وجل مباشرة.
وهو أمر كثير ما ورد في القرآن الكريم، فيقول الله تعالى: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا فَاسْتَبِقُواْ الْخَيْرَاتِ} [سُورة "البقرة": من الآية 148]، وفي سُورة "المؤمنون" يقول تعالى في وصف صفات المؤمنين: {أُوْلَئِكَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ(61)}، وفي سُورة "آل عمران"، يقول تعالى: {لْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104)}.
ومن تفاسير عديدة لآيات قرآنية، وأحاديث نبوية شريفة مقاربة في الصياغة؛ أي جاءت أمور مدعوٌّ إليها بعد عبادة الله عز وجل، مثل برِّ الوالدَيْن، أو منهيٌّ عنها بعد الشِّرْك والكفر به والعياذ بالله، مثل عقوق الوالدَيْن وشهادة الزور؛ حيث توضع الأولى في مرتبة الفريضة، والثانية في مرتبة الخطيئة، فإنه وفق هذا المنطق في تفسير النص القرآني والحديث النبوي، فإن فعل الخير يأتي مباشرة في القيمة لدى الله عز وجل، بعد عبادته. بل إنه هو صنو العبادة، ولا يتم إلا بها كما جاء في القرآن الكريم.
وكما في الآيات السابقة، ما يؤكد أنه من خِصَال المؤمنين، مع الصلاة والزكاة والصوم وغير ذلك من مفردات الإيمان، وأنه –كذلك– من سمات أمة الإسلام كما في آية سُورة "آل عمران".
والحديث النبوي الشريف كذلك أكد على هذا، فلدينا في السُّنَّة النبوية الشريفة، قولٌ للرسول الكريم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- ومن المعروف أن القرآن الكريم يُفسَّر ويُوضَّح بالقرآن الكريم وبالسُّنَّة النبوية- أقول: إن لدينا قولاً أو توجيهاً نبويّاً يقول فيه النبي عليه الصلاة والسلام: (أحب الناس إلى الله أنفعهم)، ويقول صلَّى اللهُ عليه وسلَّم- أيضًا-: (خير الناس أنفعهم للناس).[رواه الطبراني].
وبالتالي فإن أصلح صور الخير، وأكثرها وفق هذا المنطق التفسيري التكاملي للقرآن الكريم والسُّنَّة النبوية الشريفة؛ هو أن ينفع الإنسانُ الناسَ، وبالتالي فإن نفع الإنسان للناس، هو صنو عبادته لله عز وجل، وتكتمل عبادته لله عز وجل بخدمة الناس وفعل الخير لهم.
إن نفع الإنسان للناس، هو صنو عبادته لله عز وجل، وتكتمل عبادته لله عز وجل بخدمة الناس وفعل الخير لهم
والأمر في ذلك واسع، ويخرج عن نطاق العمل الخيري بمفهومه القريب الذي يضم الأنشطة التي يقوم بها فردٌ أو جماعة من الناس، بهدف مساعدة الآخرين أو تطوير المجتمع من خلال التطوع أو التبرع؛ حيث يشمل الأمر–كما هي عادة الإسلام في أموره الشمولية– الكثير من الصور الأخرى.
فهناك حماية الأرواح، وإغاثة الملهوف، وكف الأذى، ومعاونة الآخرين في أمورهم الحياتية، اليومية والعامة، والتصدُّق، وإخراج الزكاة، وبناء العمران النافع، سواء كان بيتًا للمحتاجين أو مدرسةً، أو زراعة أرض والتصدُّق بعطاء الله تعالى فيها، وإشاعة روح السلام والمودة والمحبة بين الناس؛ لحماية أواصر الرابطة بينهم، وغير ذلك الكثير والكثير من الصور.
وهذه الأمور ليست من نافلة القول، وليست كما يتصور البعض تخص العاملين في حقل العمل الخيري أو المجتمع المدني، ومجال نقاشاته، مثل صالونات الحوار والندوات، وإنما هي من صميم العمران الإنساني الناجح.
هذه الأمور ليست من نافلة القول، وليست كما يتصور البعض تخص العاملين في حقل العمل الخيري أو المجتمع المدني، ومجال نقاشاته، مثل صالونات الحوار والندوات، وإنما هي من صميم العمران الإنساني الناجح
فهي -أولاً- تساعد على إيجاد مجتمعات مستقرة سوية، وكذلك مترابطة، وهو ما يقود إلى توحُّدها، وكلها من أهم الأمور التي تضمن نجاح هذه المجتمعات، وقدرتها على التصدي لمشكلاتها، ومواجهة أزماتها، ولا سيما الأزمات المفاجئة، مثل الكوارث الطبيعية، أو في أوقات الحروب والصراعات، وتقيها كذلك مؤامرات الخصوم عليها.
ففعل الخير–إذًا– هو قضية سياسية بامتياز؛ لأنه يضمن حماية الأمن القومي للمجتمع والدولة، عندما نناقشه من مثل هذه الزوايا.
وهو أمرٌ بديهي، فطالما أنها دعوة قرآنية وأكدت عليها السُّنَّة النبوية بالقول والفعل؛ فإنه بكل تأكيد هناك مصلحة في ذلك، وهناك ضرورة له؛ لكي تستقيم حياة البشر.
وبالتالي فإن الإنسان السوي، الخيِّر، هو الذي يلعب أدواراً إيجابية في حياة مَن حوله، وفي الوسط المحيط به .
وقد يقف البعض بسبب محدودية الأثر كما يرى، وهنا من الواجب التنبيه إلى أنه مهما كان الجهد الإصلاحي بسيطًا، فإنه لو تم تعميم هذا النموذج القرآني والنبوي؛ سيكون للتراكم أثرًا مجتمعيًّا شاملاً.
ويتضمن ذلك نقطة التعاون، وأن تسود روح التعامل الإيجابي مع الأمور لدى مَن يقوم بذلك. أو ما يقول عنه مدربو التنمية البشرية: أن تتحلَّى بالطاقة الإيجابية، وأن تنشرها فيمَن حولك.
كذلك فإن الإنسان منوط به العمل، والمبادرة، في مقابل عدم انتظار النتائج لاستكمال العمل؛ حيث التكليف هو المطلوب منه، أما النتيجة فهي لله تعالى وحده، وهو القادر على أن يجعل من الجهد الفردي البسيط؛ أثرًا شاملاً.
الإنسان منوط به العمل، والمبادرة، في مقابل عدم انتظار النتائج لاستكمال العمل؛ حيث التكليف هو المطلوب منه، أما النتيجة فهي لله تعالى وحده، وهو القادر على أن يجعل من الجهد الفردي البسيط؛ أثرًا شاملاً
وقد سأل سيدنا إبراهيم عليه الصلاة والسلام ربَّه سبحانه وتعالى، عندما أمره الله بأنْ يؤذِّن في الناس بالحج فقال: "يا رب أنا إذا ناديت أين يبلغ صوتي؟ فقال الله تعالى: عليك النداء وعلينا البلاغ".
وحريٌّ بالمسلم أن يدرك أنه عندما يفعل الخير فإنه أول من سوف يحصد ثماره، حتى لو كان جهدًا بسيطًا، فالله تعالى سوف يجازيه الخير بما فعل، وهو يضاعف لمن يشاء، كما أن الإنسان سوف يستفيد من صلاح حال المجتمع بعمله، عندما يحيا في مجتمع مشرق مستقر مترابط، كما أنه سوف يجد من يقوم بالخير له، لو وقع في أزمة أو مشكلة أو ما شابه.
إذًا فالمنطق القويم يقول: بأن الإنسان عليه أن يستجيب إلى هذه الأمور؛ لأنه هو أول المستفيدين منها، والله تعالى بيّن في كتابه العزيز أن كل ما يقوم به الإنسان؛ خيرًا أو شرًا، إنما هو عائدٌ إليه، ومن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه.