إن أعداء الإسلام لا يألون جهداً ولا يدّخرون طاقة ولا يَدَعون مناسبة إلا أساؤوا للإسلام وأثاروا الشبهات وزَوّروا وزَيّفوا ولَبّسوا دين الله على عباد الله، فالإسلام عندهم دينٌ إرهابيٌ، ذكوريٌ، مقيدٌ للحريات، لا يقبل معارضيه، ولا يتقبّل الرأي الآخر، وغيرها من الاتهامات الزائفه -كذبوا وضلّوا وأضلّوا -، ولا دليل لديهم إلا ما سَوّلته لهم نفوسهم الفاجرة و عقولهم الضالّة و قلوبهم المريضة و نطقت به ألسنتهم السليطة وما خفي كان أعظم، فكان من واجبنا أن نُخرس تلك الألسنة بالعلم والحُجة و نُجّلّي الحقائق ونكشف الخفايا ونُظهر الحق لخلق الله - بإذن الله - لنبرأ إليه من هذا العته والدجل والسفه.
وذلك بإذن الله في سلسلسة نسأل الله أن يُتمّها على خير ويتقبلها ويقبلها.
الشُبهة التي نستعرضها معاً هي عنوان المقال: "الإسلام دين ذكوري"!!
يزعم أولئك أن الإسلام قد ميّز الرجل على المرأة وفضّله عليها وما هذا بديننا أبداً، ويستدلون على تلك الشبهة بآيات وأحاديث جهلوا معناها ومراد الله ورسوله منها.
كيف يكون هذا وقد جعل الله سورة باسمهن في كتاب يُتلى إلى قيام الساعة؟!
كيف هذا وقد حرّم الله الوأد وذمّه ذمّاً عظيماً؟!
كيف هذا وقد كان من وصايا سيد المرسلين "استوصوا بالنساء خيراً"؟!
كيف هذا وكتب السير تَعُج بإحسان سيدنا رسول الله لنسائه وبناته -عليهن رضوان الله -؟!
ولكن صدق القائل:
لقد أسمعت لو ناديت حياً... ولكن لا حياة لمن تنادي
وقد أثار أولئك القوم بعض الشبه ومنها:
أولاً: ميراث المرأة
يزعم أولئك أن الإسلام فضّل الرجل على المرأة في الميراث ويستدلون بقول الله تعالى (لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْن) ولجهلهم أو لحقدهم ما بحثوا عن تفسير هذه الآية وما علموا ما هي الحالات التي تُطَبّق فيها هذه الآيه وما علموا -أو علموا و أخفوا- أن هذه الآية تُطَبّق في أربع حالات فقط بينما تمتاز المرأة على الرجل في أكثر من ثلاثين حالة وما علموا -أو علموا و أخفوا- أن فلسفة تقسيم الميراث لا تنبني على الجنس البتّه، إنما تنبني على ثلاثة أمور:
١- درجة القرابة: فكلما زادت درجة قرابة الوارث بالمورث زادت نسبة الميراث بغض النظر عن كَون الوارث ذكراً أو أنثى، فالبنت ترث أكثر من الأم ومن الأب.
٢- موقع الجيل الوارث من تسلسل الأجيال: حيث إن الجيل المُقبل على الحياة يرث أكثر من الجيل المدبر عن الحياة، وبغض النظر عن كَون الوارث ذكراً أو أنثى.
٣- العبء المالي المُلقى على عاتق الوارث: من هنا تأتي التفرقة بين الذكر و الأنثى وهذا من عظمة هذا الدين وجلاله، لمّا كان من واجبات الإسلام على الذكر أن يُنفق على زوجته وعلى ابنته وعلى أمه كان لابد من تمييزه عنهن في الميراث، لأن المرأة التي لا تُطالَب بالنفقة على الرجل بل لا تُطالَب بالنفقة على نفسها إذا تساوت مع الرجل في الميراث سيكون هذا ظلم عظيم وديننا من الظلم براء.
ثم إن هذا الدين الحنيف قد فضّل المرأة وجعلها ترث بعد أن كانت لا ترث واقرؤوا عن المرأة في الجاهلية لتستزيدوا وتعرفوا قدر هذا الدين.
ثانياً: شهادة المرأة
ويُكررون تلك الشبهة الواهية ويستدلون بآية الدَين {فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَىٰ} فنرد و نقول: إن هذه الآية تتحدث عن دين خاص ولا ينسحب هذا الحكم على كل شهادة، فلا يقول عاقل بأن شهادة الرجل تعدل شهادة امرأتين على الدوام، بل تتساوى المرأة بالرجل في حالات وتتقدم عليه في تلك الحالات التي تكون المرأة أعلم منه بها كما ورد في الصحيحين: (عَنْ عُقْبَةَ بْنِ الْحَارِثِ قَالَ: تَزَوَّجْتُ امْرَأَةً، فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ: أَرْضَعْتُكُمَا. فَأَتَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: تَزَوَّجْتُ فُلَانَةَ بِنْتَ فُلَانٍ، فَجَاءَتْنَا امْرَأَةٌ سَوْدَاءُ، فَقَالَتْ لِي: إِنِّي قَدْ أَرْضَعْتُكُمَا. وَهِيَ كَاذِبَةٌ، فَأَعْرَضَ، فَأَتَيْتُهُ مِنْ قِبَلِ وَجْهِهِ، قُلْتُ: إِنَّهَا كَاذِبَةٌ. قَالَ: " كَيْفَ بِهَا وَقَدْ زَعَمَتْ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْكُمَا، دَعْهَا عَنْكَ". وَأَشَارَ إِسْمَاعِيلُ بِإِصْبَعَيْهِ السَّبَّابَةِ وَالْوُسْطَى.
فأخذ رسول الله هنا بشهادة المرأة وحدها.
وقد نص الإمام أحمد في رواية بكر بن محمد عن أبيه قال: ( في المرأة تشهد على ما لا يشهده الرجال من إثبات استهلال الصبي..)
فلا أظن أن هناك من يدّعي بعد ذلك أن شهادة الرجل بشهادة امرأتين بالمطلق إلا جَاهلاً جَهولاً.
هاتان شبهتان دحضناهم بفضل الله وحوله وقوته نسأل الله التوفيق والسداد وأن يُعينني على دحض شبهات هؤلاء الكاذبين.