رغم تغير الظروف وتعقيدات المشهد، والوقوع ضمن خيارات صعبة هنا وهناك، واللجوء إلى حلول قد لا ترضي البعض في سبيل الحفاظ على المصلحة العامة للشعب واستمرارية العمل الحركي والدعوي، إلا أن ذكرى #الشهداء تبقى الصفحة الأكثر بياضاً، ففي استحضارها يستذكر القائمون على العمل الأسس والثوابت التي حملوها عمن قبلهم، وتحفزهم على الاستمرار على ذات النهج الذي سلكوه وقدموا أرواحهم فيه.
فالشهداء هم الذين يجتمع عليهم الجميع، فلا يختلفون حولهم، كيف لا وهم قد ضحوا بأغلى ما يملكون في سبيل الله، وتحرير الوطن من براثن الاحتلال المجرم.
بالأمس استذكر الفلسطينيون الذكرى الخامسة لاستشهاد قائد كتائب القسام الشهيد أحمد الجعبري ومرافقه –رحمهما الله- في عملية اغتيال جبانة في قطاع غزة، وفي مشهد بات اعتيادياً لحركة قدمت وما زالت تقدم الشهداء تلو الشهداء، لينضم الجعبري ومرافقه إلى العديد من شهداء الحركة، وشهداء شعبنا الفلسطيني في مسيرتهم نحو الحرية وتطهير هذه الأرض من دنس الاحتلال.
استشهد الجعبري، وترك الراية لمن خلفه، ونحن لا نشك بأن من حملوا الراية لن يحيدوا عن المنهج، طالما أن الثوابت ما زالت كما هي بعيدة عن المساومة والتفريط، وأن العدو ما زال هو العدو، فلا سلام معه، ولا اعتراف بشرعيته على هذه الأرض.
لا نشك بأن من حملوا راية لن يحيدوا عن المنهج، طالما أن الثوابت ما زالت كما هي بعيدة عن المساومة والتفريط، وأن العدو ما زال هو العدو، فلا سلام معه، ولا اعتراف بشرعيته على هذه الأرض
اغرسوه في النفوس
لا يجب أن تمر ذكرى استشهاد الجعبري دون وقفة متأنية معها، فموضوع التضحية أو الشهادة هو أمر حتمي الوقوع، طالما أنك تقارع العدو وتجاهده في كل الميادين، وطالما أنك ترفض وجوده والخضوع له .
لكن أن تخطو خطوات الجعبري ومن سبقوه أو لحقوا به ممن بعده، فإنك تحتاج إلى أمرين اثنين:
1- أن تظل دائم التذكر لتضحيات أولئك الأبطال، وتظل وفياً لنهجهم وجهادهم وتضحياتهم، فلا تبدل ثوابتهم، ولا تخون أمانتهم حتى تلقى الله عز وجل.
2- أن تكون مستعداً للتضحية في الوقت الذي يتاح لك، وأن تخلع الدنيا من قلبك، فلا تكون أكبر همك، ففي اللحظة التي تخيّر فيها بين التضحية والتمسك بالدنيا، فلا تجد أي غضاضة بأن تكون مضحياً تماماً كما قام به أولئك الأبطال الشهداء.
إن حب الوطن والحرص على الشهادة لا يكون بكلمة هنا وقصيدة هناك فحسب، بل يحتاج إلى نية وإخلاص، وأن لا تقدم مصلحتك الدنيوية على مصلحة دعوتك التي حملت راية من ضحوا بأرواحهم، فتكون معول هدم في بنائها، وسبباً لتخذيل الآخرين عن الاستمرار على خطى من سبقوهم.
إن حب يحتاج إلى نية وإخلاص، وأن لا تقدم مصلحتك الدنيوية على مصلحة دعوتك التي حملت راية من ضحوا بأرواحهم، فتكون معول هدم في بنائها، وسبباً لتخذيل الآخرين عن الاستمرار على خطى من سبقوهم
إن الدنيا ومشاغلها وما فيها من أموال ومناصب ومسؤوليات، قد تبعد الإنسان غالباً عن جوهر القضية، وتنسيه طبيعة الصراع، وتورث فيه حب الكسل والخوف من الموت والتضحية، فترى البعض يتحجج بذرائع مختلفة للتخلف عن واجب هنا وهناك، أو يرى أنه أكبر من أن يضحي بوقته وجهده لدعوته، وأنه بات مختلفاً عن بقية إخوانه الذين تجمعهم نفس الغاية والمنهج!!
وهنا نتساءل كيف سيكون موقف أولئك إذا كان الواجب أن تقاتل في سبيل الله، وتواجه عدوك وأنت تعلم أنك قد تتنازل عما أنت عليه من نعيم وبذخ ومنصب، أو قد تقدم روحك فداء لدينك ووطنك!
لهذا أهيب بكل مسؤول ومربٍ، أن يحرص على التذكير بهذا الأمر، حتى لا تصبح الدنيا أكبر همنا، فلكل منا دوره في هذه المعركة، وكل منا له دوره في جهاد المحتل، لكن الأدوار تختلف بين منطقة وأخرى، والبعض قد جاء أوان مواجهته للمحتل مباشرة، والآخرون ما زالوا ينتظرون دورهم. فلنهيء أنفسنا قبل أن تأتي الفرصة لمواجهة العدو، فعندها لا ينفع التخاذل، ولا التقاعس، لأن الإنسان عليه أن يعقد العزم والنية على التضحية بمجرد أن تسنح الفرصة ويفتح الباب له.
إن التذكير الدائم بأننا كلنا جنود في المعركة، وأن علينا أن ندعو الله بصدق بأن يرزقنا الشهادة كما رزق الجعبري وإخوانه، فيه حل سحري للكثير من المشاكل التربوية التي يواجهها بعض الإخوة هنا وهناك، إذ تلك المشاكل لا تظهر –في جزء منها– إلا بسبب غياب هذا المفهوم، وتغلغل المفهوم الدنيوي في النفوس، مما أوقع البعض في العديد من المشاكل والخلافات.
علينا أن نستغل ذكرى استشهاد الجعبري وكل القادة والأبطال، في ترسيخ مفهوم #الجهاد، فبلدنا محتل، ولا حل لطرد المحتل إلا بالجهاد، ولهذا لابد دائماً من التذكير بأن كل لقاءاتنا وأعمالنا وجهدنا وتخطيطنا لابد وأن تصب في خانة الجهاد وتحرير الأرض، وإلا كانت بوصلتها تشير إلى غير ما نريد ونبغي.
لابد دائماً من التذكير بأن كل لقاءاتنا وأعمالنا وجهدنا وتخطيطنا لابد وأن تصب في خانة الجهاد وتحرير الأرض، وإلا كانت بوصلتها تشير إلى غير ما نريد ونبغي
ولنا في القرآن عبرة، فلقد أمر الله عز وجل نبيه المصطفى صلى الله عليه وسلم بتحريض المؤمنين على القتال، فقال تعالى: {يا أيها النبي حرّض المؤمنين على القتال} [الأنفال:65].
والتحريض كما يقول أهل التفسير هو الحث والطلب، أي حثهم بكل ما يقوي عزائمهم وينشط هممهم من الترغيب بالجهاد ومقاتلة الأعداء، وذكر فضائل الشجاعة والصبر، وما يترتب على ذلك من خير في الدنيا والآخرة. بالإضافة إلى ذكر مضار الجبن وأنه من الأخلاق الرذيلة المنقصة للدين والمروءة.
والتحريض هو تزيين الشيء، وتسهيل الأمر فيه حتى تقدم النفس عليه برغبة وحماس. وهذا كله من أجل إحقاق الحق وإبطال الباطل . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يشحذ همم أصحابه ويحرضهم على الجهاد بقوله: (قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض).
ختاماً.. إن على التربويين أن يظلوا دائمي التذكير بموضوع الجهاد والتضحية والشهادة، وأن يحرّضوا إخوانهم على عقد النية وتجديدها على التضحية والجهاد لتحرير المقدسات والأرض بمجرد توفر الظروف المناسبة.
وإن من صور الوفاء لأولئك الأبطال الذين سبقونا إلى هذا الفضل، تناول سيرهم ودراستها، والتركيز على جوانب التضحية والفداء فيها، والدعاء لهم، والسير على خطاهم في محاربة العدو والتمسك بثوابت الوطن والقضية.