مهما طال الظلم سيزول، وحتى لو بلغ بلفور عامه المئة فسينتهي.. بهذه الروح اندفع الأردنيون للمشاركة في حملة "فلنشعل قناديل صمودها" والتي تنظم سنوياً للمساهمة في إعمار منازل الصامدين في البلدة القديمة بالقدس المحتلة.
الحملة التي أطلقتها نقابة المهندسين الأردنيين بالتزامن مع مئوية وعد بلفور المشؤوم شارك فيها العديد من النقابات المهنية وطلبة الجامعات ومدارس وشركات استثمارية وتجارية إلى جانب مختلف الفئات من المواطنين، حيث كانت الحملة ضمن موجة إذاعية مفتوحة طيلة يوم الأربعاء الماضي وتم جمع ما قيمته مليون وربع دينار أردني، هذا المليون يعد المليون الأردني الثالث لإعمار القدس حيث تمكنت الحملة من جمع هذه القيمة خلال العامين المنصرمين أيضاً.
لحظات جميلة
خلال ساعات يوم الأربعاء حدثت العديد من المواقف المؤثرة حيث قامت سيدة بالتبرع بساعة ثمينة كانت لزوجها المتوفى وتم بيعها بمزاد علني بلغ 500 دينار.
كما قام عروسان بالتبرع بدبلتيهما لصالح الحملة، وتم عرضهما في مزاد علني حيث قام أحد المتبرعين بشرائهما بقيمة 1600 دينار ثم أعادهما للعروسين.
أما الشاب يوسف الحلو فقد شارك في تحدي عبر صفحته على الفيسبوك بأن كل إعجاب على منشوره سيدفع مقابله دينار لصالح الحملة، وكل تعليق بدينارين، وكل مشاركة بخمسة دنانير، فكان المبلغ بعد 24 ساعة 4022 دينار، ما دفع به لبيع مركبته وتسديد قيمة التحدي لصالح الحملة.
الأقصى مسجدنا الأول والثاني والثالث
الداعية الإسلامي الدكتور أحمد نوفل أكد أن المسجد الأقصى هو مسجدنا الأول والثاني والثالث، حيث أنه أول القبلتين، وثاني بيت وضع للناس، وثالث الحرمين الشريفين وله أعلى درجات البركة والقدسية والطهارة والمنزلة الرفيعة عند الله عز وجل، وهو أولى من يضحى من أجله، وتثبيت أهل القدس هو تثبيت لدين محمد صلى الله عليه وسلم وتثبيت لمسرى محمد. وإذا شعر هؤلاء المجرمون أننا ندعم صمود أهلنا سـتنكمش أطماعهم ويتراجعون إلى أن تستيقظ الأمة التي هي في حالة وهن وضعف وسبات، ويتحقق الوعد بدخول المسجد.
واستشهد نوفل خلال حديثه لـ"بصائر" بأن الصهاينة يخشون هبة العالم الإسلامي تجاه مدينة القدس حيث أنهم تراجعوا عن إجراءاتهم بوضع البوابات الإلكترونية عندما تحرك العالم الإسلامي ورأو هبته، واصفاً وقفة أهل الأردن مع ذويهم في البلدة القديمة بأنها ستلفت أنظار العالم الإسلامي وتحركه ليلعب دوره تجاه المسجد الأقصى المبارك.
وتابع نوفل: البشرية المنحرفة كلها تمد يدها للصهاينة ليظلمونا ويخرجونا من مقدساتنا، ولهذا فإن الواجب علينا أن نمد أيدينا لإخواننا في البلدة القديمة والإسهام في صمودهم أمام الاحتلال.
وأكد نوفل على أن التبرع لترميم منازل البلدة القديمة من أهم أبواب الزكاة ومن أول أوجهها، فهذا الإنفاق في سبيل الله، وأهل القدس فقراء ومساكين ومرابطون في أخطر بؤرة مواجهة مع عدو في العالم وفي التاريخ وتثبيت هؤلاء هو إنفاق في سبيل الله.
معاناة صعبة
السيدة المقدسية أم كامل الكرد أكدت أن المساهمة في إعمار منازل المقدسيين في البلدة القديمة يسهم كثيراً في التخفيف من سياسات الاحتلال الممنهجة لإخلاء المدينة من سكانها الأصليين، مشيرة إلى أن الاحتلال بات يحاصر المدينة القديمة بجدار عازل، ويحرم كل من هم خارج هذا الجدار من هوياتهم المقدسية، ويرهق جيوب المقدسيين بالضرائب والغرامات والفواتير ذات القيمة المرتفعة، ويطمس معالم المدينة الأثرية تحت مسمى تجميل المدينة، ويزوّر الوثائق فيما يتعلق بالأراضي والعقارات ويسرقها من أهلها الأصليين.
وقالت أم كامل الكرد: حملة "فلنشعل قناديل صمودها" أكبر معروف يقوم به الأردنيون تجاهنا نحن سكان البلدة القديمة، فمعاناتنا صعبة جداً وتزداد يوماً بعد يوم، الاحتلال أصبح يحرم الشبان من الوصول لمنازلهم داخل المدينة لأيام وأسابيع وشهور من أجل أن يضغط علينا بالخروج من منازلنا.
نقابة المهندسين.. خمس سنوات من العمل في البلدة القديمة
زياد ابحيص مستشار برنامج إعمار البلدة القديمة في القدس أشار إلى إن الاحتلال يشترط على أهالي البلدة القديمة تقديم مخططات مرسومة بشكل واضح وهندسي لترميم المنازل القديمة والتي يعود بعضها لعهد المماليك والعثمانيين الأمر الذي شكل عقبة أمام الأهالي عند محاولة استصدار رخص للترميم، وهنا يأتي دور المهندسين التابعين للنقابة في مكتبها بالقدس والذين يقومون برسم المخططات بالشكل الذي يتناسب مع ترميم البيوت الأثرية في البلدة القديمة.
وأضاف بحيص: إعمار المدرسة السعدية والتي تستقبل الخارج من باب السلسلة في المسجد الأقصى المبارك تعثر بسبب طلبات الاحتلال لمخططات هندسية بنمط معين، ولم نجد في القدس أحداً يستطيع رسمها، ما اضطرنا للاستعانة بخبير عالمي والذي قام برسم مخططات ترميم المدرسة ودرب المهندسين في القدس على مثل هذا النوع من المخططات وأصبحوا يرسمونها وينفذونها بالشكل المطلوب.
ويضيف ابحيص: على خطواتٌ قليلة من المسجد الأقصى باتجاه باب السلسلة يوجد "حوش" قديم تسكنه 3 أسر من عائلة الكردي. منذ 3 سنوات حاولت العائلات ترميم منزلها التاريخي بإمكاناتها الذاتية، لكنها لم تتمكن من استكمال الترميم، فعاش أفرادها سنواتهم الثلاث التالية برفقة التراب ورائحة الرطوبة وغبار القصارة، بينما كان السقف القرميدي المتهالك لا يقي برد الشتاء ولا مطره.
بعد حملة فلنشعل قناديل صمودها في عام 2016، وصلت يد الدعم والترميم إلى منزل عائلة الكردي، لتعينهم على استكمال ما بدؤوه، وعلى مواصلة سكنهم في منزلهم التاريخي في ظروف حياةٍ كريمة.
واليوم عائلة الكردي بأفرادها الـ 15في منزلها اليوم، تستنشق هواء القدس النقي، وتمضي في رحلة صمودها.
وختم ابحيص إلى أن الحملة هي امتداد لست مراحل سابقة نفذت خلالها نقابة المهندسين مشاريع بكلفة تجاوزت 5 ملايين دينار تم جمعها من تبرعات المواطنين، وتمكنت النقابة من خلالها ترميم 218 وحدة سكنية ومنشأتين تعلميتين واستفاد منها 1110 مقدسي و150 طالباً في مراحل تعليمية مختلفة.
