يلاحظ الآباء في أبنائهم الغضب والبكاء والعصبية الشديدة، وهي أهم ما يميّز طفل السنوات الثلاث وما قبلها بقليل وما بعدها بقليل كذلك.
فنجد أن معظم شكوى الأم عن عصبية #الطفل وبكائه في معظم الأحيان بغير سببٍ كافٍ، أو ظاهر للبكاء، في حين أن السبب الرئيس لتلك الحالة في هذه السن هو الطاقة الكبيرة التي يمتلكها الطفل في تلك المرحلة، ورغبته الحثيثة على إثبات نفسه واستقلاليته، لكن قدرات جسده الضعيفة لا تسعفه على تحقيق كافة رغباته النفسية، فيضطر لتفريغ تلك الشحنة في العصبية والغضب والبكاء، وتحطيم ما يملك من اللعب بشكل غريب.
وهنا يأتي دور الأبوين في احتواء تلك الفترة، والتحكم بها، فكما مر بنا من قبل، أن أكثر ما يحتاجه الطفل في سنوات حياته الأولى هو دفء المشاعر ممن حوله، خاصة الأم ويليها الأب.
فيجب على الأبوين إظهار حبهما له، وذلك بكلمات الإطراء على السلوك الإيجابي بشكل مبالغ فيه، وكثرة الاحتضان الذي يمثل العامل الأكبر في توجيه سلوكيات الطفل، وامتصاص غضبه، والتقليل من فترات التعبير عن العجز بالصراخ الغير مسبب من وجهة نظرنا.
يجب على الأبوين إظهار حبهما له، وذلك بكلمات الإطراء على السلوك الإيجابي بشكل مبالغ فيه، وكثرة الاحتضان الذي يمثل العامل الأكبر في توجيه سلوكيات الطفل، وامتصاص غضبه
إن تفهّم الحالة النفسية للطفل هي من أهم عوامل #التربية في تلك الفترة، ويجب أن يتفهم المربي أن معظم السلوكيات الإيجابية أو السلبية مكتسب، وليس نابعاً من داخل الطفل ، بمعنى أن الأم العصبية الغاضبة المنتقدة في معظم الأحيان، يحمل طفلها نفس تلك الصفات، والأب ذو الصوت المرتفع الغاضب، لن يكون طفله إلا صورة مصغرة منه!
لذلك تجدنا نشكو عصبية الأطفال وغضبهم، في حين أنهم مجرد مقلِّدين لسلوكيات الكبار، ظناً منهم أنه ما يجب أن يكونوا عليه، وإلا فلن يشعر بهم أحد، أو يلتفت لطلباتهم، فيكون نوعاً من لفت الانتباه لما يريدون تحقيقه.
وردود الأفعال التربوية حين يصرخ الطفل، نجدها سلبية في معظمها، فهو يطلب ولا تلبي له الأم ما يريد، ومن ثم يلجأ للبكاء، فتتجاهل الأم، وربما تنهره على بكائه، فإذا به يصرخ ويظهر ألماً يجبر الأم على الاستجابة، فتصير لديه عادة وتحايل للحصول على ما ينبغي وما لا ينبغي.
مراقبة سلوك المربي لذاته
إن قلب الطفل وانتباهه معلق بالوالدين، فهما مصدر التلقي الأول له، إن خيراً فخير وإن شراً فشر، المفردات التي يتحدثون بها، طريقة الكلام، حركات الجسم، درجة الصوت، الثقافة،
وفي هذا الشأن يروي الجاحظ من كلام عقبة بن أبي سفيان لمؤدّب ولده قال: "ليكن أول ما تبدأ به من إصلاح ابني إصلاح نفسك، فإن أعينهم معقودة عليك، فالحسن عندهم ما استحسنت والقبيح عندهم ما استقبحت".
فالجائز والمتاح عنده هو ما يفعله الأبوان، خاصةً أن الطفل لا يملك عقلاً يميز بين هذا وذاك، إنما هو وعاء نملؤه بسلوكياتنا نحن، وما نغرسه فيه من مفاهيم، وهنا أنوّه لظاهرة غربية، تعدُّ أساس الحياة هناك وتفتقدها اليوم أمة "اقرأ"، فالطفل الأوروبي منذ مولده يدرج على الكتاب في يد أمه، تحكي له حكاية ما قبل النوم بشكل يومي، ولذلك فمسألة القراءة هناك شيء ملازم منذ الصغر، وأساسي كالطعام والشراب؛ لأنها أصبحت عادة ملازمة لكل فرد، والصور المحيطة تكون مفاهيم الطفل الناشئ.
فالأبوين يجب أن يستبدلا كلمة "عيب" بكلمة "حرام"، وكلمة "أبي سيغضب منك" بكلمة "الله سبحانه وتعالى سيغضب منك"، وكلمة "سأعطيك كذا لو فعلت" بكلمة "سيرضى الله عنك ويدخلك الجنة".
لذا لا بد من استحضار معيَّة الله في كل شيء، واستحضار المعاني والقيم الإسلامية في كل توجيه ، فالأم حين تتوجه للصلاة، تحرص على طلب الحجاب من طفلتها، وإعداد المكان للصلاة بصحبة ابنتها، وربط المشاهد الجميلة بالصلاة، كأن تقول قبل صلاة الظهر سنلعب لعبة، بعد صلاة العصر سنخرج لزيارة الجدة، بعد العشاء سنلتقي بأبي وهكذا، حتى يترسخ في ذهن الطفلة مشاهد الصلاة والحجاب والبر بحياتها اليومية، كذلك الطفل الذكر يجب أن يقوم بهذا الدور والده بربطه بالصلاة في المسجد، وإن لم يتيسر ذلك، فتوجهه الأم لإمامة الصلاة، وبالطبع لا تجوز إمامته لكنها تفعل ذلك حتى إن لم يكن سيصلي، لكنه الغرس في الأرض الخصبة.
ومما أحذِّر منه الأبوين، أن يظهرا مشاكلهما الخاصة أمام الطفل، ويظنا أنه صغير لا يعي ما يدور حوله، فكل تلك المشاهد تترسخ؛ ليبني عليها علاقاته المستقبلية قرباً أو بعداً من أحدهما. كما أن الصدق الكامل مع الطفل هو أقرب طريق لتصديقه إياك، فالبعض يحسب أن بعض الأجوبة الكاذبة على الطفل، كالوعد الكاذب بالخروج للتنزه مثلاً يحسبه منسياً، بل إن ذاكرة الطفل أقوى مما نتصور، فهو مستعد أن يعيد علينا بعض تلك الوعود بعد سنوات منها ، فتقل أمامه قيمة الكلمة، وقيمة الوعد، وقيمة الصدق!
ومما نقلل من شأنه أن يجيب الطفل على الهاتف بأن "أمي غير موجودة"، وذلك بإشارة منها، أو أبي لم يعد من العمل بعد، وبذلك نربي فيه خصلة الكذب هروباً من مواقف يحسبها ستغضب الوالدين.
افعل كذا، قبل أن لا تفعل كذا
من الأشياء المحيرة للأطفال، والتي تقلِّص أمامهم كل الخيارات المتاحة بالنسبة لهم، فتدفعهم لفعل المحظور؛ لعدم وجود ما يفعل غيره، أن نضع أمامه العراقيل دون أن نفتح أي باب للمباحات، فلا تلعب في هذا المكان، تلك القناة التليفزيونية لا تفتحها، هذا الفيلم الكرتوني لا تشاهده، تلك اللعبة لا تمسها، أختك الصغيرة لا تقترب منها، تلك الحلوى سيئة لا تأكلها،
ليجد الطفل أمامه قائمة من المحظورات دون بدائل تذكر، فنجده يقوم بكل ما ننهاه عنه، ثم نتهمه بالعناد أو عدم الفهم، ونحن من أغلقنا دونه كل السبل المتاحة، وقد كان يجب أن نقول له منذ البداية: هذا المكان متاح للعب. جد له البديل المناسب لطبيعته وطاقته قبل النهي، ذلك البرنامج جيد، القناة المحظورة تحظر في الأصل، بحيث لا يقوم هو بالبحث عنها وإيجادها قدراً.
من الأشياء المحيرة للأطفال، والتي تقلِّص أمامهم كل الخيارات المتاحة بالنسبة لهم، فتدفعهم لفعل المحظور؛ لعدم وجود ما يفعل غيره، أن نضع أمامه العراقيل دون أن نفتح أي باب للمباحات
مبدأ الثواب والعقاب، والمنع والعطاء
فرق كبير بين إعطاء جرعات مكثفة من الحنان، وبين التدليل المفسد لشخصية الطفل، إن الطفل هو كائن متعلم وسريع الفهم وعالي الذكاء، يستطيع أن يخدع الأبوين بحاجته وإصراره عليها، وطريقته الضاغطة عليهما للحصول على ما يريد، ولو أنه نجح في ذلك، فتلك أول بوادر الإفساد المتعمد له كإنسان.
هناك قاعدة يجب أن تترسخ في ذهن الصغير، وهي أنه لن يحصل على كل ما يريد، وتلك طبيعة الحياة، وأنه سيحاسب بقدر ما يكافأ على فعل قدمه، إن خيراً فخير، وإن سوءاً فسوء.
هناك قاعدة يجب أن تترسخ في ذهن الصغير، وهي أنه لن يحصل على كل ما يريد، وتلك طبيعة الحياة، وأنه سيحاسب بقدر ما يكافأ على فعل قدمه، إن خيراً فخير، وإن سوءاً فسوء
وهنا تقدر المقادير بمبدأ مصالح الطفل التي يعلمها الأبوان جيداً، ويقدرانها بمعرفتهما وليس بمجرد إبداء رغبته، فالمأكل والملبس، والطعام والشراب، وأنواع اللعب هم أعرف بها بحيث يترك له مساحة اختيار في حدود تلك المصلحة، كلون اللعبة، وبعض أنواعها، وطريقة تقديم الطعام كما يحبها وهكذا.
كذلك إذا قدم عملاً يستحق عليه المكافأة، أو عملاً يستحق عليه العقاب، ولست أقصد العقاب العنيف بحال من الأحوال، فالعقاب يمكن أن يكون حرماناً من شيء يتعلق به ويحبه، أو هجراناً لبعض الوقت.
متى نبدأ حفظ القرآن
أما عن القرآن ثم التربية الإيمانية للطفل، فسوف أفرد لها حديثاً خاصاً؛ لنحيط بكل ما يخصه، لكن هنا أذكر فقط السن الملائم لبدء تحفيظ القرآن الكريم للطفل، وقد حدده علماء التربية في الطفولة المبكرة من (3-6) سنوات، حيث يكون عقل الطفل يقظًا، وملكات الحفظ لديه نقية، ورغبته في المحاكاة والتقليد قوية، ويبدأ الحفظ من قصار السور، وتقوم الأم برواية القصص القرآنية على الطفل؛ ليتعلق به، كذلك مكافأته معنوياً قبل المكافأة المادية على إقباله على الحفظ، والاستعانة بأطفال في نفس المرحلة العمرية؛ لتشجيع الطفل داخل حلقات المنافسة.