علل وآفات أصابت الحركات .. التعيين لا الانتخاب

الرئيسية » بصائر الفكر » علل وآفات أصابت الحركات .. التعيين لا الانتخاب
meeting-final2

تحدثنا فى المقال الأول لهذه السلسة عن الولاء داخل الكيانات والحركات، وكيف يتحول من أمر مهم في بنيان الحركات إلى معول هدم إن تم استغلاله؛ بتقديمه على صاحب الكفاءة والمعرفة والفهم والتطبيق، وبينّا طرق الحل والعلاج بخطوات عملية علمية ناجحة.

واليوم نتحدث في المقال الثاني عن علة أخرى، وآفة جديدة في بناء الكيانات، وهي آفة التعيين الإداري، وليس الانتخاب، ولاشك أن هذه المشكلة أثرت سلباً على كثير من مجريات الأمور، فتحول الأمر لتزكية من فلان، أو مدح من آخر فقط، وهذا حوّل الإدارة لقيادة مترهِّلةٍ، غير متجددة أو متطورة! ويمكننا كباحثين أن نحدد مظاهر هذه الآفة فيما يلي:

أولاً: الصراع الفكري والعداء

البعض من الشباب المفكرين في الجماعات -والذين يعملون عقولهم بشكل خاص منهم- يطلبون الفهم قبل الطاعة، والعمل قبل الثقة، فيحدث نوع من التجاهل المتعمد من بعض القيادات لتلك الشخصيات المنبوذة داخليا؛ نظراً لاحتجاجهم ومناوشاتهم الفكرية الدائمة، وبالتالي ينعكس ذلك التجاهل على الصف، ويستبعدون تماماً من أي عملية ترشيح محتملة، ولا يحصلون على أي دعم يذكر، إذا تمت العملية الانتخابية بالفعل، ولذلك نجد بعض الحركات أو بعض فروعها في حالة خصام مع المفكرين، فهم إما مهمَّشون، أو مستبعدون عن مراكز القرار، وذلك على المدى البعيد يضعف الصف الدعوي داخلياً، ويكون عامل طرد لهؤلاء خارجياً، مما يؤثر سلباً عليهم بشكل كبير.

نجد بعض الحركات في حالة خصام مع المفكرين، فهم إما مهمَّشون، أو مستبعدون عن مراكز القرار، وذلك على المدى البعيد يضعف الصف الدعوي داخلياً، ويكون عامل طرد لهؤلاء خارجياً

ثانياً: تغليب سياسة التزكية

والمقصود بشكل واضح أن قيادة الحركات تبالغ في مدح شخص ما خلافاً للبقية، فيعتبر الأنصار والمؤيدون هذا بمثابة رضا، ومباركة من القيادة، فيتم اختياره، وهذا قمة التزييف في الوعي، وخيانة للأمانة، لأن الأمر يتحول -ودون شعور- لتعيين بالمباركة، وإن أخذ شكل الاختيار والاقتراع.

ثالثاً: الممارسة السابقة

وهذا الأمر بالذات منتشر في الجماعات بشكل كبير، فتجد البعض يوكل إليه ملف ما، ثم يتم اختياره لملف آخر فوق الملف الذي معه، ويكون السبب والحجة أنه ممارس له، ولديه خبرة، بغض النظر عن جدوى فشله أو رسوبه، أو نجاحه في المهام السابقة، وهذا أيضاً تعيين وتدخل وفرض أمر معين يعطل تقدم المسير ويؤخر المسار.

رابعاً: أزمة ثقافة الاختيار

لاشك أن التجدد طوق نجاة، وأن الروتين مهلك، وأن البعض ما زال يسير كالسلحفاة في التغيير والتطوير، خصوصاً في الكيانات والحركات بشتى فكرها الأيدلوجي.

وأزمة ثقافة الاختيار تكمن فى ضعف الفكر والمعرفة، وضيق الاطلاع على حتمية التغيير، فنجد البعض يتم اختيارهم مرات ومرات، وعندما تسأل عن السبب، يكون الجواب: "لا يوجد بديل". وكأن الحركات هي أحزاب السلطة مع فارق الأشخاص، لكن الإجراءات واحدة، والعلاج هنا يكمن فى ترتيب الأولويات وتصعيد قيادات شابّة تحسِّن وتعدِّل وتنشر الوعي، وثقافة الاختيار فى الحركات والجماعات.

نجد البعض يتم اختيارهم مرات ومرات، وعندما تسأل عن السبب، يكون الجواب: "لا يوجد بديل". وكأن الحركات هي أحزاب السلطة مع فارق الأشخاص

خامساً: التغذية الفكرية

ولما كان البعض داخل الحركات يرى فيها الأب والأم، والمربي والمغذي، والملقِّن-أحياناً- لذلك فالشخص يتغذى من فكرته عبر حركته وجماعته، تغذيةً فكريةً حقيقيةً، لكنها كحال الكثير من الأطعمة فاسدة، أو انتهت صلاحياتها، فيعود الأمر بالداء على المتغذي، وهذا المثال يمكن إسقاطه في أن البعض جعل كل ما يأتي من القيادات قرآناً يتلى، فلا يرى في كلامهم أي نقص، وعلى هذا إذا تم الاتفاق على مرشح ما من شخصيات معتبرة داخل الكيانات والحركات، ينزل هذا للمتابعين والأنصار، فيكون بذلك صكاً للقبول والاختيار، ثم يحدث الاختيار كشكل ديمقراطي مزيف الجوهر مع الأسف!

سادساً: كراهية القيادات للنقاش

وهذا الأمر ترجمة لحالة عدم الرغبة في المعارضة أو النقاشات، والجدال والحوار الطويل، فيلجأ البعض لتعيين من لا يعترض أو يسبب مشكلات وجدليات، ولا يكون حاله -دائماً- إلا "موافق موافق".

سابعاً: الجهل بالمهمة

والمعنى هو عدم فهم طبيعة العمل وتحدياته، وعظم المسؤولية الملقاة على من يكلف بإدارة العمل، فيحدث تِيهٌ وقصور، فيلجأ لتعيين من يثق فيهم حتى تتم عملية التجانس مع هذا القصور وذاك التيه، وغياب الفهم، ومن ثم تكون العواقب في نظره بسيطة؛ لأن الأمر محل إجماع.

ثامناً: حب الروتين

وهو الرغبة في عدم التجديد، والإبقاء على النظام القديم، دون تحديث أو تطوير، أو حتى حديث نفس في ذلك، وبالتالي يتصدر أشخاص لديهم نفس الرغبة في الإبقاء على ما مضى، وتتحول المنظومة دون شعور لكيان كالعجوز كبير السن والتاريخ، لكن غير مثمر، ولاحراك فيه، وهذه جريمة أحسب أن الأجيال لن تغفرها لكل من تصدَّر أو قدَّم نفسه أنه الحامي للمسير والمسار.

استدراك

التعيين مقبول مع الأمور البسيطة، والمجالس الصغيرة، لكن على مستوى القيادة والمناصب الحساسة ومصائر الأمم فغير مقبول، وأيضاً ليس لكل مسؤول أن يجري الانتخاب على كل مهمة أو منصب قيادي، فهذا إضاعة للوقت

لكن أستدرك على ما سبق، بأن على القارئ أن يعلم أن التعيين ليس حراماً ولا مستنكراً دائماً من الناحية الشرعية، ونحن لسنا شيوخاً نطلق التحليل والتحريم على ما نشاء، لأسباب شخصية أو لهوى النفس.

وهو أيضاً ليس عيباً، لكننا نتحدث عن أثره الذي في الغالب لا يأتي بخير في ضوء ما أسلفنا من أسباب ونتائج هذه العلة، لكن هذا الأمر-مع عدم حرميته أو كونه عيباً-، مقبول مع الأمور البسيطة، والمجالس الصغيرة، لكن على مستوى مصائر الأمم فغير مقبول، والإنصاف هنا نقطة فهم تزين العمل وتثمره بما يرضي الأنصار والمريدين، وأيضاً ليس لكل مسؤول أن يجري الانتخاب على كل مهمة أو منصب قيادي، فهذا إضاعة للوقت، ونحن تعلمنا أن الوقت هو الحياة، لكن هذه الأمور لها مجرياته ورجالها، وإجراءاتها اللازمة، كل حسب وضعه ومكانه في الإطار القيادي، ومدى خطورة وحساسية وضعه وأثره.

معلومات الموضوع

اضغط لنسخ رابط مختصر لهذا المقال
كاتب وباحث مصري الجنسية، مؤلف عدة كتب فى التربية والتنمية "خرابيش - تربويات غائبة- تنمويات". مهتم بقضية الوعي ونهضة الأمة من خلال التربية.

شاهد أيضاً

إلى أي مدى خُلق الإنسان حرًّا؟

الحرية بين الإطلاق والمحدودية هل ثَمة وجود لحرية مطلقة بين البشر أصلًا؟ إنّ الحر حرية …