ما إن انتهت عائلة "أبو علي" من تناول الطعام حتى انسحب الأبناء الذكور بهدوء؛ لمزاولة أنشطتهم ما بين الخروج للعب خارج المنزل، أو التنزه برفقة الأصدقاء كما هو معتاد. بينما الفتيات ينهمكن في أعمال المطبخ التي لا تنتهي، هذه الصورة تتكرر في الكثير من المنازل، فكيف يمكن تعليم الأبناء –الذكور- المشاركةَ في أعمال المنزل؟ وهل تختلف أهمية تعليم الذكور المشاركة في أعمال البيت في حال كان لهم أخوات -إناث- أم لا؟ وكيف نُنمّي في الطفل نزعة المساعدة في الأعمال المنزلية؟
هذه الأسئلة وغيرها يُجيب عنها التقرير الآتي:
دعم السلوك حتى يكتسبه الطفل
من جهته، قال صالح كباجة الأخصائي التربوي لـ"بصائر": "إن تعليم #الأبناء الذكور المشاركةَ في أعمال البيت يُنمّي عند الطفل حُب التعاون، والانتماء للأسرة، مشيراً إلى أنه يجب على الوالدين تحفيز الطفل وتشجيعه عندما يساعدهم بأي نشاط في المنزل، ويدعموا سلوكه حتى يكتسبه، ويشعر بالسعادة والفخر عندما يقوم بأي عمل".
وأكد كباجة: "أنه لا تختلف أهمية تعليم الذكور المشاركةَ في أعمال البيت في حال وجود أخوات -إناث- أم لا، بل تتساوى ويتشاركون معاً، لافتاً إلى أن ذلك يرجع إلى طبيعة فهم #الأسرة لنوع المساعدة، ومدى غرس قيمة الحب والتعاون بين الأبناء، وتوصيل مبدأ السعادة الأُسرية للطفل، والتي تكمن في العمل بروح الفريق الواحد مع مراعاة دور الذكر في المجتمع وعدم تحجيمه بأعمال المنزل فقط" على حد تعبيره.
ما هو السن المناسب لتعليم الطفل المشاركة؟
وأوضح: "أنه يبدأ تعويد الطفل على المشاركة في أعمال البيت في سن الثالثة؛ لأن الطفل في هذا العمر يبدأ بفهم بعض السلوكيات البسيطة، كتعليق الملابس، ومسح الطاولة، ووضع الأغراض والألعاب بمكانها الصحيح، وذلك ليكتسب الثقة بالنفس، ويبدأ بالشعور ببعض المسؤولية، والمحافظة على حياة متوازنة وليست عبثية".
وأشار كباجة إلى: "أن تعليم الطفل المشاركة يعود عليه بالإحساس بوجوده، وأنه عضو في أسرة متفاعلة ومترابطة ومتحابة، ويؤثر ذلك مستقبلاً على نشاطه الاجتماعي، وثقته بالأسرة وبالمحيط، ونظرة الطفل للمرأة بأنها كيان متكامل، وليست رقماً عادياً، -مضيفاً- أن سلوكياتنا تنبع من الأسرة، فهي الحاضنة الأولى للطفل".
كباجة: يبدأ تعويد الطفل على المشاركة في أعمال البيت في سن الثالثة، لأن الطفل في هذا العمر يبدأ بفهم بعض السلوكيات البسيطة، وذلك ليكتسب الثقة بالنفس، ويبدأ بالشعور ببعض المسؤولية
دور القناعة وميول الوالدين في التنشئة
وبين كباجة: "أن اهتمام الأسرة بتنشئة الطفل ينبع من خلال سلوكيات الوالدين ومدى نظرتهم لبعضهما، وهل هما مكملان لبعض أو العكس، -مضيفاً- أن الطفل يتعلم بالقدوة والتقليد، فما يصدر عن الأب يقوم به الابن، وكذلك الأنثى وأمها".
ويرى كباجة: "أن وعي الوالدين، ودرجة تعليمهم، له دور في مشاركة الذكر بأعمال المنزل، -مستدركاً- لكن الأهم من ذلك قناعة وميول الوالدين بالحياة الاجتماعية، ومدى السلوك الذي اكتسباه من أسرهم" على حد وصفه.
نظرة خاطئة
وقال: "إن فئة قليلة من المجتمع ترى أن مشاركة الذكر في أعمال المنزل عيب، وتُنقص من شخصية الرجل، وهذه نظرة خاطئة –مبيناً- أنه لو عدنا لديننا لوجدنا الرسول صلى الله عليه وسلم هو القدوة حيث كان يساعد زوجاته بعمل المنزل، لكن المجتمع العربي مجتمع ذكوري، يرى أن دور الأنثى يقتصر على أعمال المنزل، ودور الذكر فقط أن يجد كل شيء جاهزاً بدون بذل أي مجهود".
وأردف قائلاً: "إن إرهاق الطفل يكون من خلال عدم اكتسابه عادات سليمة؛ لأنه سيواجه المجتمع ويفشل في أداء دوره مستقبلاً، ويجب أن يستوعب الوالدان أن تكليف الطفل ببعض المسؤوليات تشعرهم براحة وسعادة، خاصة لو أنجزها بشكلٍ مُتقن -منوهاً إلى- أن الأمر ليس مقصوراً على المساعدة، وإنما لتعليم الطفل السلوك الاجتماعي الصحيح".
وأضاف: "ليس دور الأم أن تقوم بكل أعمال البيت وحدها، ولكن يجب أن يكون دور للأبناء والآباء".
وختم كباجة حديثه قائلاً: "رسالتي لأولياء الأمور أن اتقوا الله بأبنائكم، فما تغرسوه اليوم سيكون له أثر غداً، وإذا اعتاد الطفل على التعاون والتكاتف وتحمل المسؤولية يكون في مراحل نمو سليمة، ويستطيع أن يكون عضواً ناجحاً في جميع المجالات، سواء على مستوى عمله أو أسرته أو أصدقائه، فأبناؤنا فلذات أكبادنا، وتعليمهم اليوم أفضل من فشلهم في الغد".
عدد ونوعية الأعمال ليس مهماً بقدر الشعور بالمسؤولية
ومن ناحيته، قال الدكتور وليد شبير -أستاذ الخدمة الاجتماعية في الجامعة الاسلامية بغزة-: "إن مشاركة الذكور في أعمال المنزل قد يكون مفيداً لهم؛ لما له من بُعد نفسي واجتماعي -مشيراً- إلى أنه ليس المهم عدد أو نوعية الأعمال التي نُسندها إلى الطفل، بقدر شعوره بأنه مُلتزم ويتحمل مسؤولية مشاركة الأسرة في ترتيب أمور الحياة داخل المنزل".
وأكد شبير: "أن شخصية الطفل تتشكل خلال سنواته الخمس الأولى في الأسرة؛ لذا كان من الضروري أن تُلم الأسرة بالأساليب التربوية الصحية التي تنمي شخصية الطفل وتجعل منه شاباً واثقاً من نفسه، ومحباً للمساعدة والتعاون وفاعلاً في أسرته ومجتمعه".
وأضاف: "أن هناك آباءً وأمهاتٍ لا يرغبون في إرهاق أبنائهم بالعمل معهم داخل البيت؛ لكي يتمتعوا بطفولتهم، على حد زعمهم -مؤكداً- أن هذا ليس رأياً صائباً، بل يجب على الأب ألا يهمل مطلقاً مشاركة ابنه في المساعدة في بعض أعمال البيت؛ لأن هذا يجعل الطفل مُهملاً في بقية المسائل، كما يخلق أبناءً أنانيين ومزعجين، ويجعلهم عندما يكبرون يرغبون في الاعتماد على غيرهم".
شبير: يجب على الأب ألا يهمل مطلقاً مشاركة ابنه في المساعدة في بعض أعمال البيت، لأن هذا يجعله مُهملاً في بقية المسائل، كما يخلق أبناء أنانيين ومزعجين ويجعلهم عندما يكبرون يرغبون في الاعتماد على غيرهم
الطلب يكون بلهجة رقيقة ومليئة بالتشجيع
وأوضح شبير: "أنه من الصواب أن نطلب من أطفالنا مساعدتنا بروح طيبة ومليئة بالتشجيع، وبذلك نجعل الطفل يساعدنا في أعمال البيت، والفرحة الدائمة تملأ قلبه، ونجعله يقبل على مساعدتنا وهو واثق من نفسه من تقديرنا له، لذلك لابد من أن نطلب منهم القيام بالأعمال التي نريدهم أن يقوموا بها بلهجة رقيقة، وتعكس إحساساً بالصداقة، وأن نساعدهم نحن في أداء هذه الأعمال".
وذكر: "أن الأساليب غير السوية والخاطئة في تربية الطفل تكون إما لجهل الوالدين في تلك الطرق، أو لاتباع أسلوب الآباء والأمهات والجدات، أو لحرمان الأب أو الأم من اتجاه معين".
التفرقة بين الأبناء تخلق غيرة لا شعورية
وحذر شبير من السخرية التي تُقارن بين عمل الذكور وعمل الإناث، قائلاً: "إن البعض أحياناً يقول: هذا عمل غير مناسب للصبي ومناسب للبنت، وهذا القول يدفع الصبي إلى الكسل والترفع عن بعض الأعمال التي يجب أن يساعد بها الأسرة، ويرسخ التفرقة بين الفتى والفتاة، ويخلق نوعاً من الغيرة اللاشعورية بين الإخوة داخل محيط الأسرة".
وأكد أنه: "لا يمكن بأي حال من الأحوال أن ترهق البنت بالخدمة في البيت على حساب راحة الابن، بل ينبغي أن يراعى العدل في هذا كله، فقد كان السلف يحبون العدل بين الأولاد في كل شيء حتى في القُبَل؛ لأن هذا مدعاة للبر، وانتفاؤه قد يكون سبباً للعقوق".
الأم الواعية تعلم أبناءها الذكور مهاراتٍ مختلفة
وشدد شبير على: "أن الأم المحبة الواعية لا تُعفي أبناءها الذكور من المشاركة في أعمال المنزل، بل تعلمهم مهارات مختلفة، فلا يكبر الولد عاجزاً -كما هو منتشر- عن صنع كوب من الشاي، أو ترتيب حجرته، بل تربيه على الإحساس بالمسؤولية، والرفق بأمه وأخواته البنات، والتواضع والمشاركة".
شبير: الأم الواعية لا تُعفي أبناءها الذكور من المشاركة في أعمال المنزل، بل تعلمهم مهارات مختلفة، فلا يكبر الولد عاجزا – كما هو منتشر- عن صنع كوب من الشاي، أو ترتيب حجرته، بل تربيه على الإحساس بالمسؤولية
ونوه إلى: "أن الابن يرغب دائماً في أن يساعد أهله إن وجد فرصة للتشجيع وليس التوبيخ، وهو يشعر بالزهو والفخر عندما نطلب منه أن يفعل شيئاً يُجيده، كل ذلك يمكن أن ينمي في أعماق الطفل الثقة والحب والرغبة في تحمل مسؤولية القيام بالأعمال التي نريده أن يقوم بها".
واستدرك شبير: "لكن إذا تسرعنا في إلقاء الأوامر وطلبنا أن يقوم الأطفال بكل الأعمال وحدهم فإن حماسهم يتلاشى".