في أمثالنا القديمة يقولون: (لا تقُل كل ما تسمع، ولا تسمع كُل ما يُقال)، أروى علي (27عاماً)، في أحد الأيام فتحت حسابها على الفيس بوك، لتجد رسالة من إحدى زميلاتها في العمل، فيها "سكرين شوت" لمحادثة جرت بين زميلتها وبين أعز صديقات "أروى"، وتتضمن الرسالة اتهامها باستغلال أعز صديقاتها ببعض الأمور المالية، الأمر الذي أثار حفيظة "أروى" حتى ذهبت مباشرةً إلى صديقتها وانهالت عليها بالشتائم، وحدث شجار عنيف بينهما أدى إلى قطيعة استمرت لعدة أعوام.
وبقي الحال على ما هو عليه، حتى جاء اليوم الذي تبيّن لها أن زميلتها تتصيّد أخطاءها هي وصديقتها؛ لتوقع الخلاف بينهم، لكي ترضي نفسيتها المريضة، خاصةً أن أروى كانت تجمعها علاقة قوية بتلك الصديقة، والكل يشهد بمتانة هذه العلاقة، لكن بعض الزميلات لم يكن يروق لهن هذا الانسجام، حتى حدثت الوقيعة، وهنا بادرت أروى بمصالحة صديقتها، والاعتذار منها، ومصارحتها وفهم سبب المحادثة.
نقل المحادثات نميمة إلكترونية
قال د.زياد مقداد-أستاذ الفقه وأصول الدين في الجامعة الإسلامية بغزة- لـ"بصائر": "إن تقنية سكرين شوت وغيرها من التقنيات، تعتبر نعمة من نعم الله على الإنسانية، ولذلك ينبغي أن نُحسن استخدامها؛ لأن كل وسيلة ممكن أن تكون إيجابية أو سلبية، شأنها شأن الكثير من الوسائل في حياتنا".
وأضاف: "أن تصوير المحادثات بطريقة "سكرين شوت" تكون سبباً في الإيقاع بين الناس، ونشوب الخلافات بينهم، تعتبر صورة مرفوضة جملةً وتفصيلاً؛ لأنها صورة حديثة من صور الإفساد الإلكتروني، ونميمة إلكترونية شأنها شأن النمّام الذي ينقل الكلام من شخصٍ لشخص آخر؛ ليفسد بينهما!".
ونوّه مقداد إلى: "أن القرآن الكريم حذّر بوضوح من هذا التصرف وما شابهه، سواء بالطرق القديمة أو الحديثة، مُستشهداً بالآية الكريمة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلَا تَجَسَّسُوا وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا}[الحجرات:12]، ومؤكداً على أن تصوير المحادثات ونقلها يعتبر صورة من صور الغيبة والنميمة الذي يندرج تحت هذا التعامل من حيث النتائج السلبية المترتبة على الفرد والمجتمع، والرسول صلى الله عليه وسلم يقول: (لا ضرر ولا ضرار).[ رواه مالك مرسلاً، ورواه أحمد وابن ماجه]".
تأثير تصوير المحادثات ونقلها
وحول تأثير تصوير المحادثات الخاصة ونقل محتواها لشخص لم يكن موجوداً لحظتها، أكّد مقداد: "أنها تزرع الحقد والكراهية والشحناء بين أفراد المجتمع، وتُثير الكثير من الخلافات، والله سبحانه وتعالى يقول: {وأصلحوا} وليس: أفسدوا، ومطلوب منا إن لم نستطع أن نصلح، أن لا نكون سبباً ووسيلة للإفساد".
وأشار إلى: "أن الكثير من الناس يُخطئون، فلا أحد معصوم من الخطأ –موضحاً- أن الكارثة الأكبر من ذلك أن يُنقل هذا الخطأ أو الكلام السيىء لشخصٍ آخر، والشريعة الإسلامية تستنكر مثل هذا الفِعل".
المطلوب من مستقبل "لقطة الشاشة"
وأكد مقداد على أنه: "ينبغي على مُستقبِل "لقطة الشاشة" والذي وصلت إليه المحادثة، أن يكون حذراً، وأن يحمل الكلام على أحسن المحامل؛ لأن الكلام المنسوخ الذي وصله، قد يكون مجتزأً -أي أُخذ جزءٌ منه-، وربما لو كانت المحادثة التي وصلته كاملة لاختلف معناها"، على حد تعبيره.
د. زياد مقداد: ينبغي على مُستقبِل "لقطة الشاشة" والذي وصلت إليه المحادثة، أن يكون حذراً، وأن يحمل الكلام على أحسن المحامل؛ لأن الكلام المنسوخ الذي وصله، قد يكون مجتزأً -أي أُخذ جزءٌ منه-، وربما لو كانت المحادثة التي وصلته كاملة لاختلف معناها
وأضاف: "يجب أن ننتبه أنه ليس كل حديث يصلنا يكون بالضرورة نحن المقصودون فيه، فلربما الكلام الذي وصل صحيح قد قيل لكن ليس بحقنا، بل المقصود به أشخاص آخرون".
وأردف قائلاً: "ربما من المناسب أيضاً أن يقوم مُستقبِل المحادثة بمعاتبة الشخص الذي أرسلها، أو أن يعتبر أن الكلام الذي أُرسل له لا يُقصد به هو ذاته ويلقيه وراء ظهره".
من هو المُفسد الأشد؟
وشدّد مقداد على: "أن الشخص الأول الذي كتب الكلام قد اغتاب، لكن الشخص الثاني الذي صوّر المحادثة وأرسلها، تسبب في وقيعة كبيرة ومفسدة عظيمة، وقطيعة بين الأفراد، والمفسد الأشد ليس من تحدث أولاً، بل من نقل الكلام وأفشى أسرار المجالس. –وذكر- أن تصوير المحادثات ونقلها هو شكل من أشكال الإيقاع بين أفراد المجتمع، وإذا اعتاده الشخص قد يكون سبباً للتلاعب والتزوير –مبيناً- أنه إذا علم الشخص الذي تحدث بالكلام السيء أن كلامه قد نُقل؟ وإذا علم المتحدث بحقه عما قيل عنه، فستكون حماقات متسلسلة تُفسد العلاقة بين أبناء المجتمع." بحسب مقداد.
ووجه مقداد رسالة لمن اعتادوا على تصوير المحادثات ونقلها قائلاً: "كُفّوا عن هذا الفِعل المشين، والكل يُخطئ وخير الخطّائين التوّابون، وتصوّروا لو كان الموقف قد حدث معكم فهل تقبلون بذلك؟! مؤكداً أن ذلك يتنافى مع الإيمان والصدق والأخلاق".
القضية أخلاقيّة وتربويّة بامتياز
ومن جهته، قال الأخصائي الاجتماعي والتربوي د.درداح الشاعر: "إن الانترنت ما جُعل إلا لتسيير حركة الإنسان -موضحاً- أنه أشبه بالسيف قد يستخدمه مجاهد، أو قاطع طريق".
وأضاف: "أن مُستخدم التقنيات الحديثة الأصل فيه الجانب الأخلاقي؛ لأن "سكرين شوت" وغيرها من التقنيات أداة صماء، والقضية أخلاقية بامتياز لمن يستخدمها –موضحاً- أنه إذا كان المستخدم يراعي تقوى الله، وينظر بالمنظار الأخلاقي سيلتزم بهذه الآداب الأخلاقية، وإذا كان مُتحللاً من العادات والأخلاق سيطلق العنان لشهواته ولإيذاء الآخرين".
ولفت الشاعر إلى: "أن القضية تربوية، والإنسان على ما رُبّي عليه –مستدلاً- بقول الشاعر:
(وينشأ ناشئ الفتيان منا * على ما كان عوده أبوه)
-وذكر- أن تقنية "سكرين شوت" ليست مشكلة، فهي تيسر لنا الخير والشر، والفلترة ما بين الخير والشر مرتبطة بالضمير الأخلاقي للإنسان".
وأوضح الشاعر: "أن الأصل إن كانت المحادثة فيها خير، يجب أن يباهي بها الإنسان، لكن إن كانت شراً، يجب على الإنسان أن لا يشيعها، أو يتوعد ويهدد بها؛ لأن الأصل في الخُلق كظم الغيظ، من خلال قوله تعالى:{ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [134: آل عمران]".
وظيفة الساقطين أخلاقياً
وقال: "رسالتي لمن يتصيدون التقاط صور الشاشة للآخرين، واعتادوا على فعل ذلك، أن هذه وظيفة الساقطين أخلاقياً، الذين لا يجدون ما ينشغلون به إيجابياً، ويبددون أوقاتهم بالإفساد بين الآخرين، وأقول لهم ابحثوا عمّا هو نافع لكم ولأسركم ولمجتمعكم، وكونوا أداة للتنمية المجتمعية؛ لأن الإنسان خُلق من أجل الخير".
أسباب تمنعك من نشر المحادثات
وحول الأساليب التي يُمكن أن نقنع بها الشخص المعتاد على استخدام "سكرين شوت"؛ ليمتنع عن عادته، ذكر الشاعر أن هناك عدة أساليب قائلاً: "إن ذلك يقودنا لأساليب تعديل السلوك، وهي منظومة متكاملة يجب أن تراعى في تعديل السلوك الخطأ، ومترتبة على مجموعة من الاعتقادات الخاطئة حول الإنسان وأخيه، حيث يجب أن نوضح له المخاطر والجوانب الإيجابية فيما لو ابتعد عنها".
وتابع: "أقول للشخص المعتاد على نشر المحادثات، ضع نفسك مكان هذا الشخص الذي تنشر محادثته الخاصة على الملأ، وتخيل إحساسك ورد فعلك -لافتاً- إلى أن رسائل المحادثات هي شيء شخصي جدًا، مثل: دولابك أو حتى حمامك، لا يصح أبدًا أن تصورهم وتعرضهم للناس".
الشاعر: تكرار هذا التصرف يجعل الناس يفقدون الثقة بك، وسيتجنبون الحديث معك في أي أمرٍ شخصي
واسترسل: "نشر المحادثات الشخصية بشكل علني يُعد أحد أنواع إفشاء السر، ويمكن أن يُصنف تحت بند خيانة الأمانة -مشيراً- إلى أن الإكثار من سرد تفاصيل المواقف الشخصية هو أحد أعراض مرض حب الظهور".
وحذر الشاعر من نشر المحادثات الخاصة، قائلاً: "إن نشرك لمحادثة شخصية خاصة بينك وبين أحد الأصدقاء بدون علمه، قد يتسبب في أن تفقده، خاصة إذا كان الحديث يمسه بشكلٍ خاص، بالإضافة إلى أن تكرار هذا التصرف يجعل الناس يفقدون الثقة بك، وسيتجنبون الحديث معك في أي أمرٍ شخصي".