في الوقت الذي يحتفل فيه العالم بـ "اليوم العالمي للطفل"، تستيقظ الطفلة أميرة أبو كميل، ابنة اثني عشر عاماً، قبل بزوغ الفجر بنصف ساعة، تعدّ الإفطار لأشقائها الستة، تتفقد حقائبهم المدرسية، وبعد ذهابهم إلى مدارسهم، تنهمك أميرة في غسل ملابسهم، وتنظيف البيت، وإعداد الغداء، والاهتمام بشقيقها الصغير البالغ من العمر أحد عشر شهراً.
أسْر والدتها حوّلها لأُم!
تحولت أميرة في ليلة وضحاها، من طفلة تلهو مع إخوتها وتذهب معهم إلى المدرسة، إلى المسؤولة عنهم، فقد اعتقل العدو الإسرائيلي والدتها "نسرين"، عندما ذهبت إلى معبر بيت حانون -ايريز-؛ للرد على طلبها بالحصول على تصريح «لمّ شمل» مع عائلتها التي تسكن في حيفا، لكن قايضها العدو بين العمل لمصلحته، أو اعتقالها ومنعها من العودة إلى أطفالها، رفضت نسرين العرض، وفضّلت أن تُؤسر وتُحرم من عائلتها على خيانة بلدها، وبقيت أميرة بمثابة "الأم" لأشقائها، وحُرمت من طفولتها في اليوم الذي يحتفل فيه أطفال العالم، وينعمون في الملاهي وحدائق الحيوانات.
تردي الوضع الاقتصادي جعله صياداً!
أما الطفل "محمد كباجة" -أربعة عشر عامًأ– وهو واحد من بين مئات الأطفال الذين يرافقون آبائهم في رحلة الصيد- يقول: "إن تردي الأوضاع الاقتصادية، أجبره على ترك مقعده الدراسي منذ حوالي ثلاثة سنوات، والنزول للعمل مع والده في مهنة الصيد، التي لا يكاد يكفي عائدها لتلبية الاحتياجات الأساسية لأسرته" على حد وصفه.
ويوضح محمد: "أنه يساعد والده في جمع الأسماك من شباك الصيد، ويعاونه في مهنته، لافتاً إلى أنه يشعر بالبرد الشديد والتعب أثناء عمله الذي يستمر أحياناً لأكثر من اثنتي عشرة ساعة في عرض البحر، بالإضافة إلى إطلاق النار الذي يتعرضون له من قِبل الزوارق الإسرائيلية التي تطلق نيرانها بشكل متكرر تجاه الصيادين.
ويجهل محمد وجود يومٍ عالمي للطفل قائلاً: "هادا (هذا) اليوم مش إلنا، لأطفال العالم اللي عايشين برفاهية وماخدين كل حقوقهم".
ويمثل تاريخ 20 نوفمبر/تشرين ثاني، اليوم الذي اعتمدت فيه الجمعية العامة إعلان حقوق الطفل عام: (1959)، واتفاقية حقوقه في عام: (1989).
استشهاد والده أجبره على العمل
ومن ناحية أخرى، يعمل الطفل "رامي أبو حصيرة" –اثنا عشر عاماً- أجيراً عند بائع أسماك في أحد أسواق مدينة غزة، ويوضح أن والده استشهد خلال الحرب الأخيرة على قطاع غزة (2014)، الأمر الذي أجبره على العمل في هذا السن المبكر، وذلك بعد انتهاء دوامه من المدرسة، لافتاً إلى أن عائلته المكونة من أربعة أفراد تعيش وضعاً اقتصادياً سيئاً، وتعتمد في توفير مستلزمات معيشتها على المساعدات الإنسانية.
الطفل بحاجة دائمة للاهتمام
بدوره، قال الاختصاصي النفسي والاجتماعي زهير ملاخة لـ"بصائر": "إن أطفال غزة كباقي أطفال العالم، هم بحاجة إلى الرعاية والعناية؛ لكي تحقق لهم السلامة النفسية والبدنية والاجتماعية، ويجب التعامل معهم بطرق تربوية هادفة حتى تتطور قدراتهم، وتشبع حاجياتهم بكل أنواعها -موضحاً- أن التعامل بتلك الطرق يُشعِر الطفل بالسعادة والهناء، والاستقرار والمعاملة الحسنة، ويستطيع أن ينمو في أجواء مستقرة" على حد تعبيره.
وأضاف: "أن #الأطفال بحاجة دائمة للاهتمام من الجميع، مع ضرورة توجيه كل الطاقات والقدرات والأنشطة والمهام نحو الطفل -موضحاً- أن التعامل الجيد مع الطفل، وحسن تشكيل شخصيته، يُعطي مؤشراً لمستقبل المجتمع بقواه وشبابه".
وقال ملاخة: "إن الظروف الصعبة التي تمر بها بعض العائلات في قطاع #غزة، دفعت أبناءهم للعمل، وتحمل المسؤولية مبكراً –مبيناً- أن ذلك يُعطي مؤشراً على مستوى الضغوط والصعوبات التي يمر بها بعض الأطفال منذ نعومة أظافرهم، وعلى حساب براءتهم وطفولتهم".
الأطفال يمارسون أموراً فاقت قواهم وتفكيرهم
وتابع: "بالتالي فإن الكثير من الأطفال في قطاع غزة يعيشون في ظروفٍ صعبة، ويمارسون أموراً فاقت قواهم وتفكيرهم وعمرهم، وبذلك نجد الكثير منهم في حالة نفسية سيئة، مع الشعور بالنقص إلى جانب نظرات التمنّي والحسرة، التي تملأ عيونهم، خاصة عندما يجدون من في عمرهم يعيشون طفولتهم الطبيعية".
الكثير من الأطفال في غزة يعيشون في ظروفٍ صعبة، ويمارسون أموراً فاقت قواهم وتفكيرهم وعمرهم، وبذلك نجد الكثير منهم في حالة نفسية سيئة
وأشار ملاخة: "إلى أن ضغوط الحياة الاقتصادية، التي تُلقي بظلالها على الحياة الاجتماعية، وعلى الاهتمام برفاهية الأطفال، تجعل الأطفال يحيون في ظروف صعبة وحياة روتينية تقليدية –مُشدداً- على دور المجتمع والدولة في رعاية الأطفال ذوي الوضع الاجتماعي الصعب -منوهاً- إلى أن أي تقصير بحقهم، هو ظلم جديد يُضاف إلى عالم الطفولة".
وذكر ملاخة: "أن بعض العائلات لا تستطيع التوفيق أو التعامل بحكمة في تصرفاتها مع أبنائها، نتيجة صعوبة الحياة، الأمر الذي يؤثر على انفعالاتها وإمكانياتها، وهنا يقع الطفل بين ظُلمين: ظروف الحياة، ومعاملة الوالدين".
غزة بحاجة لـ"يوم الطفل"
وأكد ملاخة على: "أن أطفال غزة بحاجة إلى "يوم الطفل" ليس فقط للاحتفال به، أو ذكر معاناتهم لبعض الساعات، بل لنتذكر من خلاله أن الطفل له حقوق، ويجب أن نحميه، ونُسخر له كل الإمكانات بقدر المستطاع، فلا إهمال ولا تفريط، ولا استعمال للأطفال من قِبل البعض بطريقة خاطئة".
ولفت إلى: "أن المطلوب أن يستشعر كل أبٍ وأُم، وكل فرد في المجتمع، وكل مؤسسةٍ ومسؤول فيها أمانة ما استؤمنوا عليه، (فكلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته)، وأن نُحافظ على سلامة أطفالنا نفسياً وبدنيا،ً ونرعاهم حق الرعاية، ابتداءً من الأسرة إلى مؤسسات المجتمع إلى دور الدولة".
وختم ملاخة حديثه قائلاً: "إن غزة عاشت وما زالت تعيش في ظروفٍ سياسية صعبة أنهكت قوى المجتمع بأكمله، وانصرف اهتمامنا بالجدل والصراع السياسي، وأهملنا الكثير من حاجيات المجتمع بكل فئاته، وخاصة الأطفال، ولذلك لابد من إحياء الضمير، والعمل على رسم المحبة والابتسامة والفرح في قلوب وعلى شفاه أطفالنا، وأن نعمل جاهدين للارتقاء بعقولهم وأرواحهم ومشاعرهم؛ لكي يحيوا حياة كريمة".
بيان حقوقي
وتجدر الإشارة إلى أن المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان (مقره جنيف)، قال في بيانٍ له، بمناسبة يوم الطفل العالمي: "إنه إضافة إلى انعدام الأمن الغذائي، فإن قوات الاحتلال رفعت من وتيرة اعتقال الأطفال في فلسطين، ليصل عدد المعتقلين شهرياً إلى أكثر من 150 طفلاً، وهو ما يشكل انتهاكاً واضحًا لحقوقهم المكفولة في المواثيق الدولية".
وبالرغم من مرور عشرات السنين على تدشين اليوم العالمي للطفل، كيومٍ عالمي لحقوق الطفل، تجد الطفل الفلسطيني في يومه شهيداً من أجل الحرية والإنسان، وتراه معتقلاً خلف الأسوار الشائكة في سجون الاحتلال، وإن نظرت إليه يميناً تجده يلهو ويلعب بأطرافه الصناعية التي بترها الاحتلال خوفاً من التقدم بالمسير نحو النضال! وإن حدقت بعينك يساراً تراه يندب حظه ويومه ويتمه على رحيل الأبوين جراء الحروب وجبروت وطغيان المحتل!
فحكايات الطفولة الفلسطينية ليست ككل الحكايات، فهو لا ينام وفي حضنه لعبته الصغيرة وأمه تسرد له القصص الجميلة؛ لكي يغفو وينام...!! فهو ينام شاحباً جائعاً بين ركام الحطام، وفي "الكرفان القصري" الذي خلفه له الاحتلال جراء قصف المنازل وتدمير البيوت على رؤوس ساكنيها، فهو يغفو ويصحو على صوت طائرات الاحتلال وهي تحلق في سماء الوطن المسلوب...!
لكن يُمكن القول أن الطفولة الفلسطينية عايشت الحصار فتعلمت الصبر، عايشت القصف فتعلمت الالتصاق بالأرض، عايشت التدمير والتجريف وتعلمت عدم التفريط، والتمسك بالأرض والعرض والثوابت, نحو تحرير الأرض وصولاً لرفع العلم الفلسطيني فوق مآذن القدس.