أولى الإسلام عناية خاصة بالقدس وأرض #فلسطين، واحتلت المقدسات الدينية في فلسطين مكانة تقترب من مكانة المسجد الحرام والمسجد النبوي؛ فحين أراد الله عز وجل أن يعرج بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم إلى السماء فأسري به أولاً من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى فقال تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَىٰ بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء:1].
ثم تكون القبلة الأولى التي يصلي إليها المسلمون هي بيت المقدس ليربط المسلمين معنوياً بهذا المكان المقدس وليكون ملكاً للمسلمين لا يقل أهمية عن المسجد الحرام، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَعَدُوِّهِمْ قَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَالَفَهُمْ إِلَّا مَا أَصَابَهُمْ مِنْ لَأْوَاءَ حَتَّى يَأْتِيَهُمْ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ كَذَلِكَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ؟ قَالَ: "بِبَيْتِ الْمَقْدِسِ وَأَكْنَافِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ" (رواه أحمد).
وأكناف بيت المقدس هي المنطقة المحيطة به من دول ومدن، ولذلك فإننا حين نتحدث عن قضية القدس والمقدسات الإسلامية بها فإننا نعني بذلك فلسطين كل فلسطين، كل شبر فيها، كل ترابها، وإن عجزت الأمة اليوم عن تحريرها فلا مجال للتفاوض من الأساس في شأنها؛ لأن كل الأرض هي وقف إسلامي لا يحق لطرف أن يتنازل عنه.
وقد جاء القرار الأمريكي بنقل السفارة الأمريكية إلى مدينة #القدس في وقت انشغلت فيه الأمة بحالة غير مسبوقة من الصراعات الداخلية والوهن الداخلي مما جرأ عدوها عليها، لهذا لم يكن القرار غريباً خاصة في هذا التوقيت، وإنما الغريب أن نجد من بين المسلمين من يتحدث عن حل الدولتين أو القدس المقسمة بين المسلمين واليهود في حالة من الخنوع الغريب على المسلم الذي يحثه دينه على الجهاد والشهادة والغضب لله، وجعل من يموت دون أرضه شهيداً ومن يموت دون عرضه فهو شهيد ومن مات دون ماله فهو شهيد، وقد انتهكت الأرض وانتهك العرض ونهبت الأموال، في الوقت الذي حولوا القدس من قضية هوية لمجرد ملف على مائدة مفاوضات تخضع لأهواء وضعف وتشرذم في ناحية، وفي ناحية أخرى عدو رتب أوراقه ووضع له هدفاً واستخدم قوته ووحد كلمته في سبيل تحقيق ذلك الهدف ولو على حساب وجود شعب له جذور تاريخية تمتد في التاريخ عمقاً!
لقد تحولت القضية الفلسطينية إلى قضية سياسية بعد أن كانت عقيدة تحرك المسلم فيحيا على أمل تحرير مقدساتها
لقد تحولت القضية الفلسطينية إلى قضية سياسية بعد أن كانت عقيدة تحرك المسلم فيحيا على أمل تحرير مقدساتها ليصير جل أمله أن يجد بها مكاناً يدفن فيه مما يفيض عليه به المغتصب بكرمه، وهنا إشكاليتان خطيرتان سوف أطرحهما لتتضح بعض الرؤى ولنعرف الطريق الأقصر ليس إلى القدس وحدها، وإنما إلى تحرير كافة التراب الفلسطيني المقدس:
الإشكالية الأولى: أن أرض فلسطين بما فيها القدس ليست مجرد وطن لشعب عاش على أرضه حراً منذ آلاف السنين وأقدم من أجداده الكنعانيين الذين عاشوا على تلك الأرض وعمروها ونعموا بها، إنما هي قضية عقيدة تخص كل مسلم على وجه الأرض، فهي إذن ليست قضية الشعب الفلسطيني وحده، كما أن الكعبة والمسجد الحرام والمسجد النبوي لا يخصان الشعب السعودي وحده، فهي قضية دين ومقدسات يجب الذود عنها والموت دونها إذا مسها مغتصب مهما مرت السنوات فالحقوق لا تسقط بالتقادم، والمقدسات والأوطان لا تحتاج لاعتراف دولي للدفاع عنها .
الإشكالية الثانية: هي مسألة المفاوضات، والاتفاقات، والوعود، ومن الغريب حقا أن نجد وطناً يوعد به لغير أهله ثم تجد العالم كله يجاهد لتحقيق وعد من لا يملك لمن لا يستحق، أو أن تجد من المسلمين من يجلس على مائدة مفاوضات حاملاً معه بعض آمال في بعض الأرض، من يملك حق التفاوض عن القدس؟ وبأي حق؟
لقد صور لنا العدو أنه لا يوجد سبيل غير التفاوض، وأن تلك الكلمة أصبحت تحمل دلالة حضارية مستجدة على أسماعنا كمسلمين وعلى تاريخنا الجهادي النبيل، وعلى مفاهيمنا الإسلامية والقيمية، فأنت إما أن تقبل التفاوض والفصال وربما البيع والتنازل، أو أن تصير في عين العالم موسوماً بالإرهاب والرعونة ويجب عليك الدفاع عن نفسك ونبذ تلك التهمة بكل السبل حتى لو بضياع الأرض والمقدسات!!
أي هوان هذا الذي وصل إليه العالم الإسلامي وقد فاق المليار ونصف في مقابل خمسة عشر مليوناً من يهود العالم يحتلون أطهر بقعة بعد الحرمين الشريفين؟ لقد صارت المفاوضات حالة من فرض النفوذ والهيمنة الصهيونية ليظهر المفاوض العربي وكأنه في حالة تسول لقطعة من الأرض يسميها بالقدس الشرقية أحياناً، وحدود ما قبل 1967 أحياناً أخرى فيكون أمراً واقعاً يجب التعامل معه.
لقد صارت المفاوضات حالة من فرض النفوذ والهيمنة الصهيونية ليظهر المفاوض العربي وكأنه في حالة تسول لقطعة من الأرض يسميها بالقدس الشرقية أحياناً، وحدود ما قبل 1967 أحياناً أخرى
والقدس حملت أهمية تاريخية عبر التاريخ؛ نظراً لما تمثله من مكانة دينية تسلم رايتها محمد صلى الله عليه وسلم يوم صلى بالأنبياء إماماً بها، ورغم تلك الصراعات الصليبية فلم يجرؤ أحد على فكرة استحلال الأرض أو استبدال شعب بمجموعة من اللقطاء من أرجاء الأرض مع الادعاء بملكيتهم لها، إنما كانت صراعات وسجالاً بين جيوش تأتي وترحل من حيث أتت مدحورة ويبقى شعبها عليها عزيزاً، وتبقى المقدسات فيها شاهدة على وجود حضاري إسلامي يعطي الحرية كاملة لممارسة العبادة لأهل الكتاب في كنائسهم ومقدساتهم، والتي تشهد أنهم لم يجدوا حرية في ارتيادها مثلما وجدوه تحت مظلة حكم المسلمين.
وهنا يجب أن نجيب على سؤال هام، هل صارت المفاوضات غاية في حد ذاتها؟ هل يدرك المفاوض العربي أنه لا قيمة لأي مفاوضات إلا إذا كانت ترتكز على قوة ومنعة وجيوش تقف خلفه في حالة من الإعداد والتأهب وإلا فهي غير مجدية؟ هل يملك المفاوض رؤية كاملة لما يطالب به على تلك الموائد وخريطة كاملة لما يريد التفاوض عليه؟ هل يعلم هو ذاته أنه مسئول أمام الله وأمام التاريخ وأمام كل مسلم وأنه لا يجب عليه التفريط في شبر منها ولا يستطيع ولا يملك؟
إن قرار التفاوض ليس مرفوضاً جملة، لكن الأوطان لا تعاد بالتفاوض، ولا تحل مشكلاتها على موائد العدو بغير جيوش قوية تقول كلمتها وترهب عدوها وتطهر الأرض ثم بعدها نجلس للتفاوض بشأن طريقة الانسحاب وحقن ما تبقى من دماء، ذلك هو الطريق الأوحد إلى القدس، وإلى كامل التراب الفلسطيني.
واجب الشعوب المسلمة
لقد فقه العالم خطورة عودة المسلمين لدينهم فبذلوا كافة الجهود التي من شأنها أن تضلل المسلمين وتبعدهم عن روح الدين وفرغوه من مضمونه وروحه ليصير مجرد طقوس كتلك التي تقام في الكنائس.
وبما أننا نرى الوهن الذي تعاني منه الأمة، والعمالة التي تحرك حكامها فلا سبيل سوى الثورة الشاملة من تلك الشعوب لتسمع العالم صوتها، ليعلم أننا أمة لم تموت، أمة يحول بينها وبين تحرير أرضها حكامها ولو حيل بينهم وبين فلسطين لوجدت ملايين تتوق للموت على ترابها، فلتتحرك الشعوب بلا هوادة ثائرين وهذا أضعف الإيمان في انتفاضة لا تتوقف حتى يعود ذلك الترامب في قراره طالما لا يوجد نظام عربي يستطيع إيقافه، ثم هناك سلاح المقاطعة الاقتصادية الشاملة للمنتجات الغربية، وذلك سلاح في يد الشعوب لا يستطيع الحكام محاربتها فيه، فإما أن نتحرك على تلك المحاور أو تضيع منا القدس لنصير عبرة للتاريخ تلعننا الأجيال القادمة بما نتركه لها من إرث لا يحمل سوى الهوان عنوانا وحركة، فلنقرر من الآن فليس هناك إلا سبيل واحد هو سبيل المقاومة.
إن قرار نقل السفارة الأمريكية لمدينة القدس لم يتخذه المدعو ترامب، وإنما اتخذه العرب والمسلمون حين تخلوا عن فريضة الجهاد وماتت نخوتهم
وتلك رسالة إلى كل الفصائل الفلسطينية أن لا سلام قبل التحرير، وحدوا الكلمة والوجهة وعددوا وسائل المقاومة لتربكوا عدوكم فتلك هي اللغة التي يتقنها والتي لا يفهم سواها، أجبروه على سماعكم ولو بالحجارة، ولا تجعلوه يعرف قراراً على تلك الأرض، إن الطريق إلى فلسطين واحد عبر العصور، هو طريق الجهاد والمقاومة وعلى الشعوب العربية والمسلمة أن تضغط بثورتها حتى تخفف الضغط على الشعب الفلسطيني في الداخل حتى يأذن الله بالفتح الأكبر.
إن قرار نقل السفارة الأمريكية لمدينة القدس لم يتخذه المدعو ترامب، وإنما اتخذه العرب والمسلمون حين تخلوا عن فريضة الجهاد وماتت نخوتهم واكتفوا بالهتاف إن كان ثمة هتاف أو غضب، ولن تعود القدس ولا فلسطين كاملة بكل ذرة تراب فيها حتى يعود المسلمون أعزة بدينهم ليفرضوا على العالم احترامهم.