لم تستطع أي من الإدارات الأمريكية السابقة منذ اتفاق أوسلو المشؤوم عام 1993 أن تنقل سفارتها إلى الكيان الصهيوني خوف الانفجار العربي والإسلامي الذي لا يبقي ولا يذر، ومن ناحية أخرى مخافة معارضة الأمم المتحدة التي رفضت اعتبار القدس عاصمة للاحتلال الصهيوني، في الوقت الذي تدافع فيه أمريكا عن الحرية والسلام وحقوق الانسان والديمقراطية، لكن هذه الشعارات الفارغة لم تدم حتى جاء ترامب.
ترامب منذ اللحظة الأولى لقدومه جاء بمشروع التطبيع عبر القوة الناعمة، وإبقاء حالة الصراع الداخلي محتدمة في الشرق الأوسط دون تدخل مباشر من الجيش الأمريكي كما حصل في العراق سابقاً، فانظر لخطابه في الرياض... "لن نقاتل مكان أحد... أسلحتنا ستعجبكم.... هناك عدو مشترك بيننا وبين العرب إيران، وسنشكل تحالف عربي مع "إسرائيل" ضد إيران".
كل ذلك كان ترويضاً ناعماً لحالة الوعي العربي لتمرير القرار الأخطر، أمام الاختبار الأخير عربياً على المستوى الشعبي والرسمي، وتخيل أن قرار نقل السفارة الأمريكية للقدس جاء بعد سلسلة انسحابات أمريكية من المنظمات والاتفاقيات الدولية، مثل اتفاقية المناخ، اليونسكو والتي أكدت أن القدس إسلامية، ثم وقع ترامب بكل وقاحة على قرار القدس عاصمة للكيان الصهيوني.
لا يعني القرار شيئاً إن تحركت الشعوب الإسلامية والعربية بقوة، ولا يساوي الحبر الذي كتب فيه قرار ترامب ولا توقيعه ، فما على الأرض على الأرض، وفشل القرار مرهونٌ بقوة الغضب ضد السفارات الأمريكية، والخطوات الرسمية العربية وليس الإدانة والتهديد في المنظمات الدولية التي جعلت لتفريغ حالة الغضب الدولي للدول القوية والمستضعفة.فشل القرار مرهونٌ بقوة الغضب ضد السفارات الأمريكية، والخطوات الرسمية العربية وليس الإدانة والتهديد في المنظمات الدولية التي جعلت لتفريغ حالة الغضب الدولي للدول القوية والمستضعفة
أعلم أن القرار لم يتم بدون موافقة أطراف عربية أو علمها على الأقل، تلك الأطراف التي أخذت المنطقة في حالة صراع داخلي عميق أفقدها حيويتها وقوتها الداخلية، وعليه فإن حدث بمستوى القدس عليه أن يعيد البوصلة إلى اتجاهها الصحيح ولعلها الفرصة الأخيرة لقلب جميع الأوضاع.
حجم المسيرات واستمراريتها في الدول الأوروبية خصوصاً يثبت الفرضية الجديدة أن الولايات المتحدة الأمريكية دولة لا تهتم لا بالسلام ولا بالسلم العالمي ، ودولة تنتهك حقوق الغير، علماً أن حق تقرير المصير وفق القانون الدولي نسب إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية وودرو ويلسون، في الوقت الذي كانت فيه تحاول تغيير شكل النظام العالمي لأكثر قانونية وأخلاقية، ولكنها فشلت اليوم بسياسة ترامب في الإلتزام بتلك الأخلاق، مما يجعلها تحت تساؤل كل أطراف العالم.
وكانت الجمعية العامة للأمم المتحدة صوتت بأغلبية ساحقة على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره في منتصف ديسمبر 2014، ضمن مشروع قرار فلسطيني عربي يضع حداً زمنياً لإنهاء الاحتلال الصهيوني على الأراضي المحتلة عام 1967، ولكن الولايات المتحدة والاحتلال الصهيوني وكندا اعترضتا على القرار في الأمم المتحدة، واعترضت أمريكا عليه في مجلس الأمن مما يجعلها محط أنظار العالم الأوروبي في اضطهاد حقوق المستضعفين والطامحين بالاستقلال، وعليه فإن إبقاء الحالة الثورية للشعب الفلسطيني، وحالة اللاهدوء يضر بشكل كبير في الولايات المتحدة.
أمامنا اختباران اثنان أولهما إبقاء القضية الفلسطينية طاغية على السطح بقوة، وتعميقها في العمق العربي كقضية إسلامية أولاً وأخيراً، ثم إبقاء حالة اللاهدوء أمام السفارات الأمريكية في كل بقاع الأرض عبر المسيرات المضادة، والتي تكشف سوءة أمريكا في استخدام القوة لصالح الكيان الصهيوني على حساب حرية واستقلال وكرامة الفلسطينيين أولاً، وكذلك المقدسات الإسلامية والمسيحية.
من الضرورة بمكان استغلال هذه الحالة الثورية التي بدأت تنهض من جديد قبل فوات الأوان
من الضرورة بمكان استغلال هذه الحالة الثورية التي بدأت تنهض من جديد قبل فوات الأوان، وعلينا استذكار خطوات الاحتلال الصهيوني في فشل تمرير قرار البوابات الإلكترونية خوفاً من تفجر الحالة الشعبية الفلسطينية بما يضر باستقراره بالكامل، وتعميق البعد الثوري من جديد، في الداخل الفلسطيني، ليبقى هذا القرار حبراً على ورق غير قابل للتطبيق بسبب الحالة الثورية، ليس لتراجع أمريكا عن قرارها فقط بل لتقديم خطوات جديدة في المجتمع الدولي ضد الاحتلال، وعلينا كمسلمين أولاً وعرب ثانياً أن نبقى الحالة الثورية القوية في عقول وقلوب الأجيال الحالية والقادمة حتى تأتي فرصة التغيير .