كثيراً ما يُهمل الوالدان تعليم أولادهما الأمور المالية، ويظنون أنه لا داعي لذلك طالما أنهم لم يحتاجوا له بعد، ولم ينزلوا إلى سوق العمل، رغم أن الإدارة المالية الصحيحة، من مقومات الشخصية الناجحة، ومن مقومات الحياة الناجحة.
عندما يولد الطفل يكون متمركزاً حول نفسه، يشعر بأنه هو الكون بأسره، أو أن الكون خُلِق له، لا يعرف سوى الأخذ وتلبية طلباته ، ومع مرور الأيام يبدأ بالخروج من مركزيته والتفاعل مع العالم الخارجي، ويبدأ بفهم مبدأ الأخذ والعطاء، ومع وصوله إلى العام الثالث، يدرك أن عليه أن يُقدم نقوداً مقابل حصوله على ما يريد أن يشتريه من الباعة، كالحلوى أو الملابس أو الكتب، وهذا الإدراك يصله من رؤيته لوالديه، ورؤيته للبالغين وهم يخرجون نقوداً من محفظتهم؛ كي يدفعوا ثمن ما اشتروه، وأحياناً قبل أن يصل إلى هذا الإدراك من تلقاء نفسه، قد يذهب ليشتري شيئاً ما، ثم يتفاجأ بأن البائع يطلب منه الثمن، وهذه قد تكون البداية كي يشرح له والداه عن فكرة النقود والثمن.لكنه حتى هذه اللحظة تكون فكرته عن النقود مجردة وعامة، ولا يفهم قيمتها والاختلافات بينها، ولا يفهم أن لكل شيء قيمة خاصة مختلفة عن غيره.
بداية حدّثوهم عن تاريخ التجارة، وكيف كان الناس في عصور ما قبل النقود يقايضون أو يبادلون ما يفيض عن حاجتهم، بما يحتاجونه، مثلاّ إذا كانوا يملكون بيضًا زائدًا، وكان عند جارهم حليب زائد، فإنهم يعطونه البيض ويأخذون الحليب.
تدريب عملي للأطفال:
اطلبوا من أولادكم أن يجمعوا الفائض من ألعابهم أو أدواتهم المنزلية، أو حتى ملابسهم التي لم يعودوا يرغبون بارتدائها، وأن يقايضوها مع أخوتهم، حتى يمكن أن تتفقوا مع أفراد أسرتكم أو أصدقائكم؛ كي يتبادل أولادهم الأشياء التي لم تعد تلزمهم مع أولادكم.
أخبروا أولادكم أن هذه الطريقة كانت تفي بالغرض، لكن بالطبع عليها الكثير من الإشكالات. (اسألوا أولادكم عن الإشكالات الموجودة).
-هناك بعض الأشياء التي يصعُب حملها أو نقلها. (اطلب من ابنك مثالاً عليها).
-هناك بعض الأطعمة التي قد تنكسر. (اطلب من ابنك مثالاً عليها).
-هناك بعض الأطعمة التي قد تفسُد أو تتعفن. (اطلب من ابنك مثالاً عليها).
-هناك بعض الأشياء الكبيرة، والتي يصعب تجزئتها، وبالتالي تكون نتيجة المقايضة غير عادلة.
إذن نحن هنا أمام مشكلة، وعندما يكون هناك مشكلة يجب أن نفكر بالحل، والحل كان باختراع النقود الذهبية والفضية بادئ الأمر، لكن ظهرت هنا أيضاً مشكلة أخرى، (أعطوا أولادكم كمية من النقود المعدنية، ونفس قيمتها من العملة الورقية، ثم اسألوهم عن أيهما أسهل في الحمل، وأيهما أخف وزناً، الهدف من السؤال هو أن يكتشفوا بأنفسهم مشكلة النقود المعدنية).
النقود المعدنية ذات وزن ثقيل، وحجم كبير، لذا من الصعب حمل مبلغ كبير، والتجار عادة يضطرون إلى استخدام مبلغ كبير، إذن برزت هنا مشكلة، وعند وجود مشكلة لابد من التفكير في الحل.
وكان الحل باختراع الأوراق المالية، التي تحمل قيمة تساوي قيمة النقود المعدنية، وبذلك نكون قد قصصنا على أولادنا قصة اختراع العملات.
أما الآن فعلينا أن نشرح لهم بأن لكل قطعة نقدية قيمة مختلفة عن غيرها.
تدريب عملي: نُري الأولاد عملات مختلفة، ونجعلهم يركزون على اختلاف اللون، واختلاف قياس النقود، تبعاً لاختلاف قيمتها، ثم نعرض عليهم أشياء مختلفة، ونطلب منهم أن يتوقعوا سعرها، الهدف ترسيخ فكرة اختلاف قيمة الأشياء عمليًا.
يمكن بعد ذلك أن نشرح له التعاملات المختلفة:
-الهدية أو العطية: هي أن نعطي الآخرين دون مقابل.
-الإعارة: أن نعطي الآخرين شيئاً ما، لكن بشرط أن يُعيدوه لنا.
-الشراء: أن نأخذ شيئاً ما وندفع ثمنه في الحال.
-الدين: أن نشتري شيئاً ما، لكن ندفع ثمنه لاحقًا.
-القرض: أن نأخذ نقودًا من شخص ما، ثم نعيدها له في وقت آخر.
-المقايضة أو المبادلة: أن نأخذ شيئاً، ونعطي بدلاً منه شيئًا آخر.
قد نظن أن هذه المفاهيم كبيرة على الطفل، لكن في الحقيقة يمكنه فهمها من عمر ثلاث سنوات ونصف، إذا طبقنا ذلك عن طريق اللعب، وبالتدريج.