يقول الله تعالى: {فاليوم ننجيك ببدنك لتكون لمن خلفك آية}. صدق ربنا في كتابه وأبدع في وصف مشهد زوال الطاغية فرعون لتظل الآية خالدة مخلدة تقرؤها الأجيال وتفقهها حتى قيام الساعة، فمع تعدد مظاهر الطغاة وأشكالهم وتنوع مكرهم وفسادهم، لكن السمت واحد والمدرسة الفرعونية باقية وممتدة.
إن مصارع الطغاة من مبشرات النصر، فرحيل الظالم نعمة، ولما كان الطغاة ورحيلهم تحول في المشهد الميداني عموماً فكان لابد من دورس مستفادة يكتبها القلم ويسعد بها القلب.
الدرس الأول
إن حلم الله على الظالمين وإن طال فمردهم إليه حتماً، وسيسوق لهم ظالمين من بني جلدتهم، فالظالم سيف من سيوف الله به انتقم ومنه انتقم كما ورد في الأثر، والظالم مهما ظن أنه في عصمة من أمره وحماية ومنعة فإن المكر والفناء يأتيانه من مأمنه، وتلك سنن باقية وممتدة إلى يوم القيامة، والبغي عاقبة أمره الخسران والخزي في الدنيا والعذاب يوم القيامة.
مهما ظن الظالم أنه في عصمة من أمره وحماية ومنعة فإن المكر والفناء يأتيانه من مأمنه
الدرس الثاني
إن مكر الله بالظالمين حتمي الحدوث {ويمكرون ويمكر الله} لذلك يسترسلون في ظلمهم ظانين أنهم في نجاة، وأن هذا المكر من عوامل البقاء والاستمرار في الظلم وسيادة البشر، لكن يأبى الله إلا أن يذل من حاربه وعصاه، فينوب عن الفئة المؤمنة بالمكر؛ لأنه يعلم ضعفهم وقلة حيلتهم. وهنا درس عظيم أن المظلومين إن ركنوا إلى ركن الله ففيه النصر، وإن تخلوا ولم يأخذو بأسباب الحياة الكريمة طال هوانهم وذلهم، وتحكم في رقابهم الظالمون والطغاة مدداً غير منتهية الميقات والزمان.
الدرس الثالث
إن الناظر في التاريخ يجد الظالمين مذكورين بكل مواقف الخسة والفضيحة، فالتاريخ لن يخلد إلا الأحرار الشرفاء الذين قدموا لدينهم وأوطانهم ومارسوا حياتهم بفهم وثبات ودور رسالي في تربية الأجيال وتصحيح مسار أفكارهم وغرس القيم الناجحة، أما القتلة والطواغيت فلا قيمة لهم فآثارهم وجرائمهم وسفكهم للدماء التي لازالت تنزف حتى الآن نتيجة تمدد هذه المدرسة الفرعونية كثيرة وكبيرة، وبلاشك لهم نصيب من الوزر والإثم كما لقابيل حتى الآن نصيب من الدم المسفوك.
التاريخ لن يخلد إلا الأحرار الشرفاء الذين قدموا لدينهم وأوطانهم ومارسوا حياتهم بفهم وثبات ودور رسالي في تربية الأجيال وتصحيح مسار أفكارهم وغرس القيم الناجحة
الدرس الرابع
إن غفلة المظلومين وطول سباتهم بدعوى أن صاحب الحق منتصر في نهاية المطاف هي سذاجة وهدية للظالمين أن استمروا في بغيكم وتجبركم ونحن سنظل ندعوا عليكم فقط، ولا أرى أن هذا التفكير "الغاندي" إلا عطل وغباء في غير محله؛ فالمرء مدعو إلى السعي للحياة الكريمة غير ذليلة حتى وإن كانت كلفتها عالية، وإن تعذرت فبطن الأرض أولى بنا من ظهرها، لكن بعد السعي لكافة الأسباب والأخذ بها.
وعلى المظلوم أن يعي أنه وبالرغم أن الله سيقتص له يوم القيامة من ظالمه إلا أنه أيضاً مطالب بالسعي لتغير المنكر ورد الظالم حتى ولو بقلبه، ويقيناً فإن الظلم أعظم المنكرات، فقد حرمه الله وجعله بيننا محرماً.
الدرس الخامس
إن الدعاة إلى الحرية والكرامة هم أصحاب رسالات وقدوات في طريق الحق والعدل، وبالتبيعة فهم أتباع رسول الله وحملة لوائه من بعده، لذلك فالحذر كل الحذر أن يرخصوا فكرتهم ورسالتهم بعرض حقير من الدنيا الزائلة، حتى ولو كان البريق سمته، وحتى لو أقسموا بسلامة المقصد سبيلاً ومنهاجاً؛ فالداعية رسول رسول الله وغير مقبول أن يحيا الداعية دون أن يزلزل الأرض من تحت أقدام الطغاة توعية للشعوب وإفهاماً لها بخطورة الظلم وأهله.
الدرس السادس
إن مصير الطغاة الطغاة محتوم وإن كنت أخي في شك فاسأل عن غرق فرعون، وعن خسف قارون، وغيرهم الكثير. فالزوال هو نهاية المطاف رغماً عن أنوفهم، ويد الله تعمل في الخفاء، فيمهل للظالمين ليزدادوا ظلماً وإثما، والأمر كله يجري على عين الله، فهم غير مهملين بل ممهلين ولهم ميقات آت سيقتص منهم في الدنيا قبل الآخرة، عندها تهدأ أمهات الشهداء ويجف دمعهن وتسكن قلوبهن ويرتاح بالهن ويرضين ولا يحزن. المهم أن لا نتعجل نصر ربنا ولا نيأس أو نستبعد مكر الله بالظالمين.
وها نحن كل يوم نرى جميل مكر الله بهم واستدراجهم لنهايتهم رغم كل الحراسات والتدابير الأمنية، وكأن الله يوجه رسالة واقعية للمظلومين أن "ثقوا في مكر ربكم" وكفى!