تتزامن في هذه الأثناء ذكرى ميلاد النبي محمد بن عبد الله مع ذكرى ميلاد النبي عيسى بن مريم عليهما السلام.
عيسى بن مريم النبي الذي أرسله الله إلى بني إسرائيل بوحيه المنزل في إنجيله الكريم، وقد أمره الله عز وجل أن يوجه قومه ويهديهم بموروثهم من توراة موسى، وكذلك بما جاءهم من عند الله في هذا الإنجيل، الذي جعله الله مصدقاً للتوراة، ومهيمناً عليها كما أخبر في قرآنه الكريم.
ومحمد بن عبد الله النبي الخاتم الذي أرسله الله للناس كافة، وأرسل إليه قرآناً مهيمناً على كل ما كان قبله، وقد أقر الله به الرسالة الخاتمة، التي جعلها الباب الوحيد لولوج حديقة رضاه وجنته.
في ذكرى ميلاد النبيين الكريمين، ننظر نظرات سريعة على واقع الأتباع في محاولةٍ للإلمام الخاطف ببعض أبعاد هذا الواقع.
-الإيمان وتكفير الآخر عند الفريقين:
كثيراً ما يعيب البعض على أتباع الدين الإسلامي تكفيرهم لأتباع الدين المسيحي، على اعتبار أن هذا تطرف وإرهاب يجب أن لا يكون، وينسى هؤلاء أن تكفير المسلمين لغيرهم من أهل المسيحية والصليب هو من صميم عقيدتهم.
يقول الله تبارك وتعالى في قرآنه: {لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة}[سورة المائدة، آية:73]، ويقول: {لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم} [سورة المائدة، آية:72]، وهذا تكفير صريح من الله لمن يقول بالتثليث أو بألوهية عيسى، والنصارى هم هؤلاء المثلثون المؤلهون لعيسى عليه السلام.
وتكفير النصارى للمسلمين أوضح وأشد، فهم لا يعترفون بنبوة محمد صلى الله عليه وسلم من الأساس، وبالتالي يعتبرون ديانة الإسلام ديانة كاذبة مدّعاة، وكتاب القرآن كتاباً ألفه محمد صلى الله عليه وسلم متأثراً بالكتب السابقة عليه المنزلة.
ليس العيب أبداً في الاعتقاد بكفر الآخر عند هؤلاء أو أولئك، إنما العيب هو فيما يترتب على هذا التكفير. أي أن لكل منا أن يلتزم بما حدثته عقيدته به في تكفير الآخر، ولكن ليس لنا أن نسيئ لهذا الآخر لمجرد إيماننا بكفره.
ليس العيب أبداً في الاعتقاد بكفر الآخر عند هؤلاء أو أولئك، إنما العيب هو فيما يترتب على هذا التكفير، فلكل منا الالتزام بما حدثته عقيدته به في تكفير الآخر، ولكن ليس لنا أن نسيئ لهذا الآخر لمجرد إيماننا بكفره
-حرية التفكير والرأي عند الفريقين:
الغريب أن يُتهم الدين الإسلامي بأنه دين يقف أمام حرية التفكير وإبداء الرأي، في حين أن الصورة على غير هذا تماماً.
المسيحية بأبعادها الاعتقادية هي التي تقف سداً مانعاً أمام حرية التفكير وإبداء الرأي حقيقة، فالإسلام دين لم يقر بالقدسية إلا للنصوص القرآنية والنبوية، وقد حضّ على النظر فيها ومحاولة فهمها، والاجتهاد في استخلاص الرأي من خلالها، وبلغ في حضه على ذلك إلى حد أن جعل للمجتهد المصيب في هذا أجرين، وللمجتهد المخطئ أجراً واحداً.
إذن، القداسة في الإسلام للقرآن والسنة فقط، ولا قداسة بعدهما لأحد، ولا لفهمه، ولا لرأيه .
أما المسيحية فهي التي تصنع قداسة لرجالات الدين فيها -قساوسة ورهباناً- فتجعل كلامهم كلاماً معصوماً، وإخبارهم إخباراً عن الله مباشرة، وآراءهم آراءً سماويةً لا يجوز الجدل فيها، ولا مخالفتها، فأين تقف حرية التفكير والرأي إذن!
-الإرهاب والعنف عند الفريقين:
العنف والإرهاب ليس خاصاً بدين دون دين، ولا بقوم دون قوم، العنف والإرهاب ممارسة يُقبل عليها أهل العقول المريضة، والقلوب القاسية من الفريقين.
العنف والإرهاب ليس خاصاً بدين دون دين، ولا بقوم دون قوم، العنف والإرهاب ممارسة يُقبل عليها أهل العقول المريضة، والقلوب القاسية من الفريقين
لا يوجد في الإسلام ما يحض على العنف والإرهاب مطلقاً، بل هو حقاً دين السلام، قال تعالى في سورة الأنفال: {وإن جنحوا للسلم فاجنح لها}[سورة المائدة، آية:61]، ولا يحث الإسلام مطلقاً على معاداة أحد إلا أن يكون هو العدو المبتدئ بعدوانه، والأصل الظاهر -رغم الخلاف في المسألة- أن حروب الإسلام دفاعية لا هجومية، وهو أرقى الأديان التي حثت على أخلاق الحروب، والتي لا يوجد في أي دين شبيه بها.
وكذلك المسيحية دين سلام، بالرغم من كونها ديناً تلاعب بأصوله المتلاعبون، وأضاف إليه المزوّرون، الذين اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً، فحرَّفوا الكَلِمَ عن مواضعه، غير أن المسيحية ظلت على الرغم من ذلك ديانة سلام وحب، كما يصفها الناس عادة، وهي في هذا تخالف قرينتها اليهودية، التي هي ديانة كراهية وعدوان وتطرُّف في أصلها، وفي نصوصها المقدّسة المدّعاة!
ويبقى الإرهاب كما قلنا ممارسة من هنا ومن هناك.
غير أن الهجمة الإعلامية العالمية على ما يسمى بالإرهاب الإسلامي، هي في الحقيقة هجمة مقصودة وكاذبة، فقد وصموا فيها المجاهدين المدافعين عن أوطانهم وحرياتهم بوصم الإرهاب، وهم منه برآء!
الإرهابي الحقيقي هو الذي يحتل البلاد ويقتل أبناءها، أو يغتصب حقوق الناس فيها، أو يجثم على صدور الناس حاكماً مستبداً، وكل ممانعة لهذه الأشكال من الإرهاب الحقيقي ليست إرهاباً، ولكنها جهاد ودفاع شَرَعَه الله، وأقرّته الدنيا كلها في مبادئها الإنسانية التي تعارف الجميع عليها.
الإرهابي الحقيقي هو الذي يحتل البلاد ويقتل أبناءها، أو يغتصب حقوق الناس فيها، أو يجثم على صدور الناس حاكماً مستبداً، وكل ممانعة لهذه الأشكال من الإرهاب الحقيقي ليست إرهاباً، ولكنها جهاد ودفاع شَرَعَه الله
-انزواء وسلبية الأقلية عند الفريقين:
أكبر المشتركات بين الفريقين (المسلمين والمسيحيين) هو انزواؤهم وسلبيتهم عندما يكونون أقلّية في بلاد أغلبية من الفريق الآخر .المسلمون في بلاد الغرب المسيحية أقلية سلبية منزوية ليس لها قدر ولا وزن ولا تأثير، حتى أنه توجد أقليات لأديان وعرقيات أخرى في هذه البلاد الغربية، هي أقل من المسلمين هناك عدداً، لكنها أكثر قوة وتنظيماً وحضوراً وتأثيراً!
المسلمون في أمريكا لا يقلّون عن اليهود فيها، بل إنهم كما ذكرت آخر الإحصاءات، قد زادوا عليهم، لكن بمقارنة بسيطة بين اليهود والمسلمين هناك، يتبين لنا حجم الفارق في القوة والتأثير والتغلغل في مناحي الحياة المختلفة، وكذلك هو حال الأقليات المسيحية في دول العالم الإسلامي، أقليات مسيحية منغلقة على نفسها، تعتبر نفسها شعباً غير الشعب، وقضية غير القضية، ويكفي لكي ندلل على ذلك أن نذكر حال الأقلية المسيحية المصرية.
-الانتماء العقائدي والوطني عند الفريقين:
المسيحيون يرتبط عندهم هذا الأمر بكونهم أغلبية في الوطن أم أقلية. فأما إذا كانوا أغلبية كما في البلاد الغربية، فإن انتماءهم العقائدي لا يساوي شيئاً أمام انتمائهم الوطني، فالوطن هناك هو عقيدتهم الأولى والأكبر، ويأتي من بعده من بعيد الانتماء العقائدي الديني وغيره من الانتماءات.
أما إذا كان المسيحيون أقلية كما هم في البلاد الإسلامية، فإن انتماءهم العقائدي يظهر قوياً، يتخندقون خلفه، ويقدمونه على انتمائهم الوطني تقديماً بارزاً ملحوظاً.
أما المسلمون فإن الأمر يتوقف عندهم على درجة قربهم من عقيدتهم ودينهم، فالقريب منهم من هذه العقيدة فكراً وممارسة، لا يقارب منها أي انتماء آخر مهما كان، ولو كان انتماء الوطن والدم، فالعقيدة الإسلامية تصبح حينها هي وطنه الأول والأكبر وانتماءه الأعظم.
أما إذا بعُد عن عقيدته الإسلامية فكراً وممارسة، فوقتها تتقدم انتماءات كثيرة عليها، وفي مقدمتها انتماؤه لوطن من الأوطان، أو لعرق من الأعراق.
ويجب هنا أن نشير إلى أن انتماء المسلمين العقائدي لا يضر بالوطن ولا بالوطنية مطلقاً، بل هو ينمي هذه الوطنية ويعظم من شأنها ، إلى حد أن يجعل الموت في سبيلها شهادة تستوجب الجنة ونعيمها.