كما أن لكل علمٍ فناً، ولكل فنٍ علماً، فقد أصبحت التربية موضع اهتمام لدى الكثير من مفكرينا وكتّابنا، بعد أن كانت تقتصر على روتينٍ بسيط، يتوارثه الآباء عن الأجداد، ووصلنا إلى مرحلة منهجةِ التربية، والتماس فنونها وأفنانها.
وبدأ المفكرون والكتاب والأدباء يتسابقون نحو القمة في هذا المجال، كل منهم يقصد بلوغ الذروة، وترك بصمة في هذا المجال المتجدد الذي لا ينضب -لا من أجل الشهرة- بل من أجل تهيئة جيلٍ إسلامي ينشأ على التربية الإسلامية، والتربية المنهجية الصحيحة، ولكن نرى أن الدكتور إبراهيم بدر شهاب الخالدي -مؤلف زاد المربين من القصص التربوي الهادف- لم يذهب بعيداً، بل حاول تجديد عادة أجدادنا بصورة أكثر نمواً وانتقاءً.
فاستفاد من مبدأ "الحكواتي والقصاص"، ومن حكاية الجدة تقصها على أحفادها، فخرج بثوب جديد لهذه القصص، محاولاً أن يبتعد عن الخرافة والخيال، وأن يجمع الكثير من قصص السابقين، ويصنفها حسب موضوعها العام، وقد نال عمله الكثير من الرضا، وكتابه لم يُسعد به الناشئة فحسب، بل أصبح المربي يقرؤه لذاته قبل تلاميذه، والأم تتمتع بقصصه قبل أبنائها وبناتها.
الجميل في هذا الكتاب ومثيله من الكتب أنه يطلعك على مواقف وأحداث مرّ بها السابقون، ومعرفة تصرفاتهم، وطريقة معالجتهم لتلك المواقف، فيتركك تتأثر بمواقفهم، متمنياً أن تتقفى أثر بعضهم تارة، وأن تعتبر من بعضهم تارة أخرى.
وسرد المؤلف العديد من قصص الصحابة والمجاهدين التي تروي مروءة وأخلاق العربي، ومحاسن وأخلاق المجتمع المسلم من التضحية والفداء.
وقسم المؤلف كتابه إلى عدد من الفصول: "في الأخلاق الطيبة"، "في الجهاد والفداء"، "عبر وعظات ووصايا"، "في التربية والتوجيه"، "قصص في العدل والظلم"، "في المحن والشدائد"، "في الأمانة والتقوى"، "في العفة ومغالبة الشهوة"، "طرائف ومواقف"…إلخ.
ويرى المؤلف أن القصة تعد أقدر الأساليب الأدبية على تمثيل الأخلاق، وتصوير العادات، ورسم خلجات النفوس، كما أنها –إذا شرف غرضها ونبل مقصدها– تهذب الطباع وترقق القلوب، وتدفع الناس إلى المثل العليا والقيم النبيلة: كالإيمان والواجب والحق والتضحية والكرم والشرف والإيثار.
يقول المؤلف: "القصص على اختلافها -ولا سيما المحكمة الدقيقة منها- تطرق السمع بشغف، وتنفذ إلى النفس البشرية بسهولة ويسر، وتسترسل مع سياقها المشاعر، فلا تمل ولا تكل، ويرتاد العقل عناصرها فيجني من حقولها الأزاهير والثمار؛ ذلك أن في القصة سحراً يسحر النفوس، وقد يكون ذلك بسبب انبعاث الخيال الذي يتابع مشاهد القصة وأحداثها ويتعقبها من موقف إلى موقف، أو بسبب المشاركة الوجدانية لأشخاص القصة وما تثيره في النفس من مشاعر تتفجر وتفيض، أو بسبب انفعال النفس بالمواقف، حيث يتخيل السامع للقصة نفسه داخل الحوادث، ومع ذلك فهو ناج منها متفرج من بعيد".
ويؤكد المؤلف أنه لا بد من الوقوف على الطريقة التربوية التي يجب أن يتم نسج القصة وسردها على أساسها، ويتمثل ذلك بإيراد المواقف التي لها علاقة بالغرض الذي سيقت القصة من أجله، والتغاضي عما عداها من التفاصيل، وأن تقحم النصائح والعظات في ثناياها؛ كيلا يندمج السامع مع الأحداث بكل تفكيره، وينسى المقصد الأصلي للقصة.
ويضيف في ختام مقدمة الكتاب: "إذا فقدت هذه العناصر، غاب عنصر التربية والتوجيه منها؛ بسبب تغلب الأحداث فيها على ما في مضمونها من عبرة ومعنى، أما هذا الزاد فقد اجتهدت في اختيار محتوياته وتنويع موضوعاته؛ لتشمل العبر والمواعظ والحكم والأمثال والأدب واللغة والفكاهة والنوادر... وغيرها من الموضوعات الشيقة التي تدور حول أهداف تربوية سامية".
بطاقة الكتاب:
العنوان: زاد المربين من القصص التربوي الهادف.
المؤلف: د.إبراهيم بدر شهاب الخالدي.
تاريخ الإصدار : 2010م (الطبعة الرابعة).
عدد الصفحات424 صفحة.